الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بإيمانهم {إِلَى الرَّحْمنِ} أي إلى دار كرامته وهي الجنة {وَفْداً} جمع وافد، أي هم كما يفد الوافدون إلى الملوك لطلب الحوائج، مكرّمين مبجّلين {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ} بكفرهم {وِرْداً} جمع وارد أي مشاة عطاشى مهانين، يساقون باحتقار وإذلال كما تساق البهائم.
{لا يَمْلِكُونَ} أي الناس {عَهْداً} هو شهادة أن لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أي التبري من الحول والقوة وعدم رجاء أحد إلا الله.
المناسبة:
بعد الكلام عن الحشر والنشر والبعث، ردّ الله تعالى على عبّاد الأصنام الذين اتخذوا أصنامهم آلهة، ليعتزوا بها يوم القيامة، ويكونوا لهم شفعاء وأنصارا ينقذونهم من الهلاك، فأبان تعالى أنهم سيكونون لهم أعداء. ثم بيّن سبب الضلال وهو وسوسة الشياطين، وطلب إلى رسوله ألا يستعجل بطلب عذاب المشركين، فما هي إلا آجال أو أنفاس معدودة ثم يهلكون.
ثم قارن تعالى بين وفد المتقين القادمين إلى الجنة، وورد المشركين المشاة بإهانة إلى النار.
التفسير والبيان:
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} أي عجبا لهؤلاء الكفار بآيات الله، يتمنون على الله الأماني، ويتألون على الله تعالى، مع أنهم كفروا وأشركوا بالله، واتخذوا من دون الله آلهة، ليكونوا لهم أنصارا وأعوانا، وشفعاء عند ربهم يقربونهم إليه.
ولكن ليس الأمر كما زعموا ولا كما طمعوا، فقال تعالى:
{كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} أي ليس الأمر كما ظنوا وتأملوا في أنها تنقذهم من عذاب الله، بل ستجحد يوم القيامة هذه الأصنام المتخذة آلهة عبادة الكفار لها، يوم ينطقها الله سبحانه؛ لأن الأصنام جمادات
لا تعلم العبادة، ويكونون أعداء لهم، وأعوانا عليهم، بخلاف ما ظنوا فيهم، فيقولون: ما عبدتمونا، كما قال تعالى:{وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا: رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ، فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ، إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ} [النحل 86/ 16]، وقال سبحانه:{ما كانُوا إِيّانا يَعْبُدُونَ} [القصص 63/ 28]، وقال عز وجل:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، وَرَأَوُا الْعَذابَ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ} [البقرة 166/ 2].
وبعد بيان حال هؤلاء الكفار مع الأصنام في الآخرة، ذكر تعالى حالهم مع الشياطين في الدنيا، فإنهم يسألونهم وينقادون لهم، فقال:
{أَلَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} أي ألم تعلم أننا سلطنا الشياطين على الكفار، وخلينا بينهم وبينهم، ومكناهم من إضلالهم، فهم يحركونهم إلى فعل المعاصي، ويهيجونهم ويغرونهم ويغوونهم، كما قال تعالى:
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ} [الإسراء 64/ 17].
وهذا إثارة لعجب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حال الكفار وإصرارهم على الكفر، وتسلية له عن صدودهم وإعراضهم، وتهوين الأمر على نفسه.
{فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ، إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} أي فلا تعجل يا محمد على هؤلاء بأن تطلب من الله إيقاع العذاب بهم وإهلاكهم وإبادتهم بسبب تصميمهم على الكفر وعنادهم، إنما نعد لهم أوقاتا معدودة، ونؤخرهم لأجل معدود مضبوط هو انتهاء آجالهم، وهم صائرون لا محالة إلى عذاب الله ونكاله، أي فليس بينك وبين عذابهم إلا أوقات محصورة معدودة، وكل آت قريب، قال تعالى:
{وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ} [إبراهيم 42/ 14] الآية، وقال
سبحانه: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق 17/ 86]، وقال عز وجل:
{نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ} [لقمان 24/ 31].
ثم أبان سبحانه ما سيظهر في يوم القيامة من الفصل بين المتقين وبين المجرمين في كيفية الحشر، فقال:
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً} أي واذكر أيها الرسول لقومك، يوم نحشر جماعة المتقين وافدين ركبانا إلى جنة الله ودار كرامته، والوفد: هم القادمون ركبانا، مراكبهم من نور من مراكب الدار الآخرة،
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «والذي نفسي بيده إن المتقين إذا خرجوا من قبورهم، استقبلوا بنوق بيض، لها أجنحة، عليها رحال الذهب» ثم تلا هذه الآية.
{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً} أي ونحث المجرمين المكذبين على السير طردا إلى جهنم، مشاة عطاشا، كالإبل ترد الماء.
{لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً} أي لا يملك أحد عند الله الشفاعة لغيره، {إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً} [النبأ 38/ 78]، و {مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً}: وهو شهادة أن لا إله إلا الله، والقيام بحقها، بأن كان صالح الاعتقاد والقول والعمل، وكان في الدنيا هاديا مصلحا. أما شفاعة الآلهة المزعومة فهي أمان زائفة، وأوهام فارغة، فهي لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا.
روى ابن أبي حاتم عن الأسود بن يزيد قال: قرأ عبد الله بن مسعود هذه الآية: {إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً} ثم قال: اتخذوا عند الله عهدا، فإن الله يقول يوم القيامة: من كان له عند الله عهد فليقم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن، فعلّمنا، قال: قولوا: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب