الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{يا} للتنبيه. {قَبْلَ هذا} الأمر، استحياء من الناس ومخافة لومهم. {نَسْياً} ما من شأنه أن ينسى ولا يطلب، ككل شيء حقير من وتد وحبل. {مَنْسِيًّا} منسي الذكر، وهو ما لا يخطر بالبال لتفاهته، والمراد من الكلمتين: شيئا متروكا لا يعرف ولا يذكر.
{فَناداها مِنْ تَحْتِها} أي عيسى، وقيل: جبريل وكان أسفل منها أي من مكانها. وقيل:
ضمير {تَحْتِها} عائد للنخلة. {أَلاّ تَحْزَنِي} أي لا تحزني أو بألا تحزني. {سَرِيًّا} جدولا أو نهر ماء، هكذا روي مرفوعا، وقيل: السري: السيد الشريف، أي سيدا شريفا وهو عيسى.
{وَهُزِّي} الهز: تحريك الشيء بعنف أو بدونه، أو أميليه إليك أو افعلي الهز والإمالة به.
{بِجِذْعِ} الباء مزيدة للتأكيد. {تُساقِطْ} تسقط. {رُطَباً} تمرا طازجا ناضجا.
{جَنِيًّا} صالحا للاجتناء.
{فَكُلِي} من الرطب. {وَاشْرَبِي} من السري-النهر. {وَقَرِّي عَيْناً} أي لتقر عينك به، أي تسكن، فلا تطمح إلى غيره. {فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} أي إن تري آدميا، فيسألك عن الولد. {فَقُولِي} أشيري إليهم، قال الفراء: العرب تسمي كل ما أفهم الإنسان شيئا كلاما بأي طريق كان. {نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً} أي صمتا أو إمساكا عن الكلام في شأنه وشأن غيره من الناس، بدليل:{فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} أي أحدا من الناس بعد ذلك، أي بعد أن أخبرتكم عن نذري.
التفسير والبيان:
{فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا} أي فاضطرها وألجأها وجع الولادة وألم الطلق إلى الاستناد إلى جذع النخلة والتعلق به، لتسهيل الولادة، فتمنت الموت قبل ذلك الحال، استحياء من الناس، وخوفا أن يظن بها السوء في دينها، أو أن تكون شيئا لا يبالي به، ولا يعتد به أحد من الناس كالوتد والحبل، أو لم تخلق ولم تك شيئا. قال ابن كثير: فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية. قال الزمخشري: أجاء منقول من جاء إلى معنى الإلجاء.
{فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} أي فناداها جبريل من تحت الأكمة أو من تحت النخلة، وقيل: المنادي هو عيسى، وقد أنطقه الله بعد وضعه تطييبا لقلبها وإيناسا لها، قائلا: لا تحزني، فقد جعل ربك تحتك جدولا أو نهرا صغيرا، أجراه الله لها لتشرب منه. وقيل: المراد بالسريّ هنا عيسى، والسريّ: السيد العظيم الخصال من الرجال. قال ابن عباس: المراد ب {مِنْ تَحْتِها} جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.
ففي هذا لها آية وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله تعالى فيها مراد عظيم، وهذا هو الأصح.
{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا} أي حرّكي جذع النخلة، تسقط عليك رطبا طريا طيبا، صالحا للاجتناء والأكل من غير حاجة إلى تخمير وصناعة. وهذه آية أخرى، قال الزمخشري، كان جذع نخلة يابسة في الصحراء، ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة، وكان الوقت شتاء. وقيل: كانت النخلة مثمرة. والمهم في الأمر: وجوب اتخاذ الأسباب لتحصيل الرزق، والاعتقاد بأن الفاعل الحقيقي في تيسير الرزق هو الله تعالى، وأنه على كل شيء قدير. وأما التفاصيل فلا يجب علينا أن نعتقد إلا بما أخبر به القرآن صراحة، وأما الروايات فتحتاج إلى تثبت ودليل وسند صحيح. وما أحسن قول الشاعر:
ألم تر أن الله أوحى لمريم
…
وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أدنى الجذع من غير هزه
…
إليها ولكن كل شيء له سبب
{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً} أي فكلي من ذلك الرطب، واشربي من ذلك الماء، وطيبي نفسا ولا تحزني وقرّي عينا برؤية الولد النبي، فإن الله قدير على صون سمعتك، والإرشاد إلى حقيقة أمرك. قال عمرو بن ميمون: ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب، ثم تلا هذه الآية الكريمة.
وروى ابن أبي حاتم