الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تقديم]
بسم الله الرحمن الرحيم
(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[التوبة 128- 129]
صدق الله العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم بقلم الدكتور ياسين الأيوبي من نعم الله على المرء، متاع فكري يزدهي به ويسمو على ما حوله من متع الحياة الدنيا وأطايبها البائدة..
وما من نعمة تفوق كتابا يضم بين دفتيه، خلاصة القرائح، وصفوة المعاناة الروحية، يعتصرها سدنة الكلمة، وأهل العرفان، وهم في نشوة العبادة، ومنتهى الشوق للثم العتبات، وارتشاف النفحات المحمدية.
والأمتع من ذلك كله، أن تتحقق المتعة في رمضان، شهر العبادة والابتهالات.. شهر البرّ والانعتاق، الذي عدله الله بكل الشهور، بل فضّله على كل الشهور..
وهكذا كان..
فقد رغب إليّ الأخ الدكتور محمد درنيقة، في مطلع هذا العام أن أقرأ كتابه الموسوم:«معجم أعلام شعراء المدح النبوي» ، وأضع أوزان أشعاره وأضبطها ضبطا عروضيا سليما. فلم أتردد بالموافقة، ووعدته إنجازا خلال شهر رمضان.
وإذا بي أمام حصيلة نيّرة من عيون الشعر النبوي، جمعها الدكتور درنيقة من حدائق العصور وموائد الشعراء، منذ البردة الكعبية (نسبة إلى كعب
بن زهير) حتى بردة أحمد شوقي، وما تلاها من قصائد مماثلة إلى يومنا هذا، قاطعا بذلك أربعة عشر قرنا ونيّفا، وقرابة خمسمائة شاعر وعالم ومجاهد وكاتب.. وقفوا جميعا بباب الرحمن ملبّين وصاته الأزلية في الصلاة على النبي، والسلام عليه وعلى آله وصحبه..
كلمة «1» صدرت عن العزة الإلهية، تلقاها الإنسان.. فأقبل عليها واستجاب لصاحبها؛ وأضحى الكلام على النبي صلى الله عليه وسلم ضربا من التبرّك والزلفى إلى الملك القدوس الذي أمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه والتسليم.
كلمة واحدة: «صلّوا» .. وانطلقت الألسن والشفاه تصوغ أجمل الكلام، وتوقّع أعذب الألحان في مختلف المناسبات والمقامات، لتصلي على النبي المختار، وتنشر له أجمل الأشعار.
هل الصلاة على الرسول، كالصلاة لله العظيم؟ ..
حاشا لله ولرسوله! .. هنا عبادة، وخشوع، وتبتّل، وضراعة، وضمور، وانتهاء
…
وهناك التحبّب، والتكريم، والتفاني، والمديح، والتقرب، بكل الصيغ والأساليب.. وليس كالشعر سبيلا لتجسيد هذه الصلاة، وتحقيق مضمونها وتشريف قائلها..
لم يعد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم صفة تحبّبية يسعى إليها الشاعر، والعابد، والمصلّي؛ بل هي فريضة منزّلة يجزى عليها صاحبها أجمل الجزاء وتحسب له في سجلّه الآخروي أضعاف أضعاف ما تجترح يداه من سيئات، ويرتكب من أخطاء.
فلا نعجبنّ من هذا الكمّ الهائل من قصائد المدح المحمّدي، يطالعنا عبر الحقب والأجيال. ولا سبيل إلى محاسبة أحد على ما سطّر قلمه، وجوّد لسانه، لأن المدح ههنا، دواء لقائله وصائغه، وبلسم لسامعه وقارئه؛
إن أحسن وأبدع، فله أجران: أجر الصلاة الامتداح، وأجر الإجادة
(1) إشارة صريحة إلى الآية 56 من سورة الأحزاب: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
والتحسين، وإن اكتفى بالصلاة والامتداح المجرّد، فالأجر مضمون لا ينقص منه مثقال ذرّة.
