المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يبعث ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٤

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌وصف القرآن وتهديد الكافرين والعصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مقالات المشركين في النبي صلى الله عليه وسلموالرد القاطع عليها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مظاهر قدرة الله تعالىمن خلق السموات والأرض وإرسال الرياح لواقح والإحياء والإماتةوالعلم الشامل والحشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بدء خلق الإنسان وأمر الملائكة بالسجود له وإباء إبليسوعداؤه البشر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المتقين يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (45):

- ‌نزول الآية (47):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المغفرة والعذاب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة ضيف إبراهيم وإخبارهم بإهلاك قوم لوط

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أصحاب الأيكة (قوم شعيب) وأصحاب الحجر (ثمود)

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أفضال الله تعالى على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة النحل

- ‌تسميتها:

- ‌ارتباطها بالسورة التي قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إثبات البعث والوحي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة وجود الله ووحدانيته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة أخرى لإثبات الألوهية والوحدانية

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌خواص الألوهيةالخلق وعلم السّر والعلن والحياة الأبديّة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المستكبرينإنكار المشركين الوحي المنزّل والنّبوة وجزاؤهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المتقينإيمان المتقين بالوحي المنزل وجزاؤهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد المشركين على تماديهم في الباطل

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌احتجاج الكفار بالقدر وإنكارهم البعث وتشابه مهمة الرسل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المهاجرين وبشرية الرسل ومهمة النبي صلى الله عليه وسلمفي بيان القرآن، وتهديد الكافرين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مناقشة عقائد المشركين وأعمالهم القبيحة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عادة الأمم في تكذيب الرسل ومهمة النبي في تبيان القرآنوجعله هدى ورحمة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من دلائل القدرة الإلهية والتوحيد ومظاهر النعم على الناس

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض عجائب أحوال الناس الدالة على قدرة الله وتوحيده

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأعراب

- ‌مثلان للأصنام والأوثان

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌هل من المعقول التسوية بين الاثنين

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌علم الله الغيب وخلقه الإنسان والطير

- ‌لإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض دلائل التوحيد وأنواع النعم والفضل الإلهي

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وعيد المشركين وأحوالهم يوم القيامةبعث الشاهد عليهم وعلى المؤمنين وعدم تخفيف العذاب ومضاعفته عليهموتكذيب المعبودات لهم

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أجمع آية في القرآن للخير والشر والوفاء بالعهد والهداية والإضلال

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (91):

- ‌نزول الآية (92):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أجمع آية للرجال والنساء في الترغيب بالعمل الصالح

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما يتعلق بالقرآنالاستعاذة والنسخ وعربية القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (101):

- ‌نزول الآية (103):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الشبهة الأولى:

- ‌والشبهة الثانية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المرتدون عن الإسلام والمهاجرون بعد ما فتنوا

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (106):

- ‌روايات أخرى:

- ‌نزول الآية (110):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة كفران النّعم في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحلال الطيب والحرام الخبيث من المأكولات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إبراهيم عليه السلام واتباع ملته وتعظيم اليهود السبت

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أسس الدعوة إلى الدين وجعل العقاب بالمثل والصبر على المصاب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌فضيلة هذه الآيات:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: يبعث ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله

يبعث ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله تعالى وعادته أن يبعث رسولا من البشر.

ثم هددهم بخسف الأرض بهم، أو بعذاب من السماء بغتة؛ لأن لله قدرة كاملة في السماء والأرض، والمخلوقات كلها تنقاد له وتخضع لأمره.

‌التفسير والبيان:

{وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ.} . هذه الآية تحدد جزاء المهاجرين في سبيل الله، ابتغاء مرضاته، الذين فارقوا الدار والإخوان، رجاء ثواب الله وجزائه، والمعنى: والذين فارقوا ديارهم وأوطانهم، وتركوا أموالهم وأولادهم في سبيل الله، وحبا في إرضائه، وذهبوا إلى ديار أخرى، بعد أن ظلموا، وأوذوا من الأعداء، لننزلنهم في الدنيا دارا أو بلدة حسنة، ومنزلة حسنة، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة وعلى أهل المشرق والمغرب. فالحسنة: هي المنزلة الطيبة والمسكن المرضي والموطن الأصلح وهو المدينة، كما قال ابن عباس والشعبي وقتادة. وقال مجاهد: هي الرزق الطيب، قال ابن كثير: ولا منافاة بين القولين، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم، فعوضهم الله خيرا منها في الدنيا، فإن من ترك شيئا لله، عوضه الله بما هو خير له منه، وكذلك أصبحوا سادة العباد والبلاد.

فالحسنة: هي المنزلة الرفيعة المادية والمعنوية.

{وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ.} . أي وثوابهم في الآخرة على هجرتهم أعظم مما أعطيناهم في الدّنيا؛ لأن ثوابه هو الجنة ذات النعيم الدائم الذي لا يفنى، {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}: الضمير للكفار أي لو علموا أن الله يجمع لهؤلاء المستضعفين في أيديهم الدّنيا والآخرة، لرغبوا في دينهم. ويجوز أن يرجع الضمير إلى

ص: 141

المهاجرين، أي لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم. أو لو علم المتخلفون عن الهجرة معهم ما ادّخر الله لمن أطاعه واتّبع رسوله.

أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء قال: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك ربّك في الدّنيا، وما ذخر لك في الآخرة أكثر.

ثم وصفهم الله بقوله: {الَّذِينَ صَبَرُوا.} . أي هم الذين صبروا أو أعني الذين صبروا على الأذى من قومهم والعذاب، وعلى مفارقة الوطن المحبوب، وهو حرم الله، وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله، وعناء السفر ومتاعب الغربة، وتوكّلوا على ربّهم، أي فوّضوا أمورهم إليه، فأحسن عاقبتهم في الدّنيا والآخرة.

قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون سبب نزول الآية في مهاجرة الحبشة الذين اشتدّ أذى قومهم لهم بمكة، حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة، ليتمكّنوا من عبادة ربّهم. ومن أشرافهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعفر بن أبي طالب ابن عمّ الرّسول صلى الله عليه وسلم، وأبو سلمة بن عبد الأسود، في جماعة قريب من ثمانين، ما بين رجل وامرأة، صدّيق وصدّيقة رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدّنيا والآخرة

(1)

، وهذا هو الصحيح في سبب نزول هذه الآية، كما ذكر ابن عطية.

ثم أجاب الله تعالى عن الشّبهة الخامسة لمنكري النّبوة المذكورة في هذه السورة وهي بشريّة الرّسل، فقال تعالى:{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ.} . أي وما أرسلنا للناس رسولا من أهل السماء أي ملائكة، وإنما أرسلنا رجالا من أهل الأرض نوحي إليهم أوامرنا ونواهينا، فلم نرسل إلى قومك يا محمد إلا كما أرسلنا إلى

(1)

تفسير ابن كثير: 570/ 2

ص: 142

من قبلهم من الأمم، أي رسلا من جنسهم وطبيعتهم:{قُلْ: سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء 93/ 17]، {قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ} [الكهف 110/ 18].

قال ابن عباس: لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا، أنكرت العرب ذلك، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فأنزل الله تعالى:{أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ.} . الآية.

{فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ.} . أي فاسألوا أهل العلم وأهل الكتب الماضية:

أبشرا كانت الرّسل إليهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم، وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا.

{بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ.} . أي أرسلناهم بالحجج والدلائل التي تشهد لهم بصدق نبوّتهم، وبالكتب المشتملة على التّشريع الرّبّاني. والزّبر: جمع زبور أي كتاب، تقول العرب: زبرت الكتاب: إذا كتبته، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ} [الأنبياء 105/ 21]، وقال تعالى:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر 52/ 54]. وفي الآية: {بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ} تقديم وتأخير، أي ما أرسلنا من قبلك بالبيّنات والزّبر إلا رجالا، أي غير رجال، فكلمة {إِلاّ} بمعنى غير، كقوله: لا إله إلا الله.

{وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ.} . أي وكما أنزلنا الكتب إلى من قبلك يا محمد، أنزلنا إليك القرآن، لتبيّن للناس ما أنزل إليهم من ربّهم من الشرائع والأحكام والحلال والحرام وقصص الأمم الماضية التي أبيدت وأهلكت لتكذيبها الأنبياء، لعلمك بمعاني ما أنزل الله عليك.

{وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أي ومن أجل أن يتفكّروا وينظروا في حقائق الكون وأسرار الحياة وعبر التاريخ، فيهتدون، ويفوزون بالنّجاة في الدّارين.

ص: 143

وبعد فتح باب الأمل أمامهم، حذّرهم تعالى سوء ما هم عليه من الكفر والعصيان، فقال تعالى:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ.} . أي إنه تعالى يخبر عن حلمه وإمهاله العصاة الذين يعملون السّيئات ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم لما هم عليه من الضلال. والمكر في اللغة: عبارة عن السعي بالفساد على سبيل الإخفاء.

والمعنى: أفأمن الذين مكروا السيئات برسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أهل مكة، وحاولوا صدّ الناس عن الإيمان بدعوته، أحد أمور أربعة:

الأول-أن يخسف بهم الأرض، كما فعل بقارون.

الثاني-أو يأتيهم العذاب فجأة من حيث لا يشعرون به، كما صنع بقوم لوط.

الثالث-أو يأخذهم في تقلّبهم في الليل والنهار أو في أسفارهم ومتاجرهم واشتغالهم في المعايش والأشغال الملهية، فلا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه.

