الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسرعون إلى إجابة الداعي إلى المحشر مع خشوع وخضوع، دون أن تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي للشافع قولا لمكانه عند الله، أو رضي للمشفوع له قولا.
التفسير والبيان:
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ: يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً} أي ويسألك المشركون أيها الرسول عن حال الجبال يوم القيامة، هل تبقى أو تزول؟ فقل: يزيلها الله ويذهبها عن أماكنها، ويدكها دكا، ويجعلها هباء منثورا.
{فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً، لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً} أي فيترك مواضعها بعد نسفها أرضا ملساء مستوية، بلا نبات ولا بناء، ولا انخفاض ولا ارتفاع، فلا تجد مكانا منخفضا ولا مرتفعا، ولا واديا ولا تلة أو رابية.
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ} أي حينئذ يتبع الناس داعي الله إلى المحشر، مسارعين إلى الداعي، حيثما أمروا بادروا إليه، لا معدل لهم عن دعائه، فلا يقدرون أن يميلوا عنه أو ينحرفوا منه، بل يسرعون إليه، كما قال تعالى:
{مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ} [القمر 8/ 54].
{وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً} أي سكتت الأصوات رهبة وخشية وإنصاتا لسماع قول الله تعالى، فلا تسمع إلا همسا، أي صوتا خفيا.
{يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ، إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} أي في ذلك اليوم لا تنفع شفاعة أحد إلا من أذن له الرحمن أن يشفع، ورضي قوله في الشفاعة؛ لأن الله تعالى هو المالك المتصرف في الخلق جميعا في الدنيا والآخرة.
ونظير الآية قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ}
[البقرة 255/ 2]، وقوله سبحانه:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى} [النجم 26/ 53]، وقوله عز وجل:{وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى، وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء 28/ 21]، وقوله تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا، لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً} [النبأ 38/ 78].
وعلة تقييد الشفاعة بالإذن والرضا هي:
{يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ، وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} أي يعلم ما بين أيدي عباده من أمر القيامة وأحوالها، وما خلفهم من أمور الدنيا، وقيل بالعكس: يعلم ما بين أيديهم من أمر الدنيا والأعمال، وما خلفهم من أمر الآخرة والثواب والعقاب، والمراد أنه تعالى يحيط علما بالخلائق كلهم، ولا تحيط علوم الخلائق بذاته ولا بصفاته ولا بمعلوماته.
ورجح الرازي معنى أن العباد لا يحيطون بما بين أيديهم وما خلفهم علما؛ لأن الضمير يعود إلى أقرب المذكورات وهو {ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} ولأنه تعالى أورد ذلك مورد الزجر ليعلم أن سائر ما يقدمون عليه وما يستحقون به المجازاة معلوم لله تعالى
(1)
.
{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ، وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} أي ذلت وخضعت واستسلمت جميع النفوس والخلائق لجبارها الحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا ينام، وهو قيم على كل شيء يدبره ويحفظه، أي قائم بتدبير شؤون خلقه وتصريف أمورهم، وقد خسر من حمل شيئا من الظلم والشرك. وخص الوجوه بالذكر؛ لأن الخضوع بها يبين وفيها يظهر.
جاء في الحديث الصحيح: «إياكم
(1)
تفسير الرازي: 119/ 22