المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فقه الحياة أو الأحكام: - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٦

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تتمة قصة موسى مع الخضر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الكفار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المؤمنين وسعة معلومات الله وتوحيده

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (109):

- ‌نزول الآية (110):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة مريم

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌دعاء زكريا عليه السلام طالبا الولد وبشارته بيحيى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌قصة زكريا عليه السلام:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إيتاء يحيى عليه السلام النبوة والحكم صبيا

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌قصة يحيى عليه السلام:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة مريم

- ‌1 -حملها بعيسى عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -ولادة عيسى وما اقترن بها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌3 -نبوة عيسى ونطقه وهو طفل في المهد

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌4 -اختلاف النصارى في شأن عيسى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌إيضاح آية {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} بحديث صحيح:

- ‌أضواء على قصة عيسى عليه السلام:

- ‌الأناجيل:

- ‌إنجيل برنابا:

- ‌رسالة عيسى:

- ‌الحواريون:

- ‌معجزات عيسى:

- ‌وفاة المسيح:

- ‌الثالوث عند النصارى:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة إبراهيم عليه السلامأو مناقشته لأبيه في عبادة الأصنام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌إسحاق عليه السلام:

- ‌يعقوب عليه السلام:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة إسماعيل عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء على قصة إسماعيل الذبيح:

- ‌إسماعيل وأمه هاجر في مكة:

- ‌بناء البيت:

- ‌حياة إسماعيل وأولاده:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة إدريس عليه السلام

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌جملة صفات الأنبياء عليهم السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌صفات خلف الأنبياء وجزاؤهم وصفات التائبين ومستحقي الجنة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تنزل الوحي بأمر الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌شبهة المشركين في إنكار البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول: {وَيَقُولُ الْإِنْسانُ}:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌شبهة أخرى للمشركين بحسن الحال في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مقالة المشركين في البعث والحشر استهزاء وطعنا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرد على عبّاد الأصنام بصيرورتهم لهم أعداءواتخاذهم الشياطين أولياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرد على من نسب الولد إلى الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محبة المؤمنين وتيسير الذكر المبين وإهلاك المجرمين

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة طه

- ‌التسمية:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌القرآن سبب السعادة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌ إسلام عمر

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى عليه السلام

- ‌1 -تكليم ربه إياه (أو مناجاة موسى) وابتداء الوحي إليه فيالوادي المقدس

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -انقلاب عصا موسى حية (المعجزة الأولى)

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌3 -اليد البيضاء (المعجزة الثانية)

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌4 -نعم الله الثمان على موسى قبل النبوة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌5 -التوجيهات لموسى وهارون في دعوة فرعون

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌6 -الحوار بين فرعون وموسى حول الربوبية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌7 -اتهام موسى بالسحر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأعراب

- ‌8 -جمع فرعون السحرة وتحذير موسى لهم

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌9 -المبارزة بين موسى والسحرة وإعلان إيمانهم بالله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌10 -إغراق فرعون وجنوده في البحر ونعم الله على بني إسرائيل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌11 -تكليم الله موسى في الميقات وفتنة السامري بصناعة العجل إلها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ 195/ 7].-12 -معاتبة موسى لهارون على تأليه العجل وإلقائه في البحروتوحيد الإله الحق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌العبرة من القصص القرآني وجزاء المعرض عن القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الأرض والجبال والناس يوم القيامة

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عربية القرآن ووعيده وعدم التعجل بقراءته قبل إتمام الوحي

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة آدم في الجنة وإخراجه منها وإلزامه بالهداية الربانية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاعتبار بهلاك الأمم الماضية والصبر على أذى المشركين وعدمالالتفات إلى متعهم وأمر الأهل بالصلاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اقتراح المشركين الإتيان بمعجزة أو إرسال رسولوتهديدهم بمآل المستقبل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌فقه الحياة أو الأحكام:

ونظير الآية: {قالَ: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً، قالَ: آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً} [آل عمران 41/ 3].

فقوله تعالى {سَوِيًّا} صحيح الخلق سوي من غير مرض ولا علة، وقيل: متتابعات، والقول الأول عن الجمهور أصح.

وهذا دليل على أنه لم يكن يكلّم الناس في هذه الليالي الثلاث وأيامها إلا رمزا أي إشارة، ولهذا قال تعالى هنا:

{فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ، فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أي فخرج زكريا على قومه من المحراب وهو مصلاه الذي بشر فيه بالولد (وهو المسمى عند أهل الكتاب بالمذبح: وهو مقصورة في مقدّم المعبد يصعد إليها بدرج بحيث يصبح المتعبد فيها محجوبا عمن في المعبد) وقد كان الناس ينتظرونه للصلاة في الغداة والعشي، فأشار إليهم إشارة خفية سريعة، ولم يستطع أن يكلّمهم بذلك، أن يقولوا: سبحان الله (أي تنزيها لله عن الشريك والولد وعن كل نقص) في الصباح والمساء في صلاتي الفجر والعصر، شكرا لله على ما أولاه، وقد كان أخبرهم بما بشّر به قبل ذلك.

‌فقه الحياة أو الأحكام:

يفهم من الآيات ما يأتي:

1 -

إن الله تعالى قص على نبيه قصة زكريا وما بشر به من الولد، في سن الكبر والشيخوخة وحال عقم امرأته منذ بداية عمرها، ليكون ذلك آية على قدرة الله العجيبة التي تستدعي الإيمان به إيمانا مطلقا.