الرابع-أو يأخذهم على تخوّف أي في حال خوفهم بأن يهلك الله قوما، فيتخوّفوا، فيأخذهم بالعذاب، وهم متخوفون متوقعون، وهو خلاف قوله تعالى:{مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} فإن العذاب المتوقّع مع الخوف الشديد أبلغ وأشدّ من حال المفاجأة؛ لأن العقاب في حال الإرهاب، وإنهاك الأعصاب، وإخافة النفوس أشدّ من العقاب المفاجئ. وقيل: التّخوّف: التّنقص من الأموال والأرزاق، والأنفس، على لغة هذيل كما بيّنّا.

{فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} أي إن الله تعالى لم يعجل بعذابهم، ولم يعاجلهم بالعقوبة؛ لأنه رؤف رحيم بعباده، فترك لهم وقتا يتمكنون من تلافي التّقصير، واستدراك الأخطاء، والعدول عن الضّلال.

ص: 144

ثبت في الصحيحين: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا، وهو يرزقهم ويعافيهم»

وثبت فيهما أيضا: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود 102/ 11]» .

ونظير الآية: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها، وَهِيَ ظالِمَةٌ، ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [الحج 48/ 22].

والتّخويف والإنذار يناسبه التّذكير بالقدرة الإلهية الهائلة، والعظمة والجلال والكبرياء الذي خضع له كلّ شيء، فقال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ.} . أي ألم ينظر هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من المخلوقات ذات الظلال كالجبال والأشجار والمباني والأجسام القائمة، تتميل ظلاله من جانب إلى جانب، ذات اليمين وهو المشرق، وذات الشمال وهو المغرب، وذلك بكرة وعشيّا أي في الغداة أول النهار، وفي المساء آخر النّهار، قال الأزهري: تفيؤ الظلال: رجوعها بعد انتصاف النهار، فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي بعد ما انصرفت عنه الشمس، والظّل: ما يكون بالغداة: وهو ما لم تنله الشمس.

والخطاب في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا} لجميع الناس.

وقوله تعالى: {مِنْ شَيْءٍ} أراد: من شيء له ظلّ من جبل وشجر وبناء وجسم قائم، بدليل {يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ} وهو الشيء الكثيف الذي يقع له ظلّ على الأرض.

وقوله تعالى: {ظِلالُهُ} أضاف الظلال إلى مفرد، ومعناه: الإضافة إلى ذوي الضلال، وإنما حسن هذا؛ لأن الذي عاد إليه الضمير، وإن كان واحدا في اللفظ وهو قوله تعالى:{إِلى ما خَلَقَ اللهُ} إلا أنه كثير في المعنى. ونظيره قوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ} [الزخرف 13/ 43]، فأضاف الظهور-وهو

ص: 145

جمع-إلى ضمير مفرد؛ لأنه يعود إلى واحد أريد به الكثرة، وهو قوله تعالى:

{ما تَرْكَبُونَ} .

{سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ داخِرُونَ} أي أن الظلال ساجدة لأمر الله وحده، والسّجود: الانقياد والاستسلام، وهم صاغرون خاضعون منقادون لله، والدّخور: الصّغار والذّل، لأن الظلال تتحوّل من جهة المشرق إلى جهة المغرب، فهي في أول النهار من جهة المشرق، ثم تتقلّص، وتنتقل من حال إلى حال في آخر النهار، مائلة إلى جهة المغرب، وهذا الانتقال دليل على القدرة الإلهية.

وقوله تعالى: {داخِرُونَ} جمع بالواو؛ لأن الدّخور من أوصاف العقلاء، أو لأن في جملة ذلك من يعقل، فغلب العقلاء.

ومجمل معنى الآية: أو لم ينظروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيّئة عن أيمانها وشمائلها، أي عن جانبي كلّ واحد منها وشقّيه-استعارة من يمين الإنسان وشماله لجانبي الشيء-ترجع الظلال من جانب إلى جانب، منقادة لله غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التّفيؤ، والأجرام في أنفسها داخرة أيضا صاغرة منقادة لأفعال الله لا تمتنع

(1)

.

وهذا في الجمادات، ثم ذكر سجود الأحياء فقال:{وَلِلّهِ يَسْجُدُ.} . أي ولله يخضع كلّ ما في السّموات والأرض من دابة تدبّ عليها، وكذلك الملائكة، والحال أنهم لا يستكبرون أبدا عن عبادته وعن أي شيء كلفوا به، أو عن مراد الله فيما أراد، فهم في تذلل وخضوع لله تعالى.

{يَخافُونَ رَبَّهُمْ.} . يخاف هؤلاء الملائكة والدّواب الأرضية الذي خلقهم،

(1)

الكشاف: 205/ 2

ص: 146