الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقول: لم أدرك فهد الشريدة إذْ كنت عندما توفي في السابعة من عمري ولكنني رأيت من أصغر أبنائه الكبار، وهو محمد الفهد عجبًا من قوة جسمه.
كان يتاجر في الإبل يشتريها من الأعراب ومن الجلابين على بريدة ثم يبيعها بعد ذلك على هيئة رعايا أي مجموعات في ذلك الوقت.
وقد رأيته مرة في جردة بريدة وقد أراد بعير من الإبل أن يخرج عن الإبل ويشرد، فأمسك محمد بن فهد الشريدة برجله أي برجل البعير القوي الشرس وجذبه إليه كما يجذب الرجل الخروف برجله، فسمعت أكثر من واحد يقول: لا، لا، يا محمد، لا ينحتونك الناس، يريدون لا يصيبونك بأعينهم إذا رأوا قوة جسمك.
ولم أره من ذلك اليوم ولا بعده أصابه شيء، ولكنني شهدت في ذلك اليوم أن قوته الجسدية خارقة.
شعر فهد الشريدة:
عبد الرحمن بن إبراهيم الربيعي الشاعر المشهور والراوية القليل النظير للشعر العامي وهو أكثر من نعرفه كتب هذا الشعر العامي في القصيم، وقد ذكرت شيئًا من ذلك في كتاب (معجم أسر جنوب القصيم).
سجل عبد الرحمن الربيعي في مجموعته الشعرية قصيدتين لفهد بن شريدة ووصفه في دفتر كبير، بل في أكثر من دفتر من الدفاتر التي كتبها - أي الربيعي - بأنه راعي بريدة.
وقد سألت أبناء فهد الشريدة عما إذا كانوا يحتفظون بشعر له فلم يذكروا شيئًا مما يدل على أنه كان ينظم الشعر في شبابه، وربما يكون أقلع عن ذلك عند نضج تفكيره واشتغاله بالتجارة، وبالأمور السياسية.
وهذا نص إحدى القصيدتين كما نقلتها من خط الربيعي:
ثم رأيت إحداهما مكتوبة بخط محمد بن حمد العمري ونقلتها هنا من خطه أي خط العمري:
قال فهد بن شريدة:
يا حي الجواب وحي نظم الكلام
…
يا مرحبا تسعين وألف تحية
عدد ما هل وبل الغمام
…
أو ما لعى ورق براس البنيه
حي الجواب اللى يزيل الهضام
…
مثل الحيا تصبح به الأرض حيه
من جاش شغموم عزيز المقام
…
عينا خويه بالعزوم القويه
رديت له رد بحكم النظام
…
ما ساعف الدلال في منتويه
جيتك على الطيبه شفيق لحالي
…
نبذل له الجهده ونتبع نويه
والمجتهد عند العرب ما يلام
…
ورجا السموحه منك نوع الحمية
يا أبو سعد مني عليك السلام
…
من لب قلب مدة المنصحيه
يشبه لماءٍ على كبد ظامي
…
والذمن سلسال عذب الثنيه
يهما ويهنا له سريع الشمامي
…
لك والذي لك يا حمد في دنيه
* * * *
دع ذا، ويا نسل الكرام الحشامي
…
يا شوق من كن العسل في شفيه
مني وانا في نية واهتمامي
…
ما عاد عندي كود قطع الثنيه
ناوي من البحرين ابي اركب شمامي
…
في تم شغل الدوله العيسويه
مستغربن عزوتي والعمام
…
مكابد بالسيف كيد الشكيه
ظنيت إنك تايه بالمظامي
…
ومتبعك ضد وله فيك نيه
واليوم يوم القصد راع الوشامي
…
هذاك له يمني علينا جريه
طفل وقيدنا بقيد الغرام
…
ونفوسنا ما هي لغيرك وطيه
هذاك شبهته بحور طوامي
…
فيه الغناة وفيه كاس المنيه
يا حمد دوك الحب خلص عظامي
…
بين السواعد شب نار حميه
فإن كنت تشكي فقد بدر التمام
…
الجادل إلى ما لقينا حليه
فاعلم ورد من قبل سام وحام
…
هذا الولع دوبه تشاعل ضويه
فخذ النصيحة كل جدي بظلام
…
تكفيك عن كشف السدود الخفيه
حيث أنها تبرى الجروح الكوامي
…
فإن كان تبقى النفس فهو البقيه
اترك هوى من صد عنك وشام
…
إلى دعاك لعلة باطنيه
لو هو محب كان دوم الدوامي
…
يشفق على لاماك صبح وعشيه
إلى يغرونه عيال الحرامي
…
ويطاوع العدوان ما به شفيه
إلى رماك بنازحات المظامي
…
وأنت الغشيم اللى ذلوله رديه
