الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أهلكهم الله بعذاب الاستئصال، فليس نعيم الدنيا قرينة على محبة الله، ولا سوء الدنيا علامة على غضب الله.
ثم رد عليهم ردا ثانيا بقوله: {قُلْ: مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ.} . ومضمونه:
لا بد أن يأتيهم عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، وحينئذ سيعلمون أن نعم الدنيا لا تنقذهم من ذلك العذاب.
روي أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث وأشباهه من قريش، حينما رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خشونة عيش ورثاثة ثياب، وهم في غضارة العيش ورفعة الثياب.
التفسير والبيان:
{وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} إذا تليت على الكفار آيات الله القرآنية واضحات الدلالة والبرهان، مبينات المقاصد، صدوا عن ذلك وأعرضوا وقالوا مفتخرين على المؤمنين ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل: أي الفريقين (المؤمنين والكافرين) خير منزلا ومسكنا، وأكبر جاها، وأكثر أنصارا؟ والندي: النادي والمجلس، وهو مجتمع الرجال للحديث ومجلسهم، والعرب تسمي المجلس النادي، فكيف نكون على الباطل، وأولئك الضعفاء الفقراء المختفون المستترون في دار الأرقم على الحق؟ كما أخبر تعالى عنهم في آية أخرى:{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ.} .
[الأحقاف 11/ 46]. وهذا اغترار بظاهر الحال في الدنيا، متوهمين أن من كان غنيا ثريا كان على الحق والصواب، ومن كان فقيرا كان على الباطل.
فرد الله تعالى عليهم شبهتهم بقوله:
{وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً} هذا هو الجواب الأول
عن شبهتهم، أي وكثيرا ما أهلكنا قبلهم من الأمم السابقة المكذبين رسلهم بكفرهم، وكانوا أحسن من هؤلاء متاعا ومنظرا. والأثاث: المال أجمع، من الإبل والغنم والبقر والمتاع، أو متاع البيت خاصة من الفرش واللباس والستائر والبسط والأرائك والسرر (الأسرّة). والرئي: المنظر في تقدير الناس من جهة حسن اللباس أو حسن الأبدان وتنعمها.
والمعنى: أن مظاهر الثراء والنفوذ والكرامة لا تدل على حسن الحال عند الله، فقد أهلك الله المترفين، ونجى الفقراء الصالحين. وهذا تهديد ووعيد لكل من يتوهم من العوام وجهلة الأغنياء من المسلمين أن حسن حالهم في الدنيا دليل على رضا الله عنهم وحسن حالهم في الآخرة.
ثم أكد الله تعالى التهديد والوعيد وبالغ فيه، فقال:
{قُلْ: مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا} وهذا هو الجواب الثاني عن شبهة الكفار، أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم المدعين أنهم على الحق وأنكم على الباطل: من كان في الضلالة منّا ومنكم، ومن كان يخبط في الدنيا على هواه، فإن الله تعالى جعل جزاءه أن يتركه في ضلالته، ويدعه في طغيانه، ويمهله فيما هو، ويمدّه ويستدرجه ليزداد إثما، حتى يلقى ربه، وينقضي أجله.
وهذه سنة الله في استدراج الظالمين والعصاة، يتركهم الله في ضلالهم، بل ويزيدهم من نعم الدنيا وملذات الحياة، إمعانا في إبقائهم على سوء حالهم الذي اتخذوه منهجا لهم، كما قال تعالى:{إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً} [آل عمران 178/ 3] وقال سبحانه: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام 110/ 6].
{حَتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السّاعَةَ، فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً} أي حتى إذا شاهدوا رأي العين ما يوعدون به، إما العذاب في الدنيا الذي يصيبهم بالقتل والأسر، كما حصل يوم بدر، وإما مجيء يوم