الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتعلق بنفسه أو بغيره، وهو مع هذا كلّ أي عيال وكلفة على مولاه الذي يعوله، حيثما أرسله أو بعثه، لا يحقق مطلبا، ولا ينجح في مسعاه، ولا يأتي بخير قط؛ لأنه لا يفهم ما يقال له، ولا مقال لديه، فلا يفهم عنه.
والثاني-رجل كامل المواهب والحواس، ينفع نفسه وغيره، يأمر بالعدل أي بالقسط، ويسير على منهج الحق والعدل، ويحكم بالعدل، فمقاله حق، وأفعاله وسيرته مستقيمة، وطريقه مستقيم ودينه قويم.
هل يستوي هذان الرجلان؟ الأول عديم النفع، والثاني كامل النفع، والأول كالصنم لا يسمع ولا ينطق. والثاني وهو المتصف بصفات الله الواحد القهار الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته، ويأمرهم بالعدل، ويلتزم العدل في نفسه قضاء وحكما.
وإذا كان هذان الرجلان لا يتساويان بداهة، فلا تساوي أصلا بين الحق تعالى، وبين ما يزعمون أنه شريك له.
فقه الحياة أو الأحكام:
دل هذان المثلان على ضلالة المشركين وبطلان عبادة الأصنام؛ لأن شأن الإله المعبود أن يكون مالكا قادرا على التصرف في الأشياء، وعلى نفع غيره ممن يعبدونه، وعلى الأمر بالخير والعدل، والتزام منهج الاستقامة والقسط في سيرته وسلوكه.
والأصنام في المثل الأول فاقدة الملك، عاجزة عن التصرف هي مثل العبيد المملوكين للسادة الموالي. أما الأحرار الملاك الأغنياء كثير والإنفاق سرا وجهرا، فهم القادرون على التصرف. وبما أن العقل لا يجوّز التسوية بين الحر والعبد في التعظيم والإجلال، مع تساويهما في الخلقة والصورة والبشرية، فكيف يجوز
للعاقل أن يسوي بين الله القادر على الرزق والإفضال، وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شيء أصلا؟! وهناك قول آخر: وهو أن هذا مثل للمؤمن والكافر، فالمراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر، فهو باعتبار حرمانه من عبودية الله وطاعته كالعبد الذليل الفقير العاجز. والمراد بقوله {وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً} هو المؤمن، فإنه مشتغل بالتعظيم لأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله، فأبان تعالى أنهما لا يستويان في المرتبة والشرف والقرب من رضوان الله تعالى.
قال الرازي: والقول الأول أقرب؛ لأن الآية في إثبات التوحيد، وفي الرد على المشركين.
وهذا المثل منتظم مع ما ذكر قبله من بيان نعم الله على أولئك المشركين، وعدم توافر تلك النعم من آلهتهم.
وقد احتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئا.
والأصنام في المثل الثاني لا تقدر على شيء، وأما الله فهو القادر على كل شيء، فالأبكم الذي لا يقدر على شيء هو الوثن، والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى، وهل يستوي هذا الأبكم ومن يأمر بالعدل، وهو على الصراط المستقيم؟! والآمر بالعدل يجب أن يكون موصوفا بالنطق، وإلا لم يكن آمرا. ويجب أن يكون قادرا؛ لأن الأمر مشعر بعلو الرتبة، وذلك لا يحصل إلا مع كونه قادرا.
ويجب أن يكون عالما حتى يمكنه التمييز بين العدل والجور، فدل وصفه بالعدل على وصفه بكونه قادرا عالما.
أما الرجل الأول فوصفه بأربع صفات: الأبكم (الأخرس العيي)، ولا يقدر على شيء، وهو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل، وكلّ على مولاه (أي