الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: كاد الجعل
(1)
يهلك في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ الآية:{وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ.} . وهذا مروي أيضا عن أبي الأحوص.
{وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى..} . أي ولكن بحلمه تعالى يؤخر هؤلاء الظلمة والعصاة، فلا يعاجلهم بالعقوبة، إلى أجل سمّاه الله لعذابهم، فإذا حان وقت هلاكهم، لا يستأخرون عن الهلاك ساعة، ولا يتقدّمون قبله، حتى يستوفوا أعمارهم.
روى ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر بالذريّة الصالحة، يرزقها الله العبد، فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر» .
{وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ} أي وينسبون إلى الله ما يكرهون لأنفسهم من البنات ومن الشركاء الذين هم عبيد الله، وهم يأنفون أن يكون لأحدهم شريك في ماله {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ} أي ويكذبون في دعواهم أن لهم العاقبة الحسنة في الدّنيا وفي الآخرة وهي الجنة على هذا العمل. روي أنهم قالوا: إن كان محمد صادقا في البعث، فلنا الجنة بما نحن عليه، فردّ الله عليهم مقالهم بقوله:
{لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ، وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} أي حقّا أن لهم النار، وأنهم متروكون فيها أو معجل بها إليهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
أبانت الآيات الأحكام التالية:
(1)
الجعل مفرد جعلان: دابة سوداء من دوابّ الأرض.
1 -
النّهي عن تعدّد الآلهة أو الشّرك، والأمر بالوحدانية والتّوحيد؛ لأن الإله الحقّ لا يتعدّد، وأن كل من يتعدّد فليس بإله، والله تعالى واحد في ذاته المقدّسة، فقد قام الدّليل العقلي والشّرعي على وحدانيته تعالى.
2 -
ترتب على وحدانية الله أنه المستحق للعبادة، فلا يعبد سواه، ولا يخاف غيره.
3 -
وترتب على الوحدانية أن كلّ ما سوى الله في السموات والأرض فهو مملوك له، لأنه مخلوق منه، متكون موجود به، فلا يكون الدين، أي الطاعة والإخلاص لله دائما، ولا يتقى غير الله تعالى.
4 -
جميع النعم من الله تعالى، سواء المادية كالرّزق والسّلامة والصّحة، أو المعنوية كالأمان والجاه والمنصب ونحوها.
5 -
لا يجد الإنسان ملجأ لكشف الضّرّ عنه في وقت الشدائد والكروب إلا الله تعالى، فيضجّ بالدّعاء إليه، لعلمه أنه لا يقدر أحد على إزالة الكرب سواه.
6 -
التعجيب من حال الإنسان بعد إزالة البلاء وبعد الجؤار (رفع الصوت والتضرع بالدّعاء إلى الله) فهو يعود إلى الإشراك بعد النجاة من الهلاك. وهذا المعنى مكرر في القرآن الكريم. وقد أشركوا ليجحدوا، فاللام لام كي، وقيل:
لام العاقبة.
7 -
تهديد هؤلاء الكفار بالتمتع بمتاع الحياة الدّنيا، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم.
8 -
هناك نوع آخر من جهالات المشركين، وهو أنهم يجعلون لما لا يعلمون أنه جماد يضرّ وينفع، وهي الأصنام، شيئا من أموالهم يتقرّبون به إليه. فيكون ضمير {يَعْلَمُونَ} عائدا للمشركين، وقيل: إنه عائد للأوثان، أي ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعلم شيئا نصيبا.
ولكن الله عز وجل يسألهم سؤال توبيخ عن افترائهم واختلاقهم الكذب على الله أنه أمرهم بهذا.
9 -
ومن جهالاتهم نسبة البنات إلى الله تعالى، ونسبة البنين لأنفسهم وأنفتهم من البنات.
10 -
ومن جهالاتهم تغيّر وجوههم حزنا وغمّا بالبنت، واختفاء الواحد منهم وتغيبه عن مواجهة القوم من شدّة الحزن وسوء الخزي والعار والحياء الذي يلحقه بسبب البنت. وكان بعض العرب يدفنون بناتهم أحياء في التراب، مثل خزاعة وكنانة، قال قتادة: كان مضر وخزاعة يدفنون البنات أحياء، وأشدّهم في هذا تميم. زعموا خوف الفقر عليهم وطمع غير الأكفاء فيهنّ.
وقد حرم الإسلام الوأد، وأوجب الإحسان إلى البنات،
روى مسلم في صحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهنّ، كنّ له سترا من النّار» ففي الصّبر عليهنّ والإحسان إليهنّ ما يقي من النّار.
وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو» وضمّ أصابعه.
وروى أبو يعلى الحافظ عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له بنت فأدّبها، فأحسن أدبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، وأسبغ عليها من نعم الله التي أسبغ عليه، كانت له سترا أو حجابا من النّار» .
11 -
بئس ما حكم به أهل الجاهلية من إضافة البنات إلى خالقهم وإضافة البنين إليهم، وقد استاؤوا من البنات أشدّ الاستياء؛ لأن الواحد منهم يسودّ وجهه بولادة البنت، ويختفي عن القوم من شدّة نفوره من البنت، ويقدم على قتلها.
12 -
لهؤلاء الواصفين لله البنات مثل السّوء، أي صفة السّوء من الجهل والكفر، ولله المثل الأعلى أي الوصف الأعلى من الإخلاص والتوحيد، ووصفه بما لا شبيه له ولا نظير، جلّ الله تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّا كبيرا.
13 -
من فضل الله ورحمته وكرمه أنه يمهل هؤلاء الكفار ولا يعاجلهم بالعقوبة، ليترك الفرصة لهم للإيمان والتوبة. قال ابن مسعود وقرأ هذه الآية:
لو آخذ الله الخلائق بذنوب المذنبين، لأصاب العذاب جميع الخلق، حتى الجعلان في حجرها، ولأمسك الأمطار من السماء، والنبات من الأرض، فمات الدّواب، ولكن الله يأخذ بالعفو والفضل؛ كما قال:{وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة 15/ 5]، وقال:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ، لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ، لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} [الكهف 58/ 18].
14 -
إن أجل موت الإنسان ومنتهى عمره لا يتقدّم ولا يتأخّر ساعة واحدة أو لحظة واحدة.
وتعميم الهلاك مع أن في الناس مؤمنين ليسوا بظلمة، بجعل هلاك الظالم انتقاما وجزاء، وهلاك المؤمن معوّضا بثواب الآخرة.
جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أراد الله بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على نيّاتهم» أو «على أعمالهم» .
15 -
ينسب المشركون لله البنات، وتقول ألسنتهم الكذب أن لهم الجزاء الحسن، والحق أن لهم النار، وأنهم متركون منسيّون في النّار، أو معجّلون إلى النار، مقدّمون إليها.