الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الشاعر الصغيِّر فإنه كان أصيب إصابة بالغة لأنه كان من المقربين لمحمد بن عبد الله المهنا ولم يعرف بالاتفاق مع الملك عبد العزيز فصادفه ومن معه فجرى تبادل إطلاق النار معه حيث أصيب ثم مات بعد أيام من إصابته.
خطوة حكيمة لابن شريدة:
وكان انتهاء أمر ابن مهنا في الصباح فأرسل ابن شريدة إلى مؤذني المساجد في بريدة كلهم أن ينادوا من رؤوس المآذن في الضحى أن يعود أهل الخبوب والقرى إلى فلاحتهم لأن الأمر أمان وضمان، كما أمر بالأغذية والطعام أن تبذل لهم.
وقد كان محمد بن شريدة هو الرئيس المقدم في تلك الأحداث لأن فهد بن علي الرشودي وأخاه إبراهيم كانا في العراق، ولم يحضرا هذه الأحداث، وعبد العزيز بن حمود المشيقح انتقل إلى عنيزة ذكر أحد أبنائه عنه أنه قال: أنا لا يمكن أن أقاتل الملك عبد العزيز بن سعود ولا يمكن أن أقاتل معه جماعتي. حدثني من كان مع الملك عبد العزيز آل سعود من أهل بريدة عندما أراد الدخول إلى بريدة بترتيب وضمان محمد بن شريدة فتقدم الملك عبد العزيز بخطى واسعة.
قال: وكان عددنا لا يتجاوز الثلاثين، وكنا جميعًا خائفين قلقين لأننا نعلم أن الذين في قصر بريدة من أنصار ابن مهنا لم يعلموا بالاتفاق وهم مجتمعون رماة فلو أحسوا بمقدمنا رمونا.
قال: وكان الإمام يسير بخطى واسعة، ثم يلتفت عليهم فيقفون فيقول: وين المستحين؟ يكررها فيتقدم ثلاثة ثم يسير برهة فيكررها فيتقدم اثنان بعد تردد ويسير المستحون أمام الثلاثين.
والمستحون هم الفدائيون الذين يكونون أول الصفوف، فإذا حدث قتال أصيبوا أولًا.
قال: وكان الملك عبد العزيز يتلفت إلى أحد الذين معه من أهل بريدة ويهز يده، ويقول: أنت متأكد أن الجماعة على علمهم! !
وعندما دخل الملك عبد العزيز ومعه محمد بن شريدة إلى بيت ابن جربوع رحب الجماعة به، فأومأ بيده أي الماء - فأسرعوا بإحضار القرب وشرب هو ومن معه ثم طلبوا مزيدًا من القرب المليئة بالماء البارد من البيوت المجاورة وأحضر التمر وما تيسر فأكلوا - ولم يؤذن لأحد ممن دخل هذا البيت بالانصراف خشية أن يتسرب الخبر.
قال: فصلينا الفجر في البيت.
وكانت العلامة قبل ذلك أنه إذا وصلنا مع الملك عبد العزيز (مرقب الشماس) نجد (حوشان الحمود) من الجماعة ينتظرنا ومعه صرة (قت) ليوهم أنه خرج إلى الشماس يحضر قتًا لغنمه، فلما لقيناه أطمأن الإمام فسأله عن اسمه؟ فسرنا متجهين نحو باب (العقده الشمالي ولما وصلناه فتح لنا ووجدنا (محمد الشريدة) وعددًا قليلًا معه - وكان قتل الحارس الذي استنكر وجودهم وكاد أن يطلق النار.
دخلنا والخوف يعصر قلوبنا خوفًا من أن يعرف بنا ابن مهنا وأعوانه، وما أن سرنا خمسين مترًا حتى أطلقت علينا النار من الأسواق الشرقية، وكان عن يمين الملك محمد الشريدة فقال: هذا (الصغيّر) وجماعته معه لم يعلموا بما اتفقنا عليه وحصل تراشق بالبنادق سقط على إثره ثلاثة حتى جزنا سوق الصناع شمالًا من الجامع، فأطلق علينا عيار آخر ولم يصب أحد، ونحن مستمرون ثم توجهنا شرقًا ودخلنا قهوة (الجربوع) حيث يجتمع الجماعة وهو في الشارع المتجه شمالًا وجنوبًا شرقي الجامع القديم بين بيوت السليم والبيت الذي سكنه أخيرًا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد.
وهكذا استتب الأمن والطمأنينة.
من أخبار محمد بن شريدة أنه كان جماعة من أهل بريدة من عقيل وغيرهم ومعهم ثلاثون رعية من الإبل، ومعهم ذهب كثير للتجارة، في أحزمة في بطونهم فخرجوا ونزلوا الأسياح يتهيئون للانحدار للكويت والعراق فبلغ محمد بن شريدة أن عبد العزيز بن رشيد خرج ونزل القوارة فخاف أن يصادر عقيل أهل بريدة هؤلاء التجار ويأخذهم فأعطى على المبارك والد فهد بن مبارك أبو صدام ريالين على أن يوصل خطأ أي رسالة مكتوبة لعلي العبد المنعم وكان ابن شريدة وجد مبارك يخلط طين عند مسجد والده عبد الرحمن بن شريدة في شمال بريدة.