وش ولعك به وانت حر قطامي
…
لك شيمة عليا ويمنىً سخيه
فإن طعت شوري لا تجي بالولام
…
خله يولي لي تقضب بغيه
إلى أن صدق علمك بهذا الكلام
…
ما عاد عندك كود كتب الوصيه
ابشر بربع مثل وصف النظام
…
ذروة تميم ولابة صيرميه
يردون حوض الموت ورد الظوامي
…
قدام وجهه يا حجا ملتجيه
بايمانهم صمع تبت العظام
…
تفرح بهم يا القرم وقت الحميه
أيضا ونرخص لك جميع الحطام
…
لا خير با اللي ما يساعد خويه
حقك علينا لو يثور الكتام
…
لابد ما تمسي جروحك بريه
هذا وطبع البيض بين الكرام
…
أفعالهم ما هي علينا غبيه
أنهاك عنهم لو عطوك التزام
…
خوانة الصاحب بليا جنيه
يا شيب عيني من خشوف الأدامي
…
دايم يجازون الحساني بسيه
طرادهن ما يهتني بالمنام
…
يصبح ويمسي في حياة شقيه
بقيد يقودون الولع بالخزام
…
لما يعسفونه عساف المطيه
من نال منهم بالمواصل تمامي
…
خانوه بالفرقا وعاقوا نويه
فإن كان منهم شفت بعض الولامي
…
اقطف زهر مجناك وامن وليه
فالوصل مثل أزهار عشب الوسام
…
لزمًا يهيف ويلتوي كاالدويه
وإن شفت جفوًا لا تعض البهام
…
قو العزا بالعزم بين البريه
وحذرا تشمت غارضين المرامي
…
مثل الرصود يعظمون البليه
هذي سواة أهل النهود الزوامي
…
عزي لمن له في سنعهن نحيه
يا ما عليهم نحت نوح الحمام
…
وأصبحت مثل الميت والنفس حيه
لو يصفى الصاحب ثلاثين عام
…
لابد ماله يا حمد من دهيه
يدهون طراد الهوى بالهيام
…
فا إلى ابتلا حطوه بأرض خليه
شرواك يوم انك مسكت الصيام
…
سلمت من قوم وطحت بسريه
فإن جاد ظني يا حمد، واهتمامي
…
سريتكم من لابة شمريه
هم الذي ما يرفضون الحسام
…
ومتعلمين الصبر في كل هيه
هذا ويا مروى شفا كل ظامي
…
كيف السلام نقول فيه الحذيه
هذا معنى ما يجي فيه السلام
…
إلا لكساب يجي من غزيه
مير أنت مسموح في اتلى الكلام
…
لرعا مفجوع طروحك طريه
والى بسواتك عبرته بانحطام
…
معلوم ما يقوى على الحاضريه
كم مغرم حارب لذيذ المنام
…
ومن الولع والحب ركب ادعيه
إلَّا ولو تسكن بمصر وشام
…
معذور لو تطلق عليك الرعية
قبلك غدا مجنون ليلى وهام
…
هومة وحوش في ديار خليه
واللي يلومك جعله الله يلام
…
ويبلا بحزن مايوني نعيه
والختم ما غنى حمام وحام
…
على النبي مني مع أزكى تحيه
روى الأستاذ ناصر بن سليمان العمري هذه القصة عن (فهد بن عبد الرحمن الشريدة)، فقال:
فهد بن عبد الرحمن بن شريدة من أهل بريدة، وهو من الشجعان وهو تاجر إيل وقد مارس الأسفار وخالط رجال البادية في الحضر والسفر، سافر أولاده إلى مصر بتجارة إيل له، وبعد ذلك رأى الإبل في سوق الإبل في بريدة رخيصة السعر فاشترى رعية من الإبل وعزم على السفر بها إلى مصر بنفسه رغبة بالعمل والربح الحلال، ثم استأجر راعي إبل من قبيلة شمر وسافر معه بالإبل، ولما وصل إلى البطين شمالي مدينة بريدة طلب من الراعي أن ينيخ الإبل ويعقلها، فقام الراعي بما أمره به وساعده عليه ثم أنزل فهد بن شريدة الطعام وعدة صنع القهوة، وقال للراعي اصنع الطعام، فكل شيء عندك وأنا
أصنع القهوة، فغضب الراعي وقال: أنا امرأة لك أصنع لك الطعام؟ فضحك ابن شريدة وبدأ يصنع القهوة ثم نادي الراعي وطلب منه أن يحضر حجارة مناصب للقدر فأحضرها الراعي ثم طلب منه أن يغسل القدر فغسله الراعي ثم طلب منه أن يحضر حطبًا فأحضر الحطب وأمره أن يضع ماء في القدر حدد له مقداره ففعل ثم أمره بوضع القدر على النار بعد أن أشعلها فهد بن شريدة وطلب منه إحضار البصل وقطع الفص قطعتين ووضعه في القدر.
