الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبما أن العرب من سلالة إبراهيم، وتدعي أنها على دين إبراهيم، فالله ذكر لهم قصته، ليعتبروا ويتعظوا.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستدل بالآيات على ما يأتي:
1 -
إن أسباب إيراد قصة إبراهيم عليه السلام ثلاثة:
الأول-كان إبراهيم عليه السلام أب العرب، وكانوا مقرين بعلو شأنه وطهارة دينه، فقال الله لنبيه: اقرأ عليهم في القرآن أمر إبراهيم، فهم من ولده، وإنه كان حنيفا مسلما، لم يتخذ الأنداد، فإن كنتم مقلدين لآبائكم، فقلدوا إبراهيم في ترك عبادة الأوثان، وإن كنتم مستدلين فانظروا في هذه الدلائل التي ذكرها إبراهيم عليه السلام لتعرفوا فساد عبادة الأوثان، وبالجملة:
فاتبعوا إبراهيم إما تقليدا وإما استدلالا، ولم تتخذون الأنداد؟! والله يقول:
{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة 130/ 2].
الثاني-كان كثير من الكفار في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: كيف نترك دين آبائنا وأجدادنا، فذكر الله قصة إبراهيم عليه السلام، وبيّن أنه ترك دين أبيه وأبطل قوله بالدليل، فكونوا مثله.
الثالث-كان كثير من الكفار يتمسكون بالتقليد وينكرون الاستدلال، كما حكى الله تعالى عنهم:{قالُوا: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} [الزخرف 22/ 43] و {قالُوا: وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ} [الأنبياء 53/ 21] فحكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام التمسك بطريق الاستدلال، تنبيها على فساد هذه الطريقة.
2 -
وصف تعالى إبراهيم عليه السلام بأنه كان صديقا نبيا، أي مبالغا في كونه صادقا: وهو الذي يكون عادته الصدق، أو كثير التصديق بالحق حتى يصير مشهورا به.
3 -
كان إبراهيم عليه السلام في محاورته أباه في غاية الأدب واللطف والرفق، فكان يكرر قوله استعطافا وشفقة: يا أبت، ولما يئس من استجابته لدعوته، قال: سلام عليك، سلام متاركة وتوديع، لا سلام تحية، سأستغفر لك ربي، طالبا منه هدايتك، وكان في خطابه كله له شديد الخوف عليه من الكفر والعذاب في النار.
وكان الأب آزر مستعليا مترفعا يعتمد على التهديد والقطيعة والسب والشتم والرجم بالحجارة.
4 -
عاب إبراهيم عليه السلام الوثن من ثلاثة أوجه:
أحدها-لا يسمع.
الثاني-لا يبصر.
الثالث-لا يغني عنك شيئا، كأنه قال له: بل الألوهية ليست إلا لربي، فإنه يسمع ويجيب دعوة الداعي ويبصر، كما قال:{إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى} [طه 46/ 20] ويقضي الحوائج: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ} [النمل 62/ 27].
5 -
ليحذر الإنسان طاعة الشيطان فيما يأمره به من الكفر، ومن أطاع شيئا في معصية فقد عبده، والشيطان دائما عاص لربه مخالف أوامره.
6 -
حذر إبراهيم عليه السلام أباه آزر من الكفر وعاقبته، فقال: إني أخاف أن تموت على الكفر، فيمسّك العذاب، فتكون للشيطان قرينا في النار.
7 -
يرى جمهور العلماء أنه لا يبدأ الكافر بالسلام؛ لأن ذلك إكرام، والكافر ليس أهله،
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم فاضطروه إلى أضيقه» وربما كان هذا الحديث لواقعة معينة إثر تآمر اليهود على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أشار بعضهم.
وجوز سفيان بن عيينة تحية الكافر وأن يبدأ بها، قيل لابن عيينة: هل يجوز السلام على الكافر؟ قال: نعم، قال الله تعالى:{لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة 8/ 60]؛ وقال: {قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ} [الممتحنة 4/ 60] الآية؛ وقال إبراهيم لأبيه: {سَلامٌ عَلَيْكَ} ويؤيده حديث آخر في الصحيحين عن أسامة بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبيّ بن سلول. وقال الطبري: وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب، وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه، وقال: ولكن حق الصحبة. وكان أبو أمامة إذا انصرف إلى بيته، لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه؛ فقيل له في ذلك، فقال: أمرنا أن نفشي السلام. وسئل الأوزاعي عن مسلم مرّ بكافر فسلّم عليه، فقال: إن سلّمت فقد سلّم الصالحون قبلك، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك.
وأما الاستغفار للكافر فقد أوضحناه في تفسير الآيات هنا، وخلاصته: أنه ممنوع بعد الموت، جائز في الحياة بمعنى طلب الهداية والرشاد. والدليل على أن الاستغفار للكافر لا يجوز آيتان تقدمتاهما:{ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة 113/ 9] و {إِلاّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ.} . [الممتحنة [4/ 60] أي لا تتبعوه في ذلك.
8 -
قال الرازي: اعلم أنه ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم عليه السلام لما اعتزل قومه في دينهم وفي بلدهم، واختار الهجرة إلى ربه إلى حيث أمره، لم يضره ذلك دينا ودنيا، بل نفعه فعوضه أولادا أنبياء، وذلك من أعظم النعم في الدنيا والآخرة. ثم إنه تعالى وهب لهم مع النبوة ما وهب من المال والجاه والأتباع والنسل الطاهر والذرية الطيبة، ثم قال تعالى: {وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