الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
يستفاد من الآيات ما يأتي:
1 -
ضرورة تعلم قصص الأنبياء والاطلاع عليها للعبرة والعظة، وقد حث القرآن على ذلك في مطلع الإخبار عن قصة موسى عليه السلام، بصيغة الاستفهام الذي هو استفهام إثبات وإيجاب. ولفظ الاستفهام {وَهَلْ أَتاكَ} وإن كان لا يجوز على الله تعالى، لأنه ليس بحاجة إليه، لكن المقصود به كما تقدم تقرير الجواب في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه الصيغة أبلغ في ذلك، كما يقول المرء لصاحبه على سبيل التشويق ولفت النظر والانتباه: هل بلغك خبر كذا؟ فيتطلع السامع إلى معرفة الخبر.
2 -
على الزوج واجب الإنفاق على الأهل (المرأة) من غذاء وكساء ومسكن ووسائل تدفئة وقت البرد، لذا بادر موسى عليه السلام إلى الذهاب في الليلة المظلمة الشاتية لإحضار شعلة نار أو جذوة (جمر من النار) للدفء، وللحاجة الشديدة إليه، وبخاصة حالة النفساء.
3 -
كان ذهاب موسى عليه السلام من أجل استحضار النار سببا في تكليم الله له، وابتداء الوحي عليه، وإيتائه النبوة والرسالة.
4 -
اقتضى أدب الخطاب الإلهي تكليفه بخلع نعليه، ففعل فورا. جاء في الخبر: أن موسى عليه السلام خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي.
لذا وجب خلع النعال في أثناء الصلاة أو عند دخول المسجد إذا كان فيها نجاسة أو قذر، فإن كانت طاهرة جازت الصلاة فيها، حتى لقد قال بعض العلماء: إن الصلاة في النعلين أفضل، وهو معنى قوله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف 31/ 7].
وكيفية تطهير النعلين من النجاسة على التفصيل الآتي: إن تحقق فيهما نجاسة مجمعا على تنجيسها كالدم والعذرة (الغائط) من بول بني آدم لم يطهرها إلا الغسل بالماء عند مالك والشافعي وأكثر العلماء، وإن كانت النجاسة مختلفا فيها كبول الدواب وأرواثها الرطبة، فيطهرها المسح بالتراب عند الأوزاعي وأبي ثور، وقال أبو حنيفة: يزيل النجاسة اليابسة الحك والفرك، ولا يزيل الرطبة إلا الغسل، أما البول فلا يجزئ فيه إلا الغسل. وعند المالكية قولان، أرجحهما أن المسح يطهر، وقال الشافعي: لا يطهر شيئا من ذلك كله إلا الماء.
5 -
حسن الاستماع واجب مطلوب في الأمور المهمة، وأهمها الوحي المنزل من عند الله. وقد مدح الله من يحسن استماع كلام الله، فقال:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ، فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ} [الزمر 18/ 39] وذم من يعرض عن الاستماع فقال: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ} الآية [الإسراء 47/ 17] فمدح المنصت لاستماع كلام الله مع حضور العقل، وأمر عباده بذلك أدبا لهم، فقال:{وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ، فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف 204/ 7] وقال هاهنا: {فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى} لأن بذلك ينال الفهم عن الله تعالى.
قال وهب بن منبه: من أدب الاستماع: سكون الجوارح وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى، وهو أن يكف العبد جوارحه، ولا يشغلها، فيشتغل قلبه عما يسمع، ويغض طرفه، فلا يلهو قلبه بما يرى، ويحصر عقله، فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما يفهم.
6 -
اشتمل أول الوحي على موسى على أصلين في العقيدة وهما الإقرار بتوحيد الله، والإيمان بالساعة (القيامة) وعلى أهم فريضة بعد الإيمان وهي الصلاة.
