الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويشترطون لهم على الارتداد أن يكافئوهم {إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} أي إن ما عند الله من النصر والغنيمة في الدنيا، والثواب في الآخرة هو خير لكم مما يعدونكم من عطاء في الدنيا {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إن كنتم من أهل العلم والتمييز، وتعلمون ذلك، فلا تنقضوا. والخلاصة: إن هذه الآية تحذير من نقض أيمان مخصوصة، وهي نقض عهد رسول الله على الإيمان به، واتباع شرائعه، طمعا في خيرات الدنيا ومغرياتها.
{ما عِنْدَكُمْ} من أعراض الدنيا وأمتعتها {يَنْفَدُ} يفنى أو ينقضي {وَما عِنْدَ اللهِ} من خزائن رحمته {باقٍ} دائم لا ينفد {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} على الوفاء بالعهود وأذى الكفار ومشاق التكاليف {أَجْرَهُمْ} ثوابهم {بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي بجزاء أحسن من أعمالهم، وقال السيوطي: أحسن بمعنى حسن هنا.
سبب النزول:
نزول الآية (91):
{وَأَوْفُوا} : أخرج ابن جرير عن بريدة قال: نزلت هذه الآية في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن مزيدة بن جابر أن الآية نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أسلم يبايع على الإسلام، فقال تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ.} .
الآية، فلا تحملنكم قلة محمد وأصحابه، وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام، وإن كان في المسلمين قلة، وفي المشركين كثرة.
نزول الآية (92):
{وَلا تَكُونُوا} : أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي حفص: كانت سعيدة الأسدية حمقاء، تجمع الشعر والليف، فنزلت هذه الآية:{وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها} .
المناسبة:
بعد أن أفاض الله تعالى في وعد المتقين ووعيد الكافرين، وأكد الترغيب والترهيب، أتبعه بأوامر جامعة لأمهات الفضائل، وأصول الأخلاق الاجتماعية،
وأنواع التكاليف المفروضة والنوافل، وهي العدل والإحسان والوفاء بالعهود.
أما آية {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} فهي-كما قال ابن مسعود-أجمع آية في القرآن للخير والشر، وسأذكر الحديث كله. وقال عنها قتادة: ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به، ويستحسنوه، إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدّم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها. ولهذا
جاء في الحديث الذي أخرجه الطبراني وأبو نعيم والحاكم والبيهقي عن سهل بن سعد: «إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها» .
وقال الحافظ أبو يعلى في كتاب معرفة الصحابة عن علي بن عبد الملك بن عمير عن أبيه، قال: بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يأتيه، فأبى قومه أن يدعوه، وقالوا: أنت كبيرنا، لم تكن لتخفّ إليه، قال: فليأته من يبلّغه عني ويبلّغني عنه، فانتدب رجلان، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا له: نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت، وما أنت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما من أنا؟ فأنا محمد بن عبد الله، وأما ما أنا فأنا عبد الله ورسوله.
قال: ثم تلا عليهم هذه الآية: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} الآية.
قالوا: ردّد علينا هذا القول، فردده عليهم حتى حفظوه، فأتيا أكثم، فقالا: أبى أن يرفع نسبه، فسألنا عن نسبه، فوجدناه زاكي النسب، وسطا في مضر-أي شريفا-وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها، فلما سمعهن أكثم قال: إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها-مساوئها-، فكونوا في هذا الأمر رؤساء، ولا تكونوا فيه أذنابا
(1)
.
وقد ورد في نزولها حديث حسن طويل رواه الإمام أحمد، مفاده أنها كانت سببا في إسلام عثمان بن مظعون، وموجزه: أن عثمان بن مظعون كان جليس
(1)
تفسير ابن كثير: 582/ 2 وما بعدها.
النبي صلى الله عليه وسلم وقتا، فقال له عثمان: ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة، قال:
وما رأيتني فعلت؟ قال: شخص بصرك إلى السماء، ثم وضعته على يمينك، فتحرفت عني إليه، وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئا يقال لك، قال: أو فطنت لذلك؟ أتاني رسول الله آنفا، وأنت جالس، قال: فماذا قال لك؟ قال لي: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ.} . الآية قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي، وأحببت محمدا صلى الله عليه وسلم. ورواه ابن أبي حاتم من حديث عبد الحميد بن بهرام مختصرا.
وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أعظم آية في كتاب الله تعالى: {اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر الآية التي في النحل: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} . وأكثر آية في كتاب الله تفويضا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق 2/ 65 - 3]. وأشد آية في كتاب الله رجاء: {يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر 53/ 39].
وعن عكرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد بن المغيرة هذه الآية، فقال له:
يا ابن أخي، أعد عليّ، فأعادها عليه، فقال له الوليد: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول بشر.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي الله عنه: أنه قرأ هذه الآية: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} الآية، ثم قال: إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله، والشر كله في آية واحدة، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله تعالى إلا جمعه وأمر به، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه وزجر عنه.