الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام، وليس من الشجر شيء يلقّح غيرها» .
{فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً، فَقُولِي: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً، فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} أي إن رأيت إنسانا يسألك عن أمرك وأمر ولدك، فأشيري له بأنك نذرت لله صوما عن الكلام، أي صمتا، بألا أكلم أحدا من الإنس، بل أكلم الملائكة، وأناجي الخالق.
والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم، يحرم عليهم الطعام والكلام، قال ابن زيد والسدّي: كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الكلام.
وليس الصوم عن الكلام مشروعا في الإسلام، روى ابن أبي حاتم وابن جرير رحمهما الله عن حارثة قال: كنت عند ابن مسعود، فجاء رجلان، فسلم أحدهما، ولم يسلم الآخر، فقال: ما شأنك؟ قال أصحابه: حلف ألا يكلم الناس اليوم، فقال عبد الله بن مسعود: كلّم الناس، وسلّم عليهم، فإن تلك امرأة علمت أن أحدا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج، يعني بذلك مريم عليها السلام، ليكون عذرا لها إذا سئلت.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
إن ألم المخاض ووجع الطلق أمر معتاد في أثناء الولادة، أشبه بالموت، فتحتاج المرأة حينئذ إلى عون ورعاية، ولم تجد السيدة مريم معينا لها غير جذع النخلة، فاستندت إليه وتعلقت به، كما تتعلق الحامل لشدة وجع الطلق.
2 -
يكون تمني الموت جائزا في مثل حال السيدة مريم، فإنها تمنت الموت من جهة الدّين لسببين:
أحدهما-أنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك.
الثاني-لئلا يقع قوم بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى، وذلك مهلك.
فخافت صونا لسمعتها الدينية، وحماية لتدين الآخرين حتى لا يقعوا في الذنب.
3 -
تظاهرت الروايات بأن السيدة مريم ولدت عيسى عليه السلام لثمانية أشهر، وقد عاش، وتلك خاصة له، وقيل: ولدته لتسعة، أو لستة. ويرى ابن عباس كما تقدم أنها حملت فوضعت في الحال؛ لأن الله تعالى ذكر الانتباذ عقب الحمل.
4 -
لقد اقترنت ولادة السيدة مريم بأنواع من الألطاف الإلهية، فقد ناداها جبريل عليه السلام بأن الله جعل من تحتها نهرا صغيرا لتشرب منه، وأسقط لها رطب النخلة، ويقال: إنها أثمرت لها، وصار رطبها قابلا للأكل والاجتناء بقدرة الله، وطيب الله نفسها وأقر عينها، فأزال عن قلبها الكآبة والحزن، وأمرها على لسان جبريل بالإمساك عن كلام البشر حتى لا تتعب نفسها بالحوار والنقاش وردّ التّهم، وأحالت الأمر على ابنها الذي أنطقه الله في المهد مدافعا عنها، ليرتفع عنها خجلها، وتتبين الآية، فيظهر عذرها. وكل هذه آيات خارقة للعادة أظهرها الله بمناسبة ميلاد عيسى عليه السلام.
5 -
استدل العلماء بهذه الآية على أن الرزق، وإن كان محتوما، فإن الله تعالى ربطه بالسعي، ووكل ابن آدم إلى سعي ما فيه؛ لأنه سبحانه أمر مريم بهز النخلة لترى آية، وكانت الآية ألا تهتز النخلة؛ لأن جذعها صلب قوي ثخين يصعب تحركه.
6 -
الأمر بتكليف الكسب في الرزق سنة الله تعالى في عباده، وأن ذلك لا يتعارض مع التوكل، فإن التوكل على الله يكون بعد اتخاذ الأسباب. وقد كانت مريم قبل الولادة يأتيها رزقها من غير تكسب، تكريما خاصا لها، كما قال
تعالى: {كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً.} . الآية [آل عمران 37/ 3] فلما ولدت أمرت بهز الجذع؛ لأن قلبها قبل الولادة كان مشغولا بالعبادة متفرغا لها، فلم تشغل أعضاؤها بتعب التكسب، فلما ولدت عيسى وتعلق قلبها بحبه، واشتغل سرها بحديثه وأمره، أمرت بالكسب، وردت إلى العادة بالتعلق بالأسباب، كسائر العباد.
7 -
الرطب خير شيء للنفساء، وكذلك التحنيك به للمولود، فإذا عسرت الولادة لم يكن للمرأة خير من الرطب، ولا للمريض خير من العسل.
8 -
في أمر مريم بالسكوت عن الكلام دليل على أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذلّ الناس سفيه لم يجد مسافها.
9 -
من التزم بالنذر بألا يكلم أحدا من الآدميين، أو نذر الصمت، فذلك كان مشروعا في شريعة موسى وعيسى عليهما السلام، وليس في شريعتنا، فلا يجوز نذر الصمت في شرعنا؛ لما فيه من التضييق وتعذيب النفس، كنذر القيام في الشمس ونحوه، مما لم يجزه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق بالكلام، كما تقدم. وهذا هو الصحيح
لحديث أبي إسرائيل: الذي نذر الصوم في الشمس، فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يتكلم ويتم صومه في الظل، والحديث خرّجه البخاري عن ابن عباس. قال ابن زيد والسدّي كما تقدم: كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام.
ومن سنتنا نحن في الصيام الإمساك عن الكلام القبيح،
قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: «إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم»
وقال أيضا فيما رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» .