الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النّارِ} [إبراهيم 30/ 14] وقوله: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً، إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات 46/ 77] ويلاحظ أن الآيات الثلاث عللت سبب إهمالهم في الدنيا، إذ لا حظّ لهم في الآخرة.
ثم ذكر تعالى سبب تأخير عذاب الكفار إلى يوم القيامة فقال:
{وَما أَهْلَكْنا} أي إن سنة الله تعالى في الأمم واحدة، وهي أنه لا يهلك أهل قرية إلا بعد قيام الحجة عليهم، وإبلاغهم طريق الرشد والحق، وانتهاء أجلهم المقرر والمقدر لهم في اللوح المحفوظ، وأنه لا يؤخر عذاب أمة حان هلاكهم عن وقته المحدد، ولا يتقدمون عن مدتهم:{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ} [الرعد 38/ 13]{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف 34/ 7].
والمقصود بالآيات: أنه لو شاء الله لعجل العذاب للكفار، ولكن اقتضت حكمته إمهالهم لعلهم يتوبوا، فإن لكل أمة أجلا معينا، لا تأخير فيه ولا تقديم، والله تعالى يمهل ولا يهمل.
وهذا تنبيه لأهل مكة وأمثالهم وإرشاد لهم إلى الإقلاع عما هم عليه من الشرك والعناد والإلحاد الذي يستحقون به الهلاك، كما قال ابن كثير.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
القرآن الكريم جامع بين صفة الكمال في كل شيء، والوضوح والبيان، فلا نقص فيه ولا خلل، ولا غموض ولا لبس، وإنما يظهر الحق من الباطل لكل إنسان.
2 -
سيندم الكفار يوم القيامة على كفرهم، ويتمنون أن لو كانوا مسلمين في
أوقات كثيرة؛ لأن {رُبَما} وإن كانت تستعمل في الأصل للقليل، إلا أنها قد تستعمل في الكثير، ومن عادة العرب أنهم إذا ذكروا التكثير، ذكروا لفظا وضع للتقليل، ثم إن هذا التقليل أبلغ في التهديد.
3 -
يهتم الكفار عادة بالماديات، فتراهم منغمسين في الشهوات والأهواء واللذات، معتمدين على الآمال المعسولة، مغتّرين بالأماني الزائفة، منشغلين بالدنيا عن الطاعة والعمل للآخرة. وقد هددهم الله بتركهم في مآكلهم ومتعهم، وحذرهم من عاقبة صنيعهم.
والآية تدل على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤدي إليه طول الأمل ليس من شأن أخلاق المؤمنين.
وورد في السنة النبوية أحاديث كثيرة في ذم الأمل مطلقا، منها
ما رواه أحمد والشيخان والنسائي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يهرم ابن آدم، ويبقى معه اثنتان: الحرص والأمل»
وفي مسند البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعة من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا» .
وروى أحمد والطبراني والبيهقي عن عمرو بن شعيب مرفوعا قال: «صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل» .
4 -
لا ظلم في إهلاك الأمم الكافرة المكذّبة للرسل، وإنما هلاكها بسبب جحودها وكفرها وتكذيبها بآيات الله ورسله.
5 -
إن هلاك الأمم ليس عشوائيا ولا كيفيا حسب رغبات الناس، وإنما هو مقدر بتاريخ معين، ومقرر في أجل محدد، لا تأخير فيه ولا تقديم.