الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
290 كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني
لما قام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام، كان كعب قد بلغ من الشعر والشهرة حظا مرموقا. فلما أسلم أخوه بجير وبّخه واستحثه على الرجوع عن دين لم يعهده آباؤه [من الطويل] :
«ألا أبلغا عنّي بجيرا رسالة
…
على أيّ شيء ريب غيرك دلّكا
على خلق لم تلف أمّا ولا أبا
…
عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
سقاك أبو بكر بكأس روية
…
فأنهلك المأمون منها وعلّكا»
وقد هجا كعب النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام وشبب بنساء المسلمين، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، وقال: من لقي كعبا فليقتله. لكن أخاه بجيرا أرسل إليه يخبره بالأمر وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل كعب بن الأشرف لأنه شبب ببعض النساء المسلمات، وكتب له هذه الأبيات [من الطويل] :
«من مبلغ كعبا فهل لك في التي
…
تلوم عليها باطلا وهي أحزم
إلى الله لا العزّى ولا اللّات وحده
…
فتنجو إذا كان النجاة وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت
…
من النّاس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه
…
ودين أبي سلمى عليّ محرّم»
فلما بلغ الكتاب كعبا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وخاف خوفا شديدا، وقال الناس: هو مقتول. فكتب إليه أخوه بجير بأنه ما من أحد يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم مسلما تائبا إلا قبله وأسقط ما كان قبل ذلك. فأسلم كعب،
ونظم قصيدته المشهورة بانت سعاد، وقدم المدينة متخفيا حتى أناخ بباب المسجد. ولنتركه يذكر ما حصل: قال: فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفة، فتخطيت حتى جلست إليه فأسلمت. ثم قلت الأمان يا رسول الله أنا كعب ابن زهير. قال: أنت الذي تقول، والتفت إلى أبي بكر فقال: كيف قال؟
فذكر الأبيات الثلاثة. فلما قال: فأنهلك المأمور قلت يا رسول الله ما هكذا قلت وإنما قلت المأمون. قال: مأمون والله. ثم أنشده كعب القصيدة اللامية التي مطلعها [من البسيط] :
«بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
…
متيّم إثرها لم يفد مكبول «1»
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
…
إلا أغنّ غضيض الطّرف مكحول»
«2» وهي قصيدة تقع في ثمانية وخمسين بيتا من الشعر المحكم الرصين الذي يظهر فيه أثر الجاهلية واضحا جليا، وهي من البحر البسيط:
وتقسم القصيدة إلى ثلاثة أقسام:
1-
توطئة غزلية على عادة الشعراء الأقدمين (1- 12) .
2-
وصف الناقة التي تبلغ بالشاعر إلى محبوبه (13- 33) .
3-
اعتذار من الرسول صلى الله عليه وسلم ومدح له وللمهاجرين (34- 58) .
وفي القسم الأخير يتوسل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتذلل إليه ويصف جزعه. أما المدح فهو يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسد، وقد ذكر هيبته وهداه.
ومما جاء فيها:
«وقال كلّ خليل كنت آمله
…
لا ألهينّك إني عنك مشغول
فقلت خلّوا سبيلي لا أبا لكم
…
فكل ما قدّر الرحمن مفعول
كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته
…
يوما على آلة حدباء محمول «3»
(1) بانت: فارقت. متبول: غلبه الحب. متيم: ذ لله الحب. مكبول: مقيد.
(2)
البين: الفراق. أغن: في صوته غنة.
(3)
آلة: النعش. حدباء: معوجة.
أنبئت أنّ رسول الله أوعدني
…
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة
…
القرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم
…
أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به
…
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظلّ يرعد إلا أن يكون له
…
من النبيّ بإذن الله تنويل
إنّ الرسول لنور يستضاء به
…
وصارم من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم
…
ببطن مكّة لما أسلموا زولوا «1»
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف
…
عند اللقاء ولا ميل معازيل «2»
شمّ العرانين أبطال لبوسهم
…
من نسج داود في الهيجا سرابيل
لا يفرحون إذا نالت رماحهم
…
قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا «3»
يمشون مشي الجمال الزّهر يعصمهم
…
ضرب إذا عرّد السود التنابيل «4»
لا يقع الطّعن إلّا في نحورهم
…
وما لهم عن حياض الموت تهليل»
«5» فلما انتهى منها كساه النبي صلى الله عليه وسلم بردة له. وهذه البردة اشتراها معاوية بن أبي سفيان من أولاد كعب، وظل خلفاء بني أمية يتوارثونها ليلبسوها في الأعياد.
وهناك من رأى بأن هذه البردة انتقلت إلى العباسيين فالفاطميين في القاهرة فالعثمانيين الذين احتفظوا بها بين الآثار النبوية في مسجد أبي أيوب الأنصاري.
ولذلك يطلق على هذه القصيدة اسم «البردة» .
ولقد اهتم الشعراء بهذه القصيدة اهتماما بالغا، واعتبروها من أجلّ ما قيل في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم «6» فشطروها كما فعل الشيخ عبد القادر سعيد الرافعي الطرابلسي:
(1) زولوا: انتقلوا إلى المدينة.
(2)
الأنكاس: الضعفاء. كشف: لا ترس معهم.
(3)
مجازيعا: مجزاع: كثير الجزع. نيلوا: أصيبوا.
(4)
يعصمهم: يمنعهم. السود التنابيل: الجمال السود القصار.
(5)
تهليل: تأخر.
(6)
تجدر الإشارة إلى أن كعبا كان قد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بأسلوب جاهلي صرف، فلم يشر إلى فرض من فروض الدين الإسلامي، ولم ينبه إلى آية من القرآن الكريم، وما ذلك إلا لأنه كان يجهل حقيقة الإسلام يوم نظم قصيدته.
«بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
…
والنوم والسّهد مقطوع وموصول
والجسم بعد سعاد مدنف وصب
…
متيّم إثرها لم يفد مكبول»
وخمسّوها كما فعل شعبان بن محمد بن داود المصري المتوفى 827 هـ/ 1423 م:
«قل للعواذل مهما شئتمو قولوا
…
فليس لي بعد من أهواه معقول
ناديت يوم النّوى والدمع مسبول
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
…
متيّم إثرها لم يفد مكبول»
وعارضوها كما فعل ابن سيد الناس اليعمري:
«قلبي بكم يا أهيل الحيّ مأهول
…
وحبله بأماني الوصل موصول»
وشرحها عدد كبير من الأدباء: ابن هشام النحوي (ت 761 هـ/ 1359 م) وعلى شرحه حاشية لعبد القادر بن عمر البغدادي المتوفى 1093 هـ/ 1682 م. عبد اللطيف بن يوسف البغدادي (ت 629 هـ/ 1231 م) إبراهيم الأميوطي اللخمي (ت 790 هـ/ 1388 م) . جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ/ 1505 م) . محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817 هـ/ 1414 م) الذي صنف «زاد المعاد في وزن بانت سعاد» . ثم شرحه في مجلد. يحيى التبريزي (ت 502 هـ/ 1108 م) . المولى خير الدين (883 هـ/ 1478 م) وهو معلم السلطان محمد الفاتح. أحمد بن حجر الهيثمي. الباجوري (ت 1277 هـ/ 1860 م)
…
وقد طبعت مرارا في الشرق وفي أوروبة: ليدن 1161 هـ/ 1748 م.
هال 1249 هـ/ 1833 م. ليبسيك 1288 هـ/ 1871 م. برلين 1308 هـ/ 1890 م. باريس وقسنطينة 1322 هـ/ 1904 م. بيروت 1350 هـ/ 1931 م.
كما ترجمت إلى لغات كثيرة منها: اللاتينية، الألمانية، الإنكليزية، الإيطالية، الفرنسية حيث عني بها المستشرق رينيه باسيه.
ولكعب قصيدة نبوية أخرى جاء فيها:
«تجري به الناقة الأدماء معتجرا
…
بالبرد كالبدر جلّى ليلة الظّلم