الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النصف الأول وطرف النصف الثاني. {لَعَلَّكَ تَرْضى} متعلق بسبح، أي سبّح في هذه الأوقات، طمعا أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك.
{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} أي لا تطيلن نظر عينيك رغبة واستحسانا إلى ما في أيدي الآخرين من متع الدنيا، وتتمنى أن يكون لك مثله. {أَزْواجاً} أصنافا وأشكالا. {زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا} زينتها وبهجتها. {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنبتليهم ونختبرهم فيه. {وَرِزْقُ رَبِّكَ} أي ما ادّخره لك في الآخرة، أو ما رزقك من الهدى والنبوة. {خَيْرٌ} مما منحهم في الدنيا. {وَأَبْقى} أدوم لا ينقطع. {وَاصْطَبِرْ} اصبر وداوم عليه. {لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً} لا نكلفك أن ترزق نفسك ولا أهلك. {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} وإياهم، ففرغ بالك لأمر الآخرة. {وَالْعاقِبَةُ} المحمودة وهي الجنة.
{لِلتَّقْوى} لأهل التقوى أو لذويها.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى حال من أعرض عن ذكر الله، في الآخرة، أتبعه بما هو عبرة للناس من أحوال المكذبين بالرسل في الدنيا، كقوم عاد وثمود، ثم أبان فضله تعالى بتأخير العذاب عن الكافرين والعصاة إلى الآخرة، ثم أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين، وبمداومة الصلاة والتسبيح ليلا نهارا، ونهاه عن تمني ما عند الكفار من متع الدنيا، ثم أمره بأن يأمر أهل بيته أو التابعين له من أمته بالصلاة،
روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أصاب أهله ضر، أمرهم بالصلاة، وتلا هذه الآية.
التفسير والبيان:
{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ، كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى} أي أفلم يتبين لهؤلاء المكذبين أهل مكة بما جئتهم به يا محمد إهلاكنا كثيرا من الأمم الماضية المكذبين بالرسل قبلهم، فبادوا ولم يبق لهم أثر، كعاد وثمود وأصحاب الحجر وقرى قوم لوط الذين يتقلبون في ديارهم أو يمشون في مساكنهم، ويشاهدون آثارهم المدمرة، فإن في ذلك لعبرا وعظات
توجب الاعتبار لذوي العقول الصحيحة التي تنهى أصحابها عن القبيح، وتدرك احتمال أن يحل بهم مثل ما حل بأولئك.
ونظير الآية قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج 46/ 22] وقوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ} [السجدة 26/ 32].
ثم بيّن الله تعالى سبب تأخير العذاب عنهم، فقال:{وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً، وَأَجَلٌ مُسَمًّى} أي ولولا الكلمة السابقة النافذة من الله في الأزل، وهي وعد الله سبحانه بتأخير عذاب أمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدار الآخرة، لكان عقاب ذنوبهم لازما لهم، لا ينفك عنهم بحال، ولا يتأخر، ولولا الأجل المسمى عندنا لكان الأخذ العاجل.
لهذا قال الله لنبيه مسليا له وآمرا له بالصبر:
{فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها، وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى} أي فاصبر أيها الرسول على ما يقول هؤلاء المكذبون بآيات الله، من أنك ساحر كذاب، أو مجنون، أو شاعر، ونحو ذلك من أباطيلهم ومطاعنهم، لا تأبه بهم، فإن لعذابهم وقتا معينا لا يتقدم، واشتغل بتنزيه ربك وحمده وشكره وأداء الصلوات الخمس المفروضة قبل طلوع الشمس، أي صلاة الفجر، وقبل غروبها، أي صلاة العصر والظهر، ومن ساعات الليل أي صلاة العشاء والمغرب والتهجد أواخر الليل، وفي أطراف النهار، أي صلاة الفجر والمغرب تأكيدا لهاتين الصلاتين الواقعتين في طرفي النهار، كالتأكيد على (الصلاة الوسطى) وهي العصر، سبّحه رجاء أن
تنال عند الله سبحانه ما ترضى به نفسك من الثواب، كما قال تعالى:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} [الضحى 5/ 93].
أخرج الإمام أحمد ومسلم عن عمارة بن رؤيبة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» .
وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا، وقرأ هذه الآية» .
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يقول الله تعالى: يا أهل الجنة فيقولون: لبّيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ربّنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: إني أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: وأى شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا» .
دلت الآية على أن سبيل التغلب على تكذيب المكذبين الكافرين المعاندين هو الصبر لما فيه من قوة الإرادة، ثم التسبيح والتحميد والصلاة والتكبير باعتبارها مقوية للروح والصلة بالله تعالى، فنزول عن النفس والجسد المتاعب والآلام والهموم.
والاستعلاء بالروح يستتبع الانصراف عن متع الحياة الدنيا، لذا قال تعالى:
{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ، وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى} أي ولا تنظر أو لا تطل النظر إلى ما عند هؤلاء المترفين من النعيم ومتع الدنيا من زينة وبهجة من مال وبناء ورياش ومراكب، فإنما هو زهرة زائلة، ونعمة حائلة، لنختبرهم بذلك، ونتعرف على من يؤدي
واجب شكر النعمة، واجعل همتك فيما عند الله، فقد آتاك ربك خيرا مما آتاهم، فقد يسر لك رزقك في الدنيا، وثواب الله وما ادخر لك في الآخرة خير مما رزقهم في الدنيا على كل حال، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر 87/ 15 - 88] وليس المقصود بالآيتين التكاسل عن طلب الرزق، ولكن النهي عن تمني مثل ما في يد الكفار والعصاة من حطام الدنيا، والانشغال بها، وترك العمل للآخرة، بل إننا نعمل للآخرة والدنيا معا.
ثم أمره الله بأن يأمر أهله بالصلاة، فقال:
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها، لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً، نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى} أي وأمر أيها الرسول أهل بيتك واستنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة، واصبر أنت على فعلها وحافظ عليها، لا نطلب منك رزقا ترزق نفسك وأهلك ولا نكلفك الطلب، بل تفرغ للعبادة والتقوى، فنحن نرزقك ونرزقهم:{إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات 58/ 51]، والعاقبة المحمودة، وهي الجنة لأهل التقوى والطاعة.
فإذا أقمت الصلاة مع أهلك، أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق 2/ 65 - 3]. وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهله بالصلاة أمر للأمة قاطبة.
أخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال: كان عمر بن الخطاب يصلي من الليل ما شاء الله تعالى أن يصلي حتى إذا كان آخر الليل، أيقظ أهله للصلاة ويقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني وأبو نعيم في الحلية عن