الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليشمل جميع المهلكات، أو لأن أهلها سبع فرق {لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ} من الأتباع {جُزْءٌ مَقْسُومٌ} نصيب أو فريق معين مفرز له.
المناسبة:
هذا هو النوع السابع من دلائل وجود الله وقدرته وتوحيده، فإنه تعالى لما استدل بتخليق الحيوانات على صحة التوحيد في الآية المتقدمة، أردفه بالاستدلال بتخليق الإنسان على هذا المطلوب نفسه.
والدليل هو أنه لما ثبت بالدلائل القاطعة أنه يمتنع وجود حوادث لا أول لها، فيجب انتهاء الحوادث إلى حادث أول، فلا بد من انتهاء الناس إلى إنسان هو أول الناس، وذلك الإنسان الأول غير مخلوق من الأبوين، فيكون مخلوقا لا محالة بقدرة الله تعالى.
وبعد أن ذكر الله تعالى خلق الإنسان الأول، ذكر مقاله للملائكة والجن بشأنه.
التفسير والبيان:
ولقد خلق الله الإنسان الأول آدم أبا البشر من طين أو تراب يابس، فالحمأ: هو الطين، والمسنون: الأملس، والصلصال: التراب اليابس، وقيل:
إنه المنتن المتغير الرائحة في الأصل. وقد بدأ الخلق أولا من تراب، ثم من طين، ثم من صلصال، ليكون أدل على القدرة الإلهية.
وخلقنا جنس الجن من نار السموم، أي نار الريح الحارة التي لها لفح وتقتل من أصابته. قال ابن مسعود: هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجانّ، ثم قرأ:{وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ}
وورد عن عائشة في صحيح مسلم، وأحمد:«خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» .
ونظير الآية قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ} [الرحمن 14/ 55 - 15].
وفي هذا إشارة إلى برودة طبع الإنسان، وحرارة طبيعة الجن. وفي الآية تنبيه على شرف آدم عليه السلام، وطيب عنصره، وطهارة محتده، وذلك كله دليل على قدرة الله تعالى.
ثم أبان الله تعالى تشريفه لآدم عليه السلام بأمر الملائكة بالسجود له، وتخلف إبليس عدوه عن السجود له من بين سائر الملائكة، حسدا وكفرا، وعنادا واستكبارا، وافتخارا بالباطل، فقال:{وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ.} ..
أي واذكر أيها الرسول لقومك حين أمرت الملائكة قبل خلق أبيكم آدم بالسجود له بعد اكتمال خلقه، وإباء إبليس عدوه من بين سائر الملائكة السجود له، قائلا:{لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر 33/ 15] متذرعا بقوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ، وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص 76/ 38] وقوله: {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الإسراء 62/ 17].
وقد تضمن دفاع إبليس وسبب امتناعه عن السجود لآدم: بأنه خير منه، فإنه خلق من النار، وآدم من الطين، وفي النار عنصر الارتفاع والسمو، وفي التراب عنصر الخمود والركود، فهي أشرف من الطين، والأعلى لا يعظم الأدنى.
وذلك قياس فاسد؛ لأن خيرية المادة لا تعني خيرية العنصر، بدليل أن الملائكة من نور، والنور خير من النار. ثم إنه عصيان أمر الخالق، وجهل بأن آدم امتاز باستعداد علمي وعملي لتلقي التكاليف وتقدم الكون.
لذا عاقبة الله بقوله: {قالَ: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ..} . أي فاخرج
من المنزلة التي كنت فيها من الملأ الأعلى، فإنك مرجوم، أي لعين مطرود، لعنة دائمة ملازمة له إلى يوم القيامة.
وإمعانا في الكيد لآدم وحسدا له ولذريته طلب الإمهال إلى يوم البعث من القبور، وحشر الخلق لموقف الحساب، فأرجأه الله إلى يوم الوقت المعلوم، وهو وقت النفخة الأولى حين تموت الخلائق.
فلما تحقق إبليس الانتظار لذلك اليوم {قالَ: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي} أي قال إبليس عاتيا متمردا: رب بسبب إغوائك وإضلالك إياي، لأزينن في الأرض أي الدنيا لذرية آدم عليه السلام الأهواء، وأحبّب إليهم المعاصي، وأرغّبهم فيها، إلا المخلصين الذين أخلصوا لك في الطاعة والعبادة. واستثنى المخلصين؛ لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم، ولا يقبلون منه.
فهدده تعالى وتوعده بقوله: {قالَ: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} أي هذا الطريق في العبودية أو الإخلاص طريق مستقيم، مرجعه إلي، فأجازي كل واحد بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، كقوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ} [الفجر 14/ 89]. فقوله: {هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} أي هذا الإخلاص طريق علي وإلي، يؤدي إلى كرامتي وثوابي، أو هذا الطريق في العبودية طريق علي مستقيم، أو هذا طريق عليّ تقريره وتأكيده، وهو مستقيم: حق وصدق. ومؤدى الكلام: ألا مهرب لأحد مني، كما يقال لمن يتوعده ويتهدده: طريقك علي. وقوله: مستقيم أي لا عوج فيه ولا انحراف.
وهو رد لما جاء في كلام إبليس: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ} [الأعراف 16/ 7 - 17].
{إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.} . أي إن عبادي المؤمنين
المخلصين أو غير المخلصين، أو الذين قدرت لهم الهداية، لا سلطان لك على أحد منهم، ولا سبيل لك عليهم، ولا وصول لك إليهم {إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ.} .
استثناء منقطع، أي لكن الذين اتبعوك من الضالين المشركين باختيارهم، فلك عليهم سلطان، بسبب كونهم منقادين لك في الأمر والنهي، والدليل قوله تعالى:{إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ، وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل 100/ 16].
ونظير الآية: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ، وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل 99/ 16 - 100].
{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} أي إن جهنم موعد جميع من اتبع إبليس، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنّارُ مَوْعِدُهُ} [هود 17/ 11].
ثم أخبر أن لجهنم سبعة أبواب {لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ.} . أي لجهنم سبعة أبواب، قد خصص لكل باب منها جزء مقسوم وعدد معلوم من أتباع إبليس، يدخلونه، لا محيد لهم عنه، وكلّ يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في درك بقدر عمله.
وفي تفسير الأبواب السبعة قولان:
قول: إنها سبع طبقات: بعضها فوق بعض، وتسمى تلك الطبقات بالدركات، بدليل قوله تعالى:{إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ} [النساء 145/ 4] والسبب: أن مراتب الكفر مختلفة بالشدة والخفة، فاختلفت مراتب العذاب.
وقول آخر: إنها سبعة أقسام، ولكل قسم باب، أولها كما ذكر ابن جريج:
جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية. الأولى