فمن لم يؤت ملكة التصوير الفني الشعري الرفيع.. عمد إلى طاقتي التعبير اللغوي- ومشاعر التبجيل، اللتين نشأ عليهما فمارسهما وأتقنهما بصورة أو بأخرى، سواء بالنظم- وما أكثر الناظمين في هذا الباب- أم بالتقليد والعدوى اللذين يشبّ عليهما الكتاب والعلماء في شتى الحقول..
وإذا نحن أمام قائمتين من المدّاحين: قائمة الشعراء الملهمين، وقائمة الكتّاب الناظمين: كلتاهما مادحة (مصلّية) ، مؤمنة محسنة، تنتزع منا التأييد والإشادة مهما قلّ الكلام وانقبض المعنى.
وهو ما استشعرته طوال قراءتي لهذا الشعر النفيس مما كتبه الأخ درنيقة وجمعه، ورتّبه.. فلم يصدمني مدح نبوي واحد من بين المئات والألوف من المدائح التي اشتمل عليها كتابه.. لا لشيء، إلّا لأنها ضمّخت بألطاف رمضان وإشراقاته، وترجيع أنواره المباركة التي تشبه المرتاض في حديقة مترامية الأطراف، فيها من كل الأزهار، والأطيار، والثمار.. كيفما التفتّ لفحك النّور، وشنّفك الغناء، وطابت الثمار.. من غير أن تميّز فيها الكزّ، والناشز، والباهت..
ولو كانت القراءة في غير هذا الشهر، لأمكن تمييز الغثّ من الثمين، والكزّ من الرطيب وإن بنسبة ضئيلة.
تلك هي النعمة السّنيّة التي أنعم الله بها عليّ في شهر التوبة والطهارة، نعمت بها على مدى الثلاثين يوما؛ لا ضجر، ولا ضيق، ولا نفور.. لأن قلم الدكتور محمد سلس، بعيد عن تكلف المحبّرين، وتقعّر اللغويين.
ونهجه واضح يقتصر على التعريف بالعلم وباثاره.. بسطور لا تضطر معها إلى المراجعة إلّا للاستزادة.. منتهيا إلى زبدة التعريف وهي: المدحة النبوية التي اختصرها الكاتب، واكتفى منها بما يؤكد الصلاة المحمدية، ويسلط ضوآ على معاني الشاعر وطريقته ومنحاه.
ولئن فات زميلنا الباحث، الغوص على جماليّات الشعر المدحي،
واستخراج لآلئه النورانية- على غرار ما عرفناه في بعض كتبه، ولا سيما الصوفية- فقد عوض ذلك بالإكثار من الشواهد، وذيّل- لمن يرغب- بكثير من المصادر والمراجع.
وقد يؤخذ على الكتاب الكثير من الاختصار في إثبات النماذج المدحية لدى طائفة من الشعراء، والإسهاب لدى طائفة أخرى.. والسبب هو اكتفاء صاحبه باعتماد قواميس التراجم والمؤلّفات، التي تعرّف بالعلم وباثاره ولا تعنى بإيراد الشواهد..
ولو بذل الدكتور درنيقة جهودا إضافية في البحث والتنقيب، لسدّ هذه الثغرة.. وربما أجابنا، بأن كتابه يتناول أعلام المدح النبوي، لا شعرهم وهذا صحيح.
ومع ذلك، فسيكون صنيعه أتمّ، وجهده أعظم، لو عزّز التعريف بشيء من الشواهد..
ولكن طبيعة الموضوع الذي ندب محمد درنيقة نفسه له، محفوف بالنقص، والقصور، لأن مدّاحي الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحصيهم قلم، ولا يحبسهم لسان، ولا تحتويهم ذاكرة..
كذلك هي المدائح والصلوات الشعرية. ناهيك بأن كاتبنا، عني بالأعلام، لا الأقلام، والنوع لا الكمّ..
فهل يتسع المجال لعمل موسوعي، أكبر وأشمل؟ ..
لا أظن ذلك عسيرا على من وقف دراساته كلها تقريبا، على التصوف الإسلامي، وتبيان معالم السنّة النبوية الشريفة..
سدّد الله خطاه.. وأجزل له العطاء وأحسن إليه.. وأثابه..
طرابلس- لبنان.
الثاني من شوال سنة 1414 هـ
الموافق 14 آذار سنة 1994 م.
ياسين الأيوبي