ثم قام فهد بن شريدة بإحضار اللحمة وطلب من الراعي أن يساعده على تقطيعها وجهزت اللحمة ووضعت في القدر فطلب منه فهد بن شريدة إحضار عيش من الأرز بماعون وحدد له مقداره وطلب منه غسله ووضعه في القدر، وبعد ذلك دعاه فهد لشرب القهوة والشاي في انتظار نضج الطعام، ولما فرغا من شرب القهوة والشاي كان الطعام قد نضج فطلب فهد بن شريدة من الراعي إحضار صحن من الأواني الموجودة، وأمره بغسل الصحن ووضع طعام الغداء فيه وتقديمه وهنا أدرك الراعي أنه هو الذي صنع طعام الغداء تحت إشراف وتوجيه رفيقه في السفر وقدم الطعام فأكل منه الرجلان فأعجب البدوي طعمه إنه لحم وأرز مكبوس فضحك فهد بن شريدة وقال أينا صنع الطعام؟
فقال الراعي الحقيقة أنا صنعته بأمرك وإن شاء الله غدا وفي المساء سوف أصنع طعامنا دون كبر أو أنفة أو شعور بالمهانة، فالرفيق يخدم رفيقه في السفر ولا عيب في ذلك (1).
وقال العمري أيضًا:
فهد بن عبد الرحمن الشريدة يشتغل بتجارة الإبل وهو رجل شجاع باع يومًا بعيرًا وقبض ثمنه ووضعه في داره، وفي الليل دخل سارق إلى بيته يبحث عن النقود وشعر به فهد بن عبد الرحمن الشريدة فأسرع إليه ومسكه
(1) ملامح عربية، ص 223 - 224.
وأخذ يعاتبه: ما لقيت غير بيتي تأتي لتسرقه، هل تظن أنك تفلت من قبضتي؟ ونادى فعلًا زوجته بقوله احضري السكين أقطع رقبة السارق فتوسل إليه الهام بالسرقة أن يعفو عنه، وقال له: يا أبا عبد الله، ما دخلت دارك إلا من الحاجة فأولادي جياع وهنا غلبت العاطفة على نفس صاحب الدار، وقال له: إذن أنا أعطيك ما يسد حاجتك فأحضر له بعض النقود وسلمها له وتركه يخرج من الدار بعد أن عاهده ألا يعود لمثلها.
وكان أمير بريدة الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي عام 1341 هـ وعلم بالقصة من الجيران الذين سمعوا صوت ابن شريدة وهو ينادي زوجته لتحضر السكين لقتل السارق، وسأله عن اسم السارق فأنكر ابن شريدة وقوع الحادثة ولم يبح باسم الهام بالسرقة (1).
وذكر الأستاذ ناصر العمري أيضًا: أن فهد بن عبد الرحمن بن شريدة من أهل بريدة وهو من الشجعان ويشتغل في تجارة الإبل، وله عادة يفد إلى الملك عبد العزيز آل سعود في الرياض، كان يومًا جالسًا بحضرة الملك عبد العزيز آل سعود في مدينة بريدة في مخيم الملك عبد العزيز فأخذ رجل اسمه شويش يمتدح شجاعة البادية ويمدح الملك عبد العزيز ويقول جاب الله لكم، يا الحضر الملك عبد العزيز فقويت شوكتكم، وكأنه ينتقص الحاضرة ويمدح البادية، فقال فهد بن شريدة أنت من شجعان البادية وأنا رجل عادي من الحضر ومستعد أباريك في مجالات الشجاعة، فسابقه على الإبل فسبقه فهد بن شريدة، ثم تباري معه في الرمي بالرصاص بالبندق على هدف وضع لهم فأصاب فهد بن شريدة الهدف، ثم تصارع الرجلان بحضرة الملك فصرعه فهد بن شريدة، وأعلن الملك أن فهد بن شريدة هو الغالب الشجاع، وعلى العموم شويش شجاع لكنه الغرور داخله فغلب (2).
(1) ملامح عربية، ص 134.
(2)
ملامح عربية، ص 2.
منصور بن عبد الرحمن الشريدة