الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} عن الذكر الذي هو القرآن الجامع لأسباب السعادة والنجاة، فلم يؤمن به. {وِزْراً} حملا ثقيلا من الإثم، والمراد به: العقوبة الشديدة التي تثقل صاحبها. {خالِدِينَ فِيهِ} في عذاب الوزر. {وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً} أي ساء أو بئس وزرهم، واللام للبيان، كما في {هَيْتَ لَكَ} .
{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} يوم ينفخ في القرن النفخة الثانية. {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ} نجمع الكافرين. {زُرْقاً} أي زرق الأبدان والعيون، مع سواد وجوههم، لاشتماله على الشدائد والأهوال. {يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ} أي يتسارون ويخفضون أصواتهم، لشدة الرعب والهول. {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً} أي ما لبثتم في الدنيا إلا عشرا من الليالي بأيامها، يستقصرون مدة لبثهم فيها لزوالها.
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ} في ذلك أي في مدة لبثهم. {أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أعدلهم رأيا أو عملا. {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً} أي يستقلون لبثهم في الدنيا جدا، لما يشاهدونه من أهوال الآخرة.
وحكاية اختلافهم في مدة اللبث: {عَشْراً} أو {يَوْماً} أو (ساعة) ليس على سبيل الحقيقة أو الشك في التعيين، بل المراد تقرير سرعة زواله.
المناسبة:
بعد بيان قصص موسى والسامري، أبان الله تعالى لنبيه إيناسا له أن إعلامك بأخبار الأمم الماضية وأحوالهم كعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة، هو زيادة في معجزاتك، وحث على الاعتبار والاتعاظ من قبل المكلفين في الدين.
وناسب بعده أن يذكر جزاء المعرضين عن أحكام القرآن، ذلك الجزاء الرهيب الذي تشيب منه الولدان.
التفسير والبيان:
{كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ} أي كما قصصنا عليك أيها الرسول خبر موسى مع فرعون وجنوده وخبره مع بني إسرائيل في الحقيقة والواقع، كذلك نقص عليك أخبار الحوادث التي جرت مع الأمم الماضية، كما وقعت من
غير زيادة ولا نقص، لتكون سلوة لك عما تكره، وبيانا لسيرة الأنبياء السابقين في مكابدتهم الشدائد مع أقوامهم لتتأس بهم، ودلالة على صدقك ونبوتك، مما يجعل في القصص عبرة وعظة، ودرسا وفائدة.
{وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنّا ذِكْراً} أي هذا.. وقد أعطيناك من عندنا ذكرا، وهو القرآن العظيم، للتذكر به على الدوام؛ لأنه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ولأنه لم يعط نبي من الأنبياء قبلك مثله، ولا أكمل منه ولا أجمع لخبر ما سبق، وخبر ما هو كائن، وفيه حكم الفصل بين الناس، وكل ما هو صلاح للبشر في الدين والدنيا والآخرة، وجميع مكارم الأخلاق، ومناهج الحياة الفاضلة.
{مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً} أي كل من كذب به، وأعرض عن اتباعه، فلم يؤمن به، ولا عمل بما فيه، وابتغى الهدى في غيره، يحمل إثما عظيما، وعقوبة ثقيلة يوم القيامة بسبب إعراضه، كما قال تعالى:
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ، فَالنّارُ مَوْعِدُهُ} [هود 17/ 11].
وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم أهل الكتاب وغيرهم، كما قال تعالى في بيان مهمة رسوله:{لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام 19/ 6]، فكل من بلغه القرآن فهو نذير له، وداع للإيمان به، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه، ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة.
{خالِدِينَ فِيهِ، وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً} أي ماكثين مقيمين على الدوام في جزائه ووزره، وهو النار، لا محيد لهم عنه ولا انفكاك، وبئس الحمل حملهم الذي حملوه من الأوزار، جزاء إعراضهم.
{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} أي إن يوم القيامة هو اليوم الذي ينفخ فيه في الصور النفخة الثانية، نفخة البعث التي يحشر الناس