الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يظهر الخلق الحسن والعفو والصفح، فكيف يصير منسوخا
(1)
؟! {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ} أي إن ربك كثير الخلق، خلق كل شيء، واسع العلم، عليم بكل شيء، وهذا تقرير للمعاد، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة، فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء، العليم بما تبدد من الأجساد، وتفرق في سائر أنحاء الأرض، فالجميع صائرون إليه، محاسبون بين يديه.
فقه الحياة أو الأحكام:
هاتان قصتان من قصص الأمم البائدة الظالمة المكذّبة لرسلها، تهزّ أعماق البشر، وتحرّك مشاعرهم، وتوقظ ضرورة الصحوة والمبادرة إلى ساحة الإيمان وصلاح الأعمال.
فلقد كذب أصحاب الأيكة (قوم شعيب) رسولهم شعيبا، مع أنهم كانوا يرفلون بالنعم والخيرات الكثيرة المغدقة، فكانوا أصحاب غياض
(2)
ورياض وشجر مثمر.
وظلت بحكمة الله تعالى آثار مدينة قوم لوط وبقعة أصحاب الأيكة ماثلة مشاهدة قائمة، ليعتبر بهما من يمرّ عليهما.
وكذلك كذّب أصحاب الحجر (ديار ثمود بين المدينة وتبوك) نبيهم صالحا، فلم يؤمنوا برسالته، ومن كذب نبيا فقد كذب الأنبياء كلهم؛ لأنهم على دين واحد في الأصول، فلا يجوز التفريق بينهم.
وكان عقاب هؤلاء المكذبين وهو التدمير والإبادة والهلاك التام عبرة للمعتبرين، ومثار تفكير وعظة للمتفكرين، فما أغنت عنهم الأموال والحصون في
(1)
تفسير الرازي: 206/ 19
(2)
الأيكة: الغيضة، وهي جماعة الشجر، والجمع: الأيك.
الجبال وقوة الأجسام. والله الخالق للسموات والأرض قادر على البعث والمعاد والقيامة لإقامة العدل بين الخلائق وحساب الناس أجمعين.
وقد استنبط العلماء من الآيات في ضوء السنة ما يأتي:
1 -
كراهة دخول مواطن العذاب، ومثلها دخول مقابر الكفار، فإن دخل الإنسان إلى تلك المواضع والمقابر، فعلى الصفة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم مما ذكر سابقا من الاعتبار والخوف والإسراع،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا أرض بابل، فإنها ملعونة.
وهناك روايات أخرى
لحديث ابن عمر عند البخاري وهي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عجنّا واستقينا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا الماء، وأن يطرحوا ذلك العجين.
وفي لفظ آخر:
أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر-أرض ثمود، فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا، ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي تردها الناقة.
2 -
عدم جواز الانتفاع بماء السخط، فرارا من سخط الله؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإهراق ماء بئر ثمود وإلقاء ما عجن وخبز به، وتقديمه علفا للإبل. وهذا ينطبق على الماء النجس وما يعجن به.
3 -
قال مالك: إن ما لا يجوز استعماله من الطعام والشراب يجوز أن تعلفه الإبل والبهائم؛ إذ لا تكليف عليها. وكذلك قال في العسل النجس: إنه يعلفه النحل.
4 -
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلف ما عجن بهذا الماء الإبل، ولم يأمر بطرحه،
كما أمر في لحوم الحمر الإنسية يوم خيبر، فدل على أن لحم الحمير أشد في التحريم وأغلظ في التنجيس.
5 -
يجوز للرجل حمل النجاسة إلى كلابه ليأكلوها؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بعلف الإبل العجين.
6 -
جواز التبرك بآثار الأنبياء والصالحين، وإن تقادمت أعصارهم وخفيت آثارهم؛ لأمره صلى الله عليه وسلم أن يستقوا من بئر الناقة.
7 -
منع بعض العلماء الصلاة في موضع العذاب، وقال: لا تجوز الصلاة فيها؛ لأنها دار سخط، وبقعة غضب. فلا يجوز التيمم بترابها، ولا الوضوء من مائها، ولا الصلاة فيها.
وقد روى الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق بيت الله».
وزاد المالكية: الدار المغصوبة، والكنيسة والبيعة، والبيت الذي فيه تماثيل، والأرض المغصوبة، أو موضعا تستقبل فيه نائما أو وجه إنسان، أو جدارا عليه نجاسة.
لكن أجمع العلماء على جواز التيمم في الموضع الطاهر من مقبرة المشركين، وجواز الصلاة في كنيسة أو بيعة على موضع طاهر. وقال مالك: لا يصلى على بساط فيه تماثيل إلا من ضرورة.
والممنوع مما ذكر مستثنى من
قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان والنسائي عن جابر: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» .
8 -
لا يصلى في البستان (الحائط) الذي يلقى فيه النتن والعذرة لإصلاحه، حتى يسقى ثلاث مرات،
لما رواه الدارقطني عن ابن عباس عن النبي