الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
قال قتادة: القائلون هذه المقالة هم عبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث، ونوفل بن خويلد، والوليد بن المغيرة من صناديد قريش.
المناسبة:
بعد أن بالغ تعالى في تهديد الكفار، ذكر شبهتهم في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وإساءتهم الأدب بوصفه بالسفاهة والجنون، ثم ذكر أن عادة هؤلاء الجهال مع جميع الأنبياء على هذا النحو، فلك يا محمد أسوة بالأنبياء في الصبر على سفاهتهم وجهالتهم.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى في هذه الآيات عن بعض مقالات المشركين وشبهاتهم الصادرة عن كفرهم وعنادهم، فقالوا استهزاء وتهكما: يا أيها الذي تدعي نزول القرآن عليك، إنك متصف بالجنون، حينما تدعونا إلى اتباعك، وترك ما وجدنا عليه آباءنا، فلا نقبل دعوتك.
{لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ.} . لو كنت ما تدعيه حقا وصدقا، فهلا تأتينا بالملائكة يشهدون لك بصدقك وصحة ما جئت به، ويؤيدونك في إنذارك، كما قال تعالى:{لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ، فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} [الفرقان 7/ 25] وقال:
{وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ، أَوْ نَرى رَبَّنا، لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً} [الفرقان 21/ 25] وحكى تعالى قول فرعون في شأن موسى: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف 53/ 43].
فأجابهم تعالى عن المقالة الثانية بقوله: {ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاّ بِالْحَقِّ} أي
لا ننزل الملائكة إلا بحق وحكمة ومصلحة نعلمها، ولا حكمة في أن تأتيكم عيانا تشاهدونهم ويشهدون لكم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار، وهم من غير جنسكم ولا على صورتكم فيلتبس الأمر عليكم؛ إذ لكل جنس هاد من جنسه، كما قال تعالى:{وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً، لَجَعَلْناهُ رَجُلاً، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ} [الأنعام 9/ 6].
{وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ} أي ولو نزلنا الملائكة لكان ذلك إنزالا للهلاك والعذاب، وما أخر عنهم العذاب ساعة؛ لأن سنتنا أننا إذا أنزلنا آية كما يقترح الناس ولم يؤمنوا بها، أتبعنا ذلك بعذاب الاستئصال، فكان في إنزال الملائكة ضررا محققا لهم، لا نفعا.
ثم أجابهم الله تعالى عن المقالة الأولى بقوله: {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ.} . أي أنه تعالى هو الذي أنزل عليه الذّكر وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل، فقولوا: إنه مجنون، ونقول: نحن منزلوا القرآن وحافظوه. وتلك خصوصية للقرآن، فإنه تعالى تكفل وحده بحفظه وصونه، على مدى الدهر، بخلاف الكتب السابقة التي أمر بحفظها الأحبار والرهبان، فعبثوا بها وغيروها وبدلوها، بل إن أصلها قد فقد وضاع، فلم يعرف لها أثر؛ قال تعالى:{إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ، يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ، بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ، وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ} [المائدة 44/ 5].
ثم قال الله تعالى مسليا لرسوله صلى الله عليه وسلم في تكذيب بعض كفار قريش:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ.} . أي إنا أرسلنا قبلك رسلا للأمم الماضية وشيعها وطوائفها وفرقها، ولكن ما أتاهم من رسول إلا كذبوه واستهزءوا به وكفروا برسالته، فقوله:{وَما يَأْتِيهِمْ} حكاية حال ماضية؛ لأن
{ما} لا تدخل على مضارع إلا وهو في معنى الحال، ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال.
ثم أخبر أنه سلك التكذيب في قلوب المجرمين الذين عاندوا، واستكبروا عن اتباع الهدى، فإن مثل ذلك التكذيب والكفر الذي أدخل في قلوب المجرمين السابقين، ندخله في قلوب المجرمين الجدد، فضمير {نَسْلُكُهُ} عائد إلى الشرك.
ويصح عوده إلى الذكر (القرآن) أي مثل ذلك الإدخال ندخل القرآن ونلقيه في قلوبهم مكذبا مستهزءا به غير مقبول، حالة كونهم غير مؤمنين به أبدا.
{وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} أي مضت السنة المتبعة في الماضين، وهو أنه تعالى يهلك ويدمر كل من كذّب رسله، ويعلم بهم، وينجي الله الأنبياء وأتباعهم في الدنيا والآخرة، فلك يا محمد أسوة بالرسل قبلك مع أممهم المكذبة.
وبعبارة أخرى: سنفعل بالمجرمين اللاحقين كما فعلنا بالسابقين، وسننصر الرسل والمؤمنين.
ثم يخبر الله تعالى عن شدة عنادهم وتمكن كفرهم في نفوسهم ومكابرتهم للحق، فقال:{وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً.} . أي لو فتحنا على هؤلاء المعاندين بابا من السماء، فجعلوا يصعدون فيه أو تصعد فيه الملائكة، لما صدقوا بذلك، بل قالوا: إنما منعت وسدت أبصارنا من الإبصار، وقد شبّه علينا، واختلطت الأمور في أذهاننا، وأصبحنا لا نرى إلا أخيلة، كالقوم المسحورين سحرنا محمد بآياته، نحو قوله تعالى:{وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ، فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ، لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأنعام 7/ 6].
والمعنى: بلغ من عناد المشركين أنهم لو صعدوا في السماء حقيقة، ورأوا من العيان ما رأوا، لقالوا: هذه أوهام وأخيلة، وقد سحرنا محمد، كما يفعل عالم السيمياء، أو المنوم المغناطيسي. وفي الآية دليل على وجود الظلام في الفضاء الخارجي.