المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فضيلة هذه الآيات: قيل لهرم بن حبّان حين احتضر: أوص، - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٤

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌وصف القرآن وتهديد الكافرين والعصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مقالات المشركين في النبي صلى الله عليه وسلموالرد القاطع عليها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مظاهر قدرة الله تعالىمن خلق السموات والأرض وإرسال الرياح لواقح والإحياء والإماتةوالعلم الشامل والحشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بدء خلق الإنسان وأمر الملائكة بالسجود له وإباء إبليسوعداؤه البشر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المتقين يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (45):

- ‌نزول الآية (47):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المغفرة والعذاب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة ضيف إبراهيم وإخبارهم بإهلاك قوم لوط

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أصحاب الأيكة (قوم شعيب) وأصحاب الحجر (ثمود)

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أفضال الله تعالى على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة النحل

- ‌تسميتها:

- ‌ارتباطها بالسورة التي قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إثبات البعث والوحي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة وجود الله ووحدانيته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة أخرى لإثبات الألوهية والوحدانية

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌خواص الألوهيةالخلق وعلم السّر والعلن والحياة الأبديّة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المستكبرينإنكار المشركين الوحي المنزّل والنّبوة وجزاؤهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المتقينإيمان المتقين بالوحي المنزل وجزاؤهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد المشركين على تماديهم في الباطل

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌احتجاج الكفار بالقدر وإنكارهم البعث وتشابه مهمة الرسل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المهاجرين وبشرية الرسل ومهمة النبي صلى الله عليه وسلمفي بيان القرآن، وتهديد الكافرين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مناقشة عقائد المشركين وأعمالهم القبيحة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عادة الأمم في تكذيب الرسل ومهمة النبي في تبيان القرآنوجعله هدى ورحمة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من دلائل القدرة الإلهية والتوحيد ومظاهر النعم على الناس

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض عجائب أحوال الناس الدالة على قدرة الله وتوحيده

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأعراب

- ‌مثلان للأصنام والأوثان

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌هل من المعقول التسوية بين الاثنين

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌علم الله الغيب وخلقه الإنسان والطير

- ‌لإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض دلائل التوحيد وأنواع النعم والفضل الإلهي

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وعيد المشركين وأحوالهم يوم القيامةبعث الشاهد عليهم وعلى المؤمنين وعدم تخفيف العذاب ومضاعفته عليهموتكذيب المعبودات لهم

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أجمع آية في القرآن للخير والشر والوفاء بالعهد والهداية والإضلال

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (91):

- ‌نزول الآية (92):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أجمع آية للرجال والنساء في الترغيب بالعمل الصالح

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما يتعلق بالقرآنالاستعاذة والنسخ وعربية القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (101):

- ‌نزول الآية (103):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الشبهة الأولى:

- ‌والشبهة الثانية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المرتدون عن الإسلام والمهاجرون بعد ما فتنوا

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (106):

- ‌روايات أخرى:

- ‌نزول الآية (110):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة كفران النّعم في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحلال الطيب والحرام الخبيث من المأكولات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إبراهيم عليه السلام واتباع ملته وتعظيم اليهود السبت

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أسس الدعوة إلى الدين وجعل العقاب بالمثل والصبر على المصاب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌فضيلة هذه الآيات:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌ ‌فضيلة هذه الآيات: قيل لهرم بن حبّان حين احتضر: أوص،

‌فضيلة هذه الآيات:

قيل لهرم بن حبّان حين احتضر: أوص، فقال: إنما الوصية من المال، ولا مال لي، وأوصيكم بخواتيم سورة النحل:{اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ.} ..

‌المناسبة:

بعد أن أمر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع إبراهيم عليه السلام، بيّن الشيء الذي أمره بمتابعته، وهو دعوة الناس إلى الدين بأحد طرق ثلاث: وهي الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالطريق الأحسن. والدعوة إلى دين الله وشرعه تكون بتلطف، وهو أن يسمع المدعو الحكمة: وهو الكلام الصواب القريب، الواقع من النفس أجمل موقع.

فالآية متصلة بما قبلها اتصالا حسنا، لتدرج الآيات من الذي يدعى ويوعظ، إلى الذي يجادل، إلى الذي يجازى على فعله.

ثم أمر الله تعالى برعاية العدل والإنصاف، وجعل القصاص بالمثل، ثم صرح تعالى بالأمر بالصبر على المشاق والمصائب، والصبر بتوفيق الله ومعونته، هو مفتاح الفرج.

‌التفسير والبيان:

الدعوة إلى دين الله وتوحيده أو الاعلام بها أمر ضروري للعلم بها، لذا كانت هي المهمة الأساسية للرسل عليهم السلام، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس إلى الله بالحكمة قائلا:{اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ.} . أي ادع أيها الرسول الناس إلى شريعة ربك، وهي الإسلام بالحكمة، أي بالقول المحكم، والموعظة الحسنة، أي بالعبر والزواجر التي تؤثر بها في قلوبهم، ذكّرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى.

{وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من

ص: 269

غيرها، ومن احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، واصفح عمن أساء في القول، وترفّق بهم في الخطاب، وقابل السوء بالحسنى، واقصد من الجدال الوصول إلى الحق، دون رفع الصوت، وسب الخصم أو الأذى، كما قال تعالى:{وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} الآية [العنكبوت 46/ 29].

فهذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بلين الجانب ولطف الخطاب، كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً، لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} [طه 44/ 20] فعلى كل داعية امتثال هذا الأمر الإلهي في دعوته.

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أي قد علم الله الشقيّ منهم والسعيد، ومن حاد عن منهج الحق، ومن اهتدى إليه، وهو مجازيهم على ضلالهم واهتدائهم حين لقاء ربهم، فله الجزاء، لا إليك يا محمد ولا إلى غيرك، وليس عليك هداهم، إنما عليك البلاغ، وعلينا الحساب، كما قال تعالى:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [القصص 56/ 28] وقال:

{لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [البقرة 272/ 2]. والآية مشتملة على وعد ووعيد.

ومن رفق النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة

ما رواه أبو أمامة: أن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، أتأذن لي في الزنى؟ فصاح الناس به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قربوه إذن، فدنا حتى جلس بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟ قال: لا، جعلني الله فداك. قال: وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبّه لابنتك؟ قال: لا، جعلني الله فداك، قال: وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبّه لأختك؟ قال: لا، جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبّونه لأخواتهم.

ص: 270

فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصّن فرجه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه.

وبعد أن أمر سبحانه وتعالى بالرفق في الدعوة والخطاب، أمر بالعدل والإنصاف في العقاب، والمماثلة في استيفاء الحق؛ إذ قد تكون الدعوة سببا في إغاظة الآخرين، وإقدامهم على القتل أو الضرب أو الشتم، فقال سبحانه:

{وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا.} ..

أي وإن عاقبتم المسيء أيها المؤمنون، فعاقبوه بمثل جرمه، بلا زيادة ولا تجاوز للحدود. وإن أخذ رجل منكم شيئا، فخذوا مثله، فإن الزيادة ظلم، والظلم لا يحبه الله ولا يرضى به.

وقوله: {عُوقِبْتُمْ بِهِ} إنما سماه الله عقابا على سبيل المشاكلة؛ لأن أصل العقاب المجازاة على الفعل، فالفعل في ابتداء الأمر ليس عقابا.

ثم دعا تعالى إلى الترفع عن العقاب والتسامي عن المقابلة والجزاء بالمثل، فقال:{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ} .

أي ولئن صبرتم عن المقابلة بالمثل، وتجاوزتم عن الإساءة، وصفحتم، واحتسبتم الثواب والأجر على ما نالكم من ظلم، فالله يتولى عقابه، والصبر خير للصابرين من الانتقام؛ لأن انتقام الله أشد. فقوله {لَهُوَ} يعود الضمير إلى المصدر في قوله:{صَبَرْتُمْ} . والمراد بالمصدر: إما الجنس أي جنس الصبر خير، وإما صبركم، أي لصبركم خير لكم، فوضع {لِلصّابِرِينَ} موضع لكم ثناء عليهم.

ثم أمر الله نبيه صراحة بالصبر بصفة عامة بعد أن ذكر حسن عاقبته، فقال:{وَاصْبِرْ، وَما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللهِ} أي واصبر على ما أصابك من أذى في

ص: 271

سبيل الدعوة، وما صبرك إلا بعون الله وحسن توفيقه ومشيئته، أي لما كان الصبر شاقا، ذكر ما يعين عليه، فالجأ إلى الله في طلب الصبر، والتثبيت في الأمر.

وقوله: {وَاصْبِرْ.} . تأكيد للأمر بالصبر، وإخبار بأن ذلك لا ينال إلا بمشيئة الله وإعانته. وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما ناله من أذى قومه، وتثبيت له.

{وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي ولا تجزع على إعراض المشركين وكل من خالفك، فإن الله قدّر ذلك، أو لا تحزن على قتلى أحد، فترك الحزن مما يستعان به على الصبر.

{وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ} أي لا تكن في غم وضيق صدر من مكرهم وتدبيرهم الكيد لك، وإجهاد أنفسهم في عداوتك، وإيصال الشر إليك، فإن الله كافيك وناصرك ومؤيدك، كما قال تعالى:{فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ، لِتُنْذِرَ بِهِ} [الأعراف 2/ 7] وقال: {فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ، وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ، أَنْ يَقُولُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ، أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ، إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود 12/ 11].

{إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا.} . أي إن الله مع المتقين الذين تركوا محارمه، المجتنبين معاصيه بالنصر والمعونة والتأييد، ومع المحسنين أعمالهم برعاية الفرائض، والتزام الطاعة، وأداء الحقوق. والصبر: من التقوى والإحسان.

فقوله: {الَّذِينَ اتَّقَوْا} أي تركوا محارمه، وقوله:{وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} أي فعلوا الطاعات.

وهذه معيّة خاصة، يراد بها الإعانة والتأييد والهداية، كقوله تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ، فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال 12/ 8] وقوله لموسى وهرون: {لا تَخافا، إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى} [طه 46/ 20] وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصديق، وهما في الغار:{لا تَحْزَنْ، إِنَّ اللهَ مَعَنا} [التوبة 40/ 9].

ص: 272