الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضلت به أسماؤه في الحسن على سائر الأسماء: دلالتها على معاني التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والأفعال التي هي النهاية في الحسن، كما قال الزمخشري.
سبب النزول:
قال مقاتل: قال أبو جهل، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، ومطعم بن عدي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنك لتشقى حيث تركت دين آبائك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:«بل بعثت رحمة للعالمين» قالوا: بل أنت تشقى، فأنزل الله الآية ردا عليهم، وتعريفا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن دين الإسلام هو سبب كل سعادة، وما فيه المشركون هو الشقاء بعينه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أول ما أنزل الله عليه الوحي يقوم على صدور قديمه إذا صلى، فأنزل الله:{طه، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى} .
التفسير والبيان:
{طه} هذه الحروف المقطعة التي يبتدأ بها في أوائل السورة لتنبيه المخاطب إلى ما يلقى بعدها، ولتحدي العرب بالإتيان بمثل القرآن، ما دام مركبا من حروف اللغة التي ينطقون بها ويكتبون. وقيل: هو اسم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعناه: طأ الأرض يا محمد، قال ابن الأنباري: وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتحمل مشقة الصلاة، حتى كادت قدماه تتورمان، ويحتاج إلى التروح، فقيل له: طأ الأرض، أي لا تتعب نفسك في الصلاة جدا، حتى تحتاج إلى المراوحة بين قدميك.
{ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى، إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى} أي لم ننزل القرآن عليك لتتعب نفسك بسبب تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وفرط تحسرك على أن يؤمنوا، فإن إيمانهم ليس إليك، بل أنزلناه لتبلغ وتذكر، فحسبك التبليغ
والتذكير، ولا تلتفت بعدئذ لإعراض المعاندين، ولا ترهق نفسك وتتعبها بحملهم على قبول دعوتك.
ونظير الآية قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف 6/ 18]. فقوله: {لِتَشْقى} لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا.
روى جويبر عن الضحاك قال، ومعه مقاتل: لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، قام به هو وأصحابه، فقال المشركون من قريش: ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى، فأنزل الله تعالى:{طه، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى، إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى} فليس الأمر كما زعمه المبطلون، بل من آتاه الله العلم، فقد أراد به خيرا، كما
ثبت في الصحيحين عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» .
وما أنزلناه إلا تذكرة لتذكر به من يخاف عذاب الله، وينتفع بما سمع من كتاب الله الذي جعلناه رحمة ونورا ودليلا إلى الجنة، وليس عليك جبرهم على الإيمان، {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ} [الشورى 48/ 42]، و {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية 22/ 88].
وفي هذا إيناس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على إعراض قومه عن دعوته، وضيق نفسه من تصميمهم على الكفر.
روى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة، إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده: إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي» .
وكلمة {إِلاّ} في الآية: إما استثناء منقطع بمعنى: لكن، أو متصل
والتقدير: ما أنزلنا عليك القرآن لتحمل متاعب التبليغ إلا ليكون تذكرة.
وإنما خص {لِمَنْ يَخْشى} بالتذكرة؛ لأنهم المنتفعون بها، وإن كان القرآن عاما في الجميع، وهو كقوله:{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة 2/ 2]. ودليل العموم قوله تعالى: {تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ، لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان 1/ 25].
ووجه التذكير بالقرآن: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعظهم به وببيانه.
{تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى} أي هذا القرآن الذي جاءك يا محمد نزل عليك تنزيلا من خالق الأرض والسموات العليا، والمراد بهما جهة السفل والعلو، الأرض بانخفاضها وكثافتها، والسموات في ارتفاعها ولطافتها.
والمراد بالآية: إخبار العباد عن كمال عظمة منزل القرآن، ليقدروا القرآن حق قدره.
{الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} أي ومنزل القرآن هو الرحمن المنعم بجلائل النعم ودقائقها، وهو الذي علا وارتفع على العرش، ولا يعلم البشر كيف ذلك، بل نؤمن به على طريقة السلف الصالح الذين يؤمنون بالصفات من دون تحريف ولا تأويل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل، فهو استواء يليق بجلال الله وعظمته، بلا كيف ولا انحصار، كقوله تعالى:{يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح 10/ 48] لأن الله تعالى ليس بجسم ولا يشبه شيئا من الحوادث، والعرش:
شيء مخلوق، لا ندري حقيقته.
ويرى الخلف تأويل الصفات، فيراد بالاستواء: الاستيلاء والقهر والتصرف الكامل، والعرش: هو الملك، واليد: القدرة.
{لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى} أي إن الله
منزل القرآن هو أيضا مالك السموات والأرض وما بينهما من الموجودات، ومالك كل سيء ومدبره، ومتصرف فيه، ومالك ما تحت التراب من شيء. فله الكون كله ملكا وتدبيرا وتصرفا.
{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى} أي إن تجهر بدعاء الله وذكره، فالله تعالى عالم بالجهر والسر، وما هو أخفى منه مما يخطر بالبال، أو يجري في حديث النفس، فالعلم بكل ذلك سواء بالنسبة لله عز وجل. والمعنى:
إن تجهر بذكر الله ودعائه، فاعلم أنه غني عن ذلك، فإنه يعلم السر وما هو أخفى من السر.
وأما إجراء الأدعية والأذكار على اللسان، فلمساعدة القلب على ذلك، ولتصور المعنى، وشغل الحواس بالمطلوب وصرفها عن التفكر في غير ذلك، كما قال تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً، وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف 205/ 7].
{اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} إن صفات الكمال المتقدمة هي لله المعبود الحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وله أحسن الأسماء والصفات الدالة على كل الكمال والتقديس والتمجيد، وهي التسعة والتسعون التي ورد بها الحديث الصحيح، والتي تقدم ذكرها في سورة الأعراف [الآية: 110] وله أيضا الأفعال الصادرة عن كمال الحكمة والصواب.
وبه يتبين أن هذه الآيات وصفت منزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه خالق الأرض والسماء، وأنه الرحمن صاحب النعم، وأنه الذي استوى على العرش وصاحب التصريف في الكون، وأن له الكون كله ملكا وتدبيرا وتصرفا، وأنه العالم بكل شيء، سواء عنده السر والجهر، وأنه الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والصفات العليا والأفعال السديدة.