فأخذ مبارك الخط وهو الرسالة، فما غربت الشمس وهو يركض على رجليه حتى سلمه لعلي بن عبد المنعم.
قالوا: فجمع ابن عبد المنعم كبار التجار الذين معه وقال: هذا خط من أبوكم محمد بن شريدة يقول ابن رشيد طلع من حائل ولا ندري وين وجهته يمكن إنه يشرق ويصادفكم ويأخذكم، ويمكن يبعد لكن حالًا أرجعوا وصبروا، بين بريدة وعنيزة حتى يتبين لنا نية ابن رشيد فرجعوا بالفعل حتى تبين أن ابن رشيد غزا على عتيبة فذهبوا إلى الكويت.
قال الأستاذ ناصر بن سليمان العمري:
محمد العبد الرحمن بن شريدة عرف بالكرم والشجاعة، وكان من رؤساء بريدة توصل إلى الزعامة برجولته وولائه للإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل.
كانت بريدة في العقد الثالث من القرن الثالث عشر الهجري في حالة حرب، فلحق الناس أزمة اقتصادية وغذائية بسبب استمرار الحروب، وفي ليلة من ليالي الأيام القاسية شعر محمد بن عبد الرحمن بن شريدة أن في بيته لصًا فاتجه إليه وأمسك به فعرفه وسأله عن سبب وجوده في داره في هذا الوقت؟ فقال: الجوع والحاجة فأعطاه شيئًا من الطعام وصرفه وأخبره أنه لن يخبر أحدًا.
وفي الغد أرسل إليه ولما حضر أعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي وقال له هذه النقود خذها بع بها واشتر مع الناس في أي بلد شئت، وإذا ربحت وحصلت على مبلغ من المال يغنيك عن هذه النقود فأعدها لي.
فأخذها الرجل وسافر إلى العراق وإلى الشام وغيرهما يبيع ويشتري حتى ربح مالًا وجاء إلى ابن شريدة فأخبره عن أرباحه فقال له محمد بن شريدة الأرباح لك كلها والثلاثمائة ريال قد اقترضتها من سليمان العيسى أعدها إليه، وبارك الله لك في الأرباح.
وابن شريدة لم يخبر أحدًا عن دخول الرجل لبيته لكن الرجل هو الذي أخبر الناس لأن الناس كانوا في ضيق من العيش ولا يستغربون تصرف ابن شريدة معه لرجولته ولا يلومونه هو لضيق سبل العيش في وجوه الناس في ذلك الوقت.
توفي محمد بن عبد الرحمن بن شريدة في موقعة جراب عام 1333 هـ وقد أخبرني عبد الله السليمان بن عيسى أنه طلب من أهل شقراء نقل ابن شريدة من أرض المعركة وهو جريح فنقله أهل شقراء على حصان فلحق بهم أتباع ابن رشيد وأجهزوا عليه ولم يتعرضوا لغيره، وقيل لهم هذا محمد بن شريدة في محاولة لإنقاذ حياته وهو جريح فقالوا: ما جئنا إلَّا من أجل محمد بن شريدة، وأجهزوا عليه ورجعوا، قال العمري: وقد ذكر لي هذا عبد الله بن سليمان بن عيسى أكثر من مرة (1).
أقول: قتل محمد بن شريدة في وقعة جراب عام 1332 هـ إيان المعركة وهو على حصانه، يقال: إنه لم يكن بعيدًا من الملك عبد العزيز بن سعود الذي كان راكبًا على حصانه أيضًا.
(1) ملامح عربية، ص 61.
وقال أحدهم:
يا جراب ما جتنا لياليك بالخير
…
وأيامك القشرا علينا بلاوي
ذبحة محمّد من إكبار المخاسير
…
ذبحة محمّد مالها من يداوي
أبو اليتامى والعيال المصاغير
…
وأبو الذي ماله طعام وكساوي
ومن الشريدة: نورة بنت الزعيم محمد بن عبد الرحمن الشريدة من المعمرات حتى إنها عاشت بعد وفاة والدها محمد الشريدة أربعا وتسعين سنة، وذلك أن والدها مات قتيلا في وقعة جراب عام 1333 هـ. وهي صغيرة.
وعندما توفيت في أول شهر ربيع الثاني من عام 1427 هـ عزى أهلها بالحضور إلى بيتهم كبار الأمراء الذين يعرفون والدها ومكانته ومنهم الأمير سلطان ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء والأمير نايف وزير الداخلية وغيرهم حيث حضروا إلى بيت أولادها وعزوهم كما عزاهم بالمراسلة الملك عبد الله وغيره من كبار الأسرة السعودية، وقد نشرت أسرة الشريدة والسعيد ردًّا على ذلك بالشكر والتقدير في عدد جريدة الرياض الصادر في يوم السبت 8 ربيع الآخر عام 1327 هـ في صفحة كاملة.