الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثناء مخالطة المصريين، بدليل أنه لما نجاهم الله من طغيان فرعون، طلبوا من موسى نفسه عليه السلام أن يصنع لهم تمثالا ليعبدوه، كما قال تعالى:{وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ، فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ، قالُوا: يا مُوسَى، اجْعَلْ لَنا إِلهاً، كَما لَهُمْ آلِهَةٌ، قالَ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف 138/ 7].
التفسير والبيان:
{وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى} أي ما حملك على أن تسبقهم، والقوم:
هم بنو إسرائيل، والمراد بهم هنا النقباء السبعون، أي ما الذي حملك على العجلة حتى تركت النقباء وخرجت من بينهم.
وذلك أن الله وعد موسى باللقاء في جبل الطور بعد هلاك فرعون، ليعطيه الألواح التي فيها الوصايا الدستورية لبني إسرائيل. فلما أهلك الله فرعون سأل موسى ربه الكتاب، فأمره أن يصوم ثلاثين يوما، ثم زيدت إلى أربعين يوما:
وكانت المواعدة أن يوافي موسى وجماعة من وجوه قومه، فاختار موسى منهم سبعين رجلا:{وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا} [الأعراف 155/ 7] وهم النقباء السبعون الذين اختارهم، فسار موسى بهم، ثم عجل من بينهم شوقا إلى ربه، أي لما قرب من الطور سبقهم شوقا إلى سماع كلام الله، فقال الله له:
ما أعجلك؟ أي ما الذي حملك على العجلة حتى تركت قومك وخرجت من بينهم؟.
وهذا الإنكار إنكار للعجلة في ذاتها؛ لما فيها من عدم العناية بصحبه؛ لأن من شرط المرافقة الموافقة، وهو تعليم للأدب الحسن الرفيع في المصاحبة.
{قالَ: هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي، وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى} أي قال موسى مجيبا ربه: هم بالقرب مني، واصلون بعدي، وما تقدمتهم إلا بخطإ يسيرة، وسارعت إليك رب لتزداد عني رضا بمسارعتي إلى الوصول إلى مكان الموعد، امتثالا لأمرك، وشوقا إلى لقائك. فهو عليه السلام يعتذر بالخطإ في الاجتهاد.
{قالَ: فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ} أي قال الله تعالى: إنا قد اختبرنا قومك بني إسرائيل من بعد فراقك لهم، وهم الذين تركهم مع أخيه هارون، وجعلهم موسى السامري في ضلالة عن الحق، باتخاذهم عبادة العجل من ذهب.
والسامري من قبيلة السامرة، أو من قوم يعبدون البقر، والأكثرون أنه كان من عظماء بني إسرائيل من قبيلة السامرة، قال لمن معه من بني إسرائيل: إنما تخلف موسى عن الميعاد الذي بينكم وبينه وهو عشر ليال، لما صار معكم من الحلي، وهي حرام عليكم، وأمرهم بإلقائها في النار، وكان منها العجل، الذي يصدر منه صوت أحيانا بفعل تأثير الرياح.
{فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً} أي فعاد موسى إلى قومه بني إسرائيل بعد انقضاء الليالي الأربعين، شديد الغضب والحنق، والأسف والحزن والجزع.
{قالَ: يا قَوْمِ، أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً؟} أي قال موسى: يا قوم أما وعدكم ربكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة، من إنزال الكتاب التشريعي العظيم لتعملوا به، والنصر على عدوكم، وتملككم أرض الجبارين وديارهم، والثواب الجزيل في الآخرة بقوله المتقدم:{وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى} .
{أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ، فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} أي هل طال عليكم الزمان في انتظار وعد الله ونسيان ما سلف من نعمه، ولم يمض على ذلك من العهد غير شهر وأيام، {أَمْ} (أي بل
(1)
) أردتم بصنيعكم هذا أن ينزل عليكم غضب ونقمة وعقوبة من ربكم؟ فأخلفتم وعدي، إذ وعدتموني أن تقيموا على طاعة الله عز وجل إلى أن أرجع إليكم من الطور. يعني هل طال العهد عليكم فنسيتم أو أردتم المعصية فأخلفتم؟.
{قالُوا: ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا} أي أجابوه قائلين: ما أخلفنا عهدك ووعدك باختيارنا وقدرتنا، بل كنا مضطرين إلى الخطأ. وهذا إقرار منهم بالمعصية والوقوع في الفتنة بتسويل السامري وغلبته على عقولهم، كما قال تعالى:
{وَلكِنّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ، فَقَذَفْناها، فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ} أي ولكن حملنا أثقالا من زينة القوم أي القبط المصريين، حين خرجنا من مصر معك، وأوهمناهم أننا نجتمع في عيد لنا أو وليمة. وسميت أوزارا أي آثاما؛ لأنه لا يحل لهم أخذها. وقال السامري لهم: إنما حبس موسى عنكم بشؤم حرمتها، ثم أمرنا أن نحفر حفرة، ونملأها نارا، وأن نقذف الحلي فيها، فقذفناها، أي فطرحناها في النار طلبا للخلاص من إثمها، فمثل ذلك قذف السامري ما معه، وصاغ من الحلي عجلا، ثم ألقى عليه قبضة من أثر الرسول جبريل.
{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ} أي فأخرج السامري لبني إسرائيل من الذهب الملقى في النار (الأوزار) جسد عجل لا روح ولا حياة فيه، له خوار العجول؛ لأنه صنعه بطريقة معينة، عمل فيه خروقا، وألقى فيه رملا من أثر جبريل، فكان إذا دخلت الريح في جوفه خار. والخوار: صوت البقر.
(1)
بل: للإضراب عن الكلام الأول وعدول إلى الثاني، كأنه يقول: بل أردتم.. إلخ.