2 -

الجهر والإخفاء في الدعاء عند الله سيان؛ لقوله تعالى: {اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف 55/ 7]، ولكن زكريا

ص: 57

عليه السلام ناجى ربه ودعاه في محرابه في حال الخفاء وهو أولى؛ لأنه أبعد عن الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، ولئلا يلام على طلب الولد في زمان الشيخوخة.

3 -

قدّم زكريا عليه السلام على السؤال أمورا ثلاثة مثل حيثيات الحكم القضائي: أحدها-كونه ضعيفا، والثاني-أن الله تعالى ما ردّ دعاءه مطلقا، والثالث-كون المطلوب بالدعاء سببا في المنفعة الدينية.

4 -

قال العلماء: يستحب للمرء أن يذكر في دعائه نعم الله تعالى عليه، وما يليق بالخضوع؛ لأن قوله تعالى:{وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} إظهار للخضوع.

وقوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} إظهار لعادات تفضله في إجابته أدعيته، أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك، وعوّدتني الإجابة فيما مضى.

وقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ} حرص على مصلحة الدين، فإن أقاربه كانوا مهملين للدين، فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب وليا يقوم بالدين من بعده، لا أنه سأل من يرث ماله؛ لأن الأنبياء لا تورث؛ للحديث المتقدم في الصحيحين:«إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة» ، وفي سنن أبي داود:«إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، ورّثوا العلم» فتكون الوراثة على لسان زكريا هي وراثة الدين، وتكون مستعارة.

وقد ورث يحيى من آل يعقوب النبوة والحكمة والعلم والدين، كما أن سليمان ورث من داود الحكمة والعلم، ولم يرث منه مالا خلّفه له بعده.

5 -

قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} سؤال ودعاء، ولم يصرح بولد، لشيخوخته وعقم امرأته، قال قتادة: جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة. وقال مقاتل: خمس وتسعين سنة، قال القرطبي: وهو أشبه، فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره؛ ولذلك قال:{وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} .

ص: 58

6 -

يجوز الدعاء بالولد، ويجوز التضرع إلى الله في هداية الولد، اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء،

وقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنس خادمه فقال: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته» فدعا له بالبركة تحرزا مما يؤدي إليه الإكثار من الهلكة. وكان دعاء زكريا أن يجعل الولي الوارث له مرضيا في أخلاقه وأفعاله.

7 -

دعاء زكريا عليه السلام لم يكن بالواسطة، وإنما كان يخاطب ربه مباشرة قائلا:{رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} ، {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} ، {فَهَبْ لِي} ، {رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} .

كذلك قوله تعالى: {يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ..} . نداء من الله تعالى، وإلا لفسد النظم. ويرى جماعة أن هذا نداء الملك؛ لقوله تعالى:{فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ، وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى} [آل عمران 39/ 3]، وقوله سبحانه:{قالَ: كَذلِكَ، قالَ رَبُّكَ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} وهذا لا يجوز أن يكون كلام الله تعالى، فوجب أن يكون كلام الملك. وأجاب الرازي عن آية {فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} بأنه يحتمل حصول النداءين: نداء الله ونداء الملائكة، وعن آية {قالَ رَبُّكَ.} . بأنه يمكن أن يكون كلام الله تعالى

(1)

.

8 -

في قوله تعالى: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} دليل وشاهد على أن الأسامي السّنع (الجميلة) جديرة بالأثرة، وإياها كانت العرب تنتحي في التسمية، لكونها أنبه، وأنزه عن النّبز.

9 -

قوله تعالى: {قالَ: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} ؟ ليس شكا في قدرة الله تعالى على ذلك، وإلا كان كفرا، وهو غير جائز على الأنبياء عليهم السلام،

(1)

تفسير الرازي: 186/ 21.

ص: 59

وليس إنكارا لما أخبر الله تعالى به، بل على سبيل التعجب والانبهار من قدرة الله تعالى أن يخرج ولدا من امرأة عاقر وشيخ كبير.

10 -

قوله تعالى: {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ} دليل على قدرة الله الباهرة، سواء في تغيير الصفات أو إبداع الذوات، فكما أن الله خلق الإنسان من العدم، ولم يك شيئا موجودا، فهو القادر على خلق يحيى وإيجاده.

11 -

قوله سبحانه: {قالَ: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} بعد قوله تعالى:

{وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ} زيادة طمأنينة، كما طلب إبراهيم عليه السلام آية تدل على كيفية الخلق وإحياء الموتى، والمراد: تمم النعمة بأن تجعل لي آية وعلامة أتعرف بها وجود الحمل، بعد بشارة الملائكة إياه.

12 -

قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ} وهو أرفع المواضع، وأشرف المجالس، دليل على أن ارتفاع الإمام على المأمومين كان مشروعا عندهم، وقد أجاز ذلك الإمام أحمد وغيره متمسكا بقصة المنبر. ومنع الإمام مالك ذلك في الارتفاع الكثير دون اليسير، خوفا من الكبر على الإمام، وعملا

بما رواه أبو داود عن ثلاثة من الصحابة (حذيفة وأبو مسعود، وعمار) من نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك: «إذا أمّ الرجل القوم، فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم» .

13 -

قوله سبحانه: {فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} دليل على جواز العمل بالإشارة المفهمة. واتفق مالك والشافعي والكوفيون على أن الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه.

ص: 60