الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد أن ذكر تعالى معجزة العصا الدالة على صدق رسالة موسى عليه السلام، وهي المعجزة الأولى، ذكر المعجزة الثانية وهي معجزة اليد البيضاء التي تنقلب مشعة كشعاع الشمس، تعشي البصر.
وبعد هاتين الآيتين أمره الله بالذهاب إلى فرعون، لتبليغ رسالة ربه ودعوته إلى عبادة الله، فدعا موسى عليه السلام ربه بأربعة أمور: شرح صدره، وتيسير أمره، وحل عقدة لسانه، وجعل أخيه هارون نبيا وزيرا له، لتقويته، وتعاونه معه في أداء مهمة التبليغ، وذكر الله وعبادته، فصار مطلوب موسى ثمانية أمور، أربع منها وسائل، وأربع أخرى هي غايات.
التفسير والبيان:
هذا برهان ثان لموسى عليه السلام على نبوته، وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه أو في جناحه (جنبه) معبرا عن الجنب بالجناح، فقال:
{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى} أي واضمم يا موسى يدك اليمنى أو كفك إلى جناحك (وهو جنبك تحت العضد) واجعلها تحت الإبط الأيسر، تخرج بيضاء لامعة ذات نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر، من غير عيب كبرص أو أذى أو شين-علما بأن جلد موسى كان أسمر-معجزة أخرى غير العصا، ثم ردها فعادت كما كانت بلونها. وإذا حاول السحرة إبطال معجزة العصا، فإنه لم يحاول أحد إبطال معجزة اليد.
وذلك أن موسى عليه السلام كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها، تخرج تتلألأ، كأنها فلقة قمر. قال الحسن البصري: أخرجها والله كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقي ربه عز وجل.
قال الله تعالى في مكان آخر: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ، فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ} [القصص 32/ 28]، وعبر تعالى عن الجناح أيضا بالجيب، فقال:{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل 12/ 27]، {اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [القصص 32/ 28].
{لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى} فعلنا هذا لنريك بهاتين الآيتين بعض دلائل قدرتنا على كل شيء في السموات والأرض والمخلوقات الموجودات.
وبعد أن أظهر تعالى له هذه الآية أمره بالذهاب إلى فرعون، وبين العلة في ذلك، وهي أنه طغى، فقال:
{اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} أي اذهب رسولا إلى فرعون ملك مصر الذي خرجت فارا منه، ومعك ما رأيته من آياتنا الكبرى، وادعه إلى توحيد الله وعبادته، ومره بأن يحسن إلى بني إسرائيل، فإنه كفر وتجاوز قدره والحدود كلها، فآثر الحياة الدنيا وادعى أنه الرب الأعلى.
ولما أمر الله تعالى موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون، وكان ذلك تكليفا شاقا، سأل ربه أمورا ثمانية، ثم ختمها بعلة سؤال تلك الأشياء، فقال:
1 -
{قالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} قال موسى: رب وسع لي صدري وأزل عنه الضيق فيما بعثتني به، فإنه أمر عظيم وخطب جسيم، وسبب هذا السؤال قوله:{وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي} [الشعراء 13/ 26]، فسأل الله تعالى أن يبدل ذلك الضيق بالسعة، ليحتمل أذى الناس وأعباء الرسالة.
2 -
{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} أي سهل علي القيام بما كلفتني به من تبليغ الرسالة، وقوني على مهمتي، فإن لم تكن أنت عوني ونصيري وإلا فلا طاقة لي بذلك.
3 -
{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} أي وأطلق لساني بالنطق، وأزل ما فيه من العقدة والعي ليفهموا قولي وكلامي بتبليغ الرسالة. وقد كان في لسانه رتة (حبسة) أو لثغة حين عرض عليه وهو صغير التمرة والجمرة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، فكان فيه لكنة، وذلك حين نتف شعرة من ذقن فرعون وهو صغير، فغضب، وتوجس منه شرا، فقالت امرأته: إنه صغير لا يدري شيئا، فأتت له بجمرة وبلحة، فوضع الجمرة على لسانه.
وروي أن الحسين رضي الله عنه كان في لسانه رتة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«إن هذه ورثها من عمه موسى» .
4 -
{وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي} أي واجعل لي عونا ومساعدا لي في بعض أموري، من أهل بيتي هارون أخي، اجعله رسولا، ليتحمل معي أعباء الرسالة. ودعم الأنبياء تقتضيه حاجة نشر الدين، لذا قال عيسى عليه السلام:{مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ، قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ} [آل عمران 52/ 3].
5 -
6: {اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} أي يا رب أحكم به قوتي، واجعله شريكي في أمر الرسالة، حتى نؤدي المطلوب على الوجه الأكمل ونحقق أفضل الغايات. والحاصل أنه شفع له كي يكون نبيا مثله ليعينه، ويشد به أزره (قوته) ويجعله ناصرا له؛ لأنه لا اعتماد على القرابة.
7 -
8: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً} أي لكي نزهك كثيرا عما لا يليق بك من الصفات والأفعال، ونذكرك كثيرا وحدك دون أن نشرك معك غيرك. قال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا.
{إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً} أي إنك يا رب كنت عليما بأحوالنا وأحوال