الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسلامة علي من كل سوء يوم الميلاد، فلم يضرني الشيطان في ذلك الوقت، ولا أغواني عند الموت، ولا عند البعث، فأنا في أمان لا يقدر أحد على ضري في هذه الأوقات الثلاثة. وهذا إثبات منه لعبوديته لله عز وجل، وأنه مخلوق من خلق الله الذي يحيى ويموت ويبعث كسائر الخلائق، ولكن له السلامة في هذه الأحوال التي هي أشق ما يكون على العباد.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
جاءت مريم المؤمنة الواثقة بتأييد الله لها قومها مع ولدها، لما اطمأنت بما رأت من الآيات، وعلمت أن الله تعالى سيبين عذرها.
2 -
يتأثر الناس عادة بظواهر الأمور ويتعجلون بالحكم عليها، فاتهموا مريم بأنها جاءت شيئا فريا، أي أمرا عظيما كالآتي بالشيء يفتريه، وأنكروا عليها بما عرفوا عنها من سيرة حميدة قضت شبابها في التبتل والعبادة، وبما علموا من استقامة أبويها.
فقالوا لها: يا أخت هارون، بمعنى: يا من كنا نظنّها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا؟ فهي كانت من ولد أو سلالة هارون أخي موسى، وإن كان بين موسى وهارون وبين عيسى زمان مديد قدّر بألف سنة فأكثر، فنسبت إليه بالأخوة، لأنها من ولده، كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللعربي: يا أخا العرب.
وقيل: هارون هذا رجل صالح في ذلك الزمان، تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا، كلهم اسمه هارون. ويؤيد ذلك الحديث الثابت المتقدم.
3 -
من معجزات عيسى عليه السلام نطقه وهو صغير في المهد، ونحن
المسلمون نعتقد بهذا اعتقادا جازما، لإثباته بنص القرآن القاطع، وأما اليهود والنصارى فينكرون أنه تكلم في المهد. وكان نطقه إظهارا لبراءة أمه، ثم انقطع كلامه في المهد حتى بلغ مبلغ الغلمان.
4 -
وصف عيسى عليه السلام نفسه في كلامه المبين وهو طفل رضيع بصفات تسع، جمعت بين إثبات النبوة وإنزال الإنجيل عليه في المستقبل، وتبرئة أمه من تهمة الزنى، وإثبات عبوديته لله عز وجل، فهو عبد لله لا ربّ ولا إله، كما يعتقد النصارى، واتصافه بالبركات ومنافع الدين والدعوة إليه، واستقامة سلوكه وأخلاقه، فهو برّ بوالدته، ليس متعظما متكبرا، ولا عاصيا خائبا من الخير، ملتزما تشريع الله في العبادة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بعد بلوغه من التكليف.
5 -
قوله تعالى: {وَبَرًّا بِوالِدَتِي} أي جعلني برا بوالدتي يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى، لأن الآية تدل على أن كونه برا، إنما حصل بجعل الله وخلقه.
6 -
قال مالك بن أنس رحمه الله تعالى في هذه الآية: ما أشدها على أهل القدر
(1)
! أخبر عيسى عليه السلام بما قضي من أمره، وبما هو كائن إلى أن يموت.
7 -
الإشارة بمنزلة الكلام وتدل على ما يدل عليه ويحدث بها الإفهام والفهم، كيف لا، وقد أخبر الله تعالى عن مريم، فقال:{فَأَشارَتْ إِلَيْهِ} وفهم منها القوم مقصودها وغرضها فقالوا: {كَيْفَ نُكَلِّمُ} . وقد تكون الإشارة في كثير من أبواب الفقه أقوى من الكلام، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: فيما رواه أحمد والشيخان والترمذي عن أنس «بعثت أنا والساعة كهاتين» . وإجماع العقلاء على أن العيان أقوى من الخبر، دليل على أن الإشارة
(1)
هم القدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق أفعال نفسه، والمعاصي لا يريدها الله تعالى.