الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي السنن: «وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما» .
{جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها، وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى} أي تلك الدرجات العلى في جنات إقامة تجري من تحت غرفها الأنهار، ماكثين فيها أبدا، وذلك الفوز الذي أحرزوه جزاء من طهر نفسه من دنس الكفر والمعاصي الموجبة للنار، واتبع المرسلين فيما جاؤوا به من عند الله العلي القدير.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
1 -
الأدب الحسن يفيد في الدنيا والآخرة، فلما خير السحرة موسى بين أن يلقي أولا أو يلقوهم، أفادهم ذلك في التوفيق للإيمان. ولما قدمهم موسى في الإلقاء وهم الجمع الكثير، نصره ربه، فالتقمت عصاه التي تحولت حية جميع ما ألقوه من الحبال والعصي، وكان ظهور المعجزة أوقع وأتم وأوضح.
وليس أمر موسى بالإلقاء رضى منه بما هو سحر وكفر؛ إذ لا يقصد منه ظاهر الأمر؛ فلا يكون نفس الإلقاء كفرا ومعصية، وإنما هو وسيلة لما بعده، ليظهر الفرق بين ذلك الإلقاء وبين معجزة الرسول موسى عليه السلام، ولأن الأمر مشروط بتقدير محذوف هو: ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين. ثم إنه قدمهم في الإلقاء على نفسه، مع أن تقديم إيراد الشبهة على إيراد الحجة غير جائز؛ ليكون إظهار المعجزة سببا لإزالة الشبهة.
2 -
خاف موسى عليه السلام من الحيات، حسبما يعرض لطباع البشر، كما خاف لأول مرة حينما كلمه الله بإلقاء عصاه فصارت حية عظيمة. وقيل: خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه.
3 -
أزال الله الخوف عن قلب موسى بقوله له: {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى} أي الغالب لهم في الدنيا، وأنت في الدرجات العلى في الجنة، للنبوة والاصطفاء الذي آتاك الله به. وبقوله أيضا:{وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا} أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العصا التي بيمينك، فإنها بقدرة الله تلتهم كل ما ألقوا، وهي أعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء، فإنها تبتلع بإذن الله ما معهم وتمحقه.
4 -
اختلف الرواة في عدد السحرة، والظاهر كما نقل عن ابن عباس وغيره كالكلبي: أنهم كانوا اثنين وسبعين ساحرا، اثنان منهم من القبط، وسبعون من بني إسرائيل أكرههم فرعون على ذلك. هذا مع العلم بأن ظاهر القرآن لا يدل على شيء من العدد، والمهم أنه لا يفوز ولا ينجو الساحر حيث أتى من الأرض، أو حيث احتال، ولا يحصل مقصوده بالسحر خيرا كان أو شرا، وذلك يقتضي نفي السحر بالكلية.
5 -
خر السحرة ساجدين لله، لما رأوا من عظيم الأمر وخرق العادة في العصا؛ فإنها ابتلعت جميع ما احتالوا به من الحبال والعصي، وكانت حمل ثلاث مائة بعير، ثم عادت عصا، لا يعلم أحد أين ذهبت الحبال والعصي إلا الله تعالى
(1)
.
وفي قوله: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً} دلالة على أنه ألقى العصا، وصارت حية، وتلقفت ما صنعوه، وفي التلقف دلالة على أن جميع ما ألقوه تلقفته،
(1)
تفسير القرطبي: 224/ 11
وذلك لا يكون إلا مع عظم جسدها وشدة قوتها. وقد حكي عن السحرة أنهم عند التلقف أيقنوا بأن ما جاء به موسى عليه السلام ليس من مقدور البشر من وجوه:
أحدها-ظهور حركة العصا على وجه لا يمكن بالحيلة.
وثانيها-زيادة عظمها على وجه لا يتم بالحيلة.
وثالثها-ظهور الأعضاء عليها من العين والمنخرين والفم وغيرها، ولا يتم ذلك بالحيلة.
ورابعها-تلقف جميع ما ألقوه على كثرته، وذلك لا يتم بالحيلة.
وخامسها-عودها خشبة صغيرة كما كانت، ولا يتم شيء من ذلك بالحيلة
(1)
.
6 -
قوله: {إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ} فيه دلالة على أن ما مع موسى معجزة إلهية، والذي معهم تمويهات باطلة.
7 -
آمن السحرة بما رأوه من المعجزة، وعرفوا أن رب موسى وهارون هو الرب الحقيقي المستحق للعبادة، وكان إيمانهم أرسخ من الجبال، فهان عليهم عذاب الدنيا، ولم يأبهوا بتهديد فرعون.
8 -
لم يملك فرعون إلا أن يعلن بأن موسى كبير السحرة ورئيسهم في التعليم، وأنه إنما غلبهم لأنه أحذق منهم؛ ليشبه على الناس، حتى لا يتبعوهم فيؤمنوا كإيمانهم، وإلا فقد علم فرعون أنهم لم يتعلموا من موسى، بل قد علموا السحر قبل قدوم موسى وولادته.
9 -
ولجأ أخيرا إلى التهديد بالتقطيع للأيدي والأرجل من خلاف، لتعطيل المنفعة، وضم إليه التصليب للإذلال والإهانة، وزاد في غيه وكفره وعناده أنه أشد عذابا وأدوم أثرا من عذاب رب موسى. وهذا إفك شديد.
(1)
تفسير الرازي: 85/ 22
10 -
لم يتراجع السحرة عن إيمانهم بالرغم من شدة التهديد والوعيد وقالوا لفرعون: لن نختارك على ما جاءنا من اليقين والعلم، ولا على الذي فطرنا، أي خلقنا، فافعل ما شئت، إنما ينفذ أمرك في هذه الدنيا.
إننا صدقنا بالله وحده لا شريك له وما جاءنا به موسى ليغفر الله لنا خطايانا، أي الشرك الذي كانوا عليه، ويغفر لنا ما أكرهتنا عليه من السحر، وثواب الله خير وأبقى.
قال عكرمة وغيره: لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم من الجنة؛ فلهذا قالوا: {لَنْ نُؤْثِرَكَ} .
وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب؟ فقيل لها: غلب موسى وهارون؛ فقالت: آمنت برب موسى وهارون. فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة، فإن مضت على قولها فألقوها عليها؛ فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت منزلها في الجنة، فمضت على قولها فانتزعت روحها، وألقيت الصخرة على جسدها، وليس في جسدها روح.
11 -
استمر السحرة في وعظ فرعون وغيره وتحذيره من عذاب الآخرة وترغيبه في العمل للجنة، فقالوا: إن المجرم يدخل النار، والمؤمن يدخل الجنة، والمجرم: هو الكافر بدليل مقابلته بالمؤمن في الآية التالية: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً.} . وصفة الكافر المكذب الجاحد أنه في جهنم لا يموت فيها ولا يحيا. وإذا كان هذا كلام السحرة، فلعلهم سمعوه من موسى أو من بني إسرائيل، إذ كان فيهم بمصر أقوام، وكان فيهم أيضا المؤمن من آل فرعون. ويحتمل أن يكون ذلك إلهاما من الله لهم، أنطقهم بذلك لما آمنوا.
وقد استدل المعتزلة بهذه الآية على وعيد أصحاب الكبائر، وقالوا: صاحب الكبيرة مجرم، وكل مجرم فإن له جهنم لقوله:{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} ومن