الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليوم بالكافرين الذين كفروا بالله، وأشركوا به ما لا يضرّهم ولا ينفعهم.
وهؤلاء هم الذين بقوا على كفرهم حتى الموت، فتتوفاهم الملائكة وتقبض أرواحهم، حالة كونهم ظالمي أنفسهم بالكفر والمعاصي والتعريض للعذاب.
وكانت حالهم أيضا: {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ.} . أي فلما حضرهم الموت وعاينوا العذاب، أظهروا السمع والطاعة والانقياد، قائلين:{ما كُنّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} أي ما كنّا مشركين بربّنا أحدا، كما حكى تعالى عنهم يوم المعاد:{وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام 23/ 6].
فكذّبهم الله في قولهم: {بَلى، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ.} . أي لقد عملتم السّوء كله وأعظمه وأقبحه، والله عليم بأعمالكم، فلا فائدة في إنكاركم والله يجازيكم على أفعالكم.
{فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ.} . أي فادخلوا في جهنم، وذوقوا عذاب إشراككم بربّكم وعقاب معاصيكم، وأنتم خالدون ماكثون فيها إلى الأبد، وبئس المقرّ والمقام دار الهوان، لمن كان متكبّرا عن آيات الله تعالى واتّباع رسله.
وهم في عذاب دائم دون موت كما قال تعالى: {لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها} [فاطر 36/ 35]، وفي ديمومة من العذاب في جميع الوقت، كما قال سبحانه:{النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} [غافر 46/ 40].
فقه الحياة أو الأحكام:
تتضمن الآيات جوابا عن شبهة المشركين حول القرآن ووصفه بأنه أساطير الأولين، وليس معجزة، وليس هو من تنزيل ربّنا. ولم يكن جوابهم هنا كما تبين سابقا بالحجة الدامغة، وإنما جوابهم هو استحقاقهم العذاب الشديد، فاقتصر على
محض الوعيد ولم يجب عن شبهتهم؛ لأنه تعالى بيّن كون القرآن الكريم معجزا بطريقين:
الأول-أنه صلى الله عليه وسلم تحدّاهم بكل القرآن، أو بعشر سور، أو بسورة واحدة، أو بحديث واحد، وعجزوا عن المعارضة، وذلك يدلّ على كونه معجزا.
الثاني-أنه تعالى حكى هذه الشبهة بعينها في آية أخرى وهي: {اِكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} وأبطلها بقوله تعالى: {قُلْ: أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي أن القرآن مشتمل على الإخبار عن المغيبات، وهذا لا يكون إلا من العالم بأسرار السموات والأرض
(1)
.
فهم يتحملون نتيجة آثامهم وذنوبهم تحمّلا كاملا، لا ينقص منه شيء لنكبة أصابتهم في الدّنيا بكفرهم، كما أنهم يتحمّلون مثل أوزار تابعيهم، وذلك بسبب كفرهم وإضلالهم غيرهم، جهلا منهم بما يلزمهم من الآثام، إذ لو علموا لما أضلّوا، فبئس الوزر الذي يحملونه.
وعقابهم في الدّنيا يشبه عقاب عمالقة الكفر الذين تقدموهم مثل النّمروذ بن كنعان وقومه، أرادوا صعود السّماء وقتال أهله، فبنوا الصرح ليصعدوا منه، فخرّ عليهم، إما بزلزلة أو ريح، فخرّبته. وكان عقابهم إبطال مكرهم وتدبيرهم وإهلاكهم عن بكرة أبيهم.
وعقابهم أيضا في الآخرة هو الذّلّ والهوان والفضيحة بالعذاب الأليم بسبب كفرهم، مع التقريع والتوبيخ والاستهزاء بهم، وبيان عدم وجود الشركاء لله تعالى أصلا.
وكل من العقابين لاستمرارهم على الكفر إلى حين الموت، فإذا أقرّوا حينئذ
(1)
تفسير الرّازي: 19/ 20