وكان إخفاء الساعة للتهويل والتخويف، وترك المماطلة والتسويف في الإقبال على التوبة والعمل الصالح، فإن الإنسان إذا جهل وقت الساعة كان منها على حذر وخوف. وهذا أيضا سبب إخفاء الله وقت الموت.
وإقامة الصلاة واجب في الوقت المخصص لها، ويجب قضاؤها كما دلت الأحاديث النبوية المتقدمة في حالتي النوم والنسيان. وأما من ترك الصلاة متعمدا، فالجمهور أيضا على وجوب القضاء عليه، وإن كان عاصيا آثما بتأخيرها عن وقتها، فالمتعمد آثم، والناسي والنائم غير آثمين. وحجة الجمهور قوله تعالى:
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة 43/ 2] ولم يفرق بين أن يكون في وقتها أو بعده، وهو أمر يقتضي الوجوب. وأيضا فقد ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي، مع أنهما غير آثمين، فالعامد أولى. ثم إن النسيان هو الترك، قال الله تعالى:{نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة 67/ 9] و {نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر 19/ 59] سواء كان مع ذهول أو لم يكن؛ لأن الله تعالى لا ينسى، وإنما معناه تركهم. وكذلك الذكر يكون بعد نسيان وبعد غيره، قال الله تعالى لا ينسى، وإنما معناه تركهم. وكذلك الذكر يكون بعد نسيان وبعد غيره، قال الله تعالى في
الحديث القدسي المتفق عليه عن أبي هريرة: «إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي» وهو تعالى لا ينسى، فيكون ذكره بعد نسيان، وإنما معناه: علمت، فكذلك يكون معنى
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا ذكرها» أي علمها.
وأيضا فإن ديون الآدميين إذا كانت متعلقة بوقت، ثم جاء الوقت، لم يسقط قضاؤها بعد وجوبها، وهي مما يسقطها الإبراء، فإذا شغلت الذمة بدين وجب إبراء الذمة منه، أداء أو قضاء، وديون الله أحق بالوفاء.
ثم إن ترك يوم من رمضان متعمدا بغير عذر يوجب القضاء، فكذلك الصلاة
(1)
.
(1)
تفسير القرطبي: 178/ 11.
ومذهب المالكية: أن من ذكر صلاة وقد حضر وقت صلاة أخرى، بدأ بالتي نسي إذا كان خمس صلوات فأدنى، وإن فات وقت هذه. وإن كان أكثر من ذلك بدأ بالتي حضر وقتها.
وهذا هو مذهب الحنفية إلا أنهم قالوا: الترتيب عندنا واجب في اليوم والليلة إذا كان في الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت. فإن خشي فوات الوقت بدأ بها، فإن زاد على صلاة يوم وليلة لم يجب الترتيب عندهم.
وقال الشافعي: الاختيار أن يبدأ بالفائتة ما لم يخف فوات هذه، فإن لم يفعل وبدأ بصلاة الوقت أجزأه.
وذكر الأثرم أن الترتيب عند أحمد واجب في صلاة ستين سنة فأكثر، وقال: لا ينبغي لأحد أن يصلي صلاة، وهو ذاكر لما قبلها؛ لأنها تفسد عليه.
ودليل تقديم الفائتة قبل الحاضرة:
ما روي في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتته العصر يوم الخندق، حتى غربت الشمس، فصلى العصر بعد غروب الشمس، ثم صلى بعدها المغرب.
وروى الترمذي عن ابن مسعود: أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله تعالى، فأمر بالأذان بلالا فقام فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء.
واختلف العلماء إذا ذكر فائتة في مضيق وقت حاضرة على ثلاثة أقوال:
-فذهب مالك والليث والزهري: إلى أنه يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة.
وذهب الحسن البصري والشافعي وفقهاء الحديث والمحاسبي وابن وهب من المالكية: إلى أنه يبدأ بالحاضرة.
-وقال أشهب: يتخير فيقدم أيتهما شاء.