الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي ألم ينظروا إلى الطير المذلل المسخر بين السماء والأرض، كيف جعله يطير بجناحيه في جو السماء، ما يمسكه عن الوقوع إلا الله عز وجل، فإنه لولا أنه تعالى خلق الطير خلقة يمكنه معها الطيران، وخلق الهواء أو الجو خلقة يمكن معها الطيران فيه، لما أمكن ذلك، فإنه تعالى أعطى الطير جناحا يبسطه مرة ويضمه مرة، كما يفعل السباح في الماء، وأوجد له الذيل ليساعده في الهبوط، وخلق الهواء، وجعل ثقله حاملا الطير، ولولا ذلك لما كان الطيران ممكنا.
وقوله: {ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ} معناه أن جسم الطائر ثقيل، والجسم الثقيل لا يمكنه التحليق في الجو من غير دعامة تحته، فكان الممسك له في الجو هو الله تعالى، بواسطة الهواء.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي إن في خلق جناحي الطير، وتسخير الهواء لحملة، لدلالات على قدرة الله ووحدانيته، لا للأصنام والأوثان، لمن يؤمن بالله. وخص المؤمنين بالذكر؛ لأنهم هم المنتفعون بتلك الآيات، وإن كانت دلائل لكل العقلاء.
ونظير الآية: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافّاتٍ، وَيَقْبِضْنَ، ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} [الملك 19/ 67].
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
إن علم الغيب في السموات والأرض مختص بالله تعالى، لا يعلم به أحد، إلا من أطلعه الله عليه. وإذا كان الله هو المحيط بالغيب فهو الذي يشرع الحلال والحرام، لا المشركون الجاهلون، الذين لا يدركون عواقب الأمور، ولا يقدرون المصالح.
2 -
إن قيام الساعة (أي حدوث وقت القيامة) في أسرع من لمح البصر دليل واضح على قدرة الله التامة، فهو سبحانه القدير على كل شيء، وهو الذي يقول للشيء:{كُنْ فَيَكُونُ} . قال الزجاج: لم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها؛ أي يقول للشيء:{كُنْ فَيَكُونُ} .
3 -
إن من نعمه تعالى ومن مظاهر قدرته خلق الناس من بطون أمهاتهم، لا علم لهم بشيء، ثم تزويدهم بوسائل المعرفة والعلم، وهي السمع والأبصار والأفئدة، فبها يعلمون ويدركون. فالسمع لسماع الأوامر والنواهي، والأبصار لرؤية آثار صنع الله، والأفئدة للوصول بها إلى معرفة الله. وذلك كله لشكر نعم الله وإبصار آثار صنعته. والآية دليل على أن الإنسان خلق في مبدأ الفطرة خاليا عن معرفة الأشياء، ثم تأتي المعارف والعلوم بالتعلم بواسطة الحواس التي هي السمع والبصر.
4 -
ومن مظاهر قدرة الله ووحدانيته جعل الطير قادرة على التحليق والطيران في الجو (وهو ما بين السماء والأرض) وهي مذللة لأمر الله تعالى، وما يمسكها في حال القبض والبسط والاصطفاف إلا الله تعالى، وتلك علامات وعبر ودلالات على القدرة الإلهية، لقوم يؤمنون بالله وبما جاءت به رسله، فإنه لولا خلق الطير على وضع يمكنه الطيران، وخلق الجو على حالة يمكن الطيران فيه، لما أمكن ذلك.