الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
169 عبد الله بن رواحة
ينتهي نسبه إلى الشاعر الجاهلي المشهور امرىء القيس. أسلم وشهد بيعة العقبة الثانية، وكان أحد النقباء الإثنى عشر. عمل على نشر الإسلام في المدينة قبل الهجرة، فأصبح عظيم القدر، أثيرا عند النبي صلى الله عليه وسلم. ولقد زاد في مكانته أنه كان يخط بيده فاتخذه الرسول كاتبا. وكانت له مقدرة عسكرية عظيمة، وشهد كل المعارك مع النبي صلى الله عليه وسلم ما عدا بدر الصغرى لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلفه مكانه على المدينة. في هذه المعارك كان ابن رواحة أول خارج إلى القتال وآخر قافل عنه. وكان من الذين يردون الأذى عن الرسول صلى الله عليه وسلم في كل المعارك التي خاضها. ولما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية إلى مؤتة القريبة من البلقاء في جمادى الأولى عام 8 هـ/ أيلول عام 629 م. أمّر مولاه زيد بن حارثة على ثلاثة آلاف فارس. وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس. فإن اصيب جعفر فعبد الله بن رواحة. ولما تقابل الفريقان ورأى المسلمون كثرة أعدائهم، تشاوروا فيما بينهم هل يكتبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرونه بعدد العدو ليمدهم بالرجال أو يأمرهم بأمر؛ لكن ابن رواحة شجعهم على المضي في القتال قائلا:«إن التي تكرهون للتي خرجتم لها، إياها تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة ولا قوة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة» .
فقالوا: لقد صدق ابن رواحة. وسرعان ما امتدت عدوى النخوة من الشاعر الشجاع إلى الجيش كله. وعند ما استشهد حاملا الراية الواحد بعد الآخر وصلت الراية إلى عبد الله ابن رواحة الذي قاتل على فرسه أولا ثم نزل عنها وقاتل قتال الأبطال حتى استشهد. وفي المدينة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما حدث في ساحة القتال قبل عودة الجيش، ونادى في الناس الصلاة جامعة. ثم صعد المنبر وعيناه تذرفان وأخبرهم باستشهاد قواد الجيش بما فيهم ابن رواحة الذي اثبت قدميه حتى قتل شهيدا.
لقد كان ابن رواحة مشهورا بمحبته وطاعته للرسول صلى الله عليه وسلم؛ يروى أنه
كان مرة في طريقه إلى المسجد لصلاة الجمعة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
اجلسوا فجلس ابن رواحة مكانه خارج المسجد حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الخطبة. فلما بلغ النبي ما فعله ابن رواحة قال له: «زادك الله حرصا على طواعية الله وطواعية رسوله» .
وقد كان ابن رواحة شاعرا يرد على المشركين هجاءهم لرسول الله وتهجمهم على الإسلام. فكان يعيّرهم بالكفر وبعبادة الأوثان، لذلك كان قوله أهون عليهم من قول حسان بن ثابت، فلما أسلموا وفقهوا الإسلام كان قوله شديدا عليهم.
كما كان يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم وله فيه أماديح كثيرة، عدّه بها المتقدمون من كبار شعراء الإسلام. إلا أن ما وصل إلينا من شعره قليل لا يكاد يعطي فكرة واضحة عن مناحيه الفنية.
وله عدة قصائد يعنّف فيها قريشا ويبين محبته ومحبة قومه الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم [من الطويل] :
«عصيتم رسول الله أفّ لدينكم
…
وأمركم السّيء الذي كان غاويا
فإنّي وإن عنّفتموني لقائل
…
فدى لرسول الله أهلي وماليا
أطعناه لم نعدله فينا بغيره
…
شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا»
ومن نظمه عند حفر الخندق حول المدينة المنورة لمقاومة الأحزاب [من الرجز] :
«والله لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الذين قد بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا»
ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يردد هذه الأبيات عند نقل التراب من الخندق.
ومن شعره أيضا في النبي صلى الله عليه وسلم [من الطويل] :
«وفينا رسول الله يتلو كتابه
…
إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه
…
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا
…
به موقنات أنّ ما قال واقع»
ولما تهيأ ابن رواحة للخروج إلى مؤته ودّع النبي صلى الله عليه وسلم وقال [من البسيط] :
«إنّي تفرّست فيك الخير أعرفه
…
والله يعلم أن ما خانني البصر
أنت النبيّ ومن يحرم شفاعته
…
يوم الحساب لقد أودى به القدر
فثبّت الله ما آتاك من حسن
…
تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا»
ولما شيّع الرسول صلى الله عليه وسلم المجاهدين إلى مؤته قال ابن رواحة [من الكامل] :
«خلف السلام على امرىء ودّعته
…
في النّخل خير مشيّع وخليل»
وقيل من أحسن ما أنشد ابن رواحة في النبي صلى الله عليه وسلم [من البسيط] :
«لو لم تكن فيه آيات مبينة
…
لكان منظره ينبيك بالخبر»
لقد كان ينافح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويدافع عن الإسلام بلسانه وسيفه، ويكفيه فخرا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنه:«رحم الله أخي عبد الله بن رواحة كان أينما أدركته الصلاة أناخ» «1» .
(1) تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر. تحقيق: د. شكري فيصل- سكينة الشهابي، مطاع الطرابيشي، مجمع اللغة العربية، دمشق 1982، 303- 358؛ الصفدي، الوافي بالوفيات 17/ 168- 170؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد 5/ 278؛ ابن كثير، البداية والنهاية 4/ 241 255؛ الأصفهاني، حلية الأولياء 1/ 120؛ الكاندهلوي، حياة الصحابة 1/ 687- 693؛ النويري، نهاية الأرب 3/ 227 و 17/ 38؛ ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق 1/ 152؛ محمد حسنين هيكل، حياة محمد (القاهرة 1358 هـ) ص 394؛ الزركلي، الأعلام 4/ 86؛ ابن هشام، السيرة النبوية 2/ 618؛ جميل سلطان، عبد الله بن رواحة (دمشق 1973) ص 5 وما بعدها؛ الأصفهاني، دلائل النبوة، ص 187 وما بعدها؛ رضا، محمد رسول الله، ص 296- 298؛ مروة، أحسن الأثر، ص 169؛ عبد الرحمن عزام، بطل الأبطال، (القاهرة 1954) ص 54؛ اليافعي، مرآة الجنان 1/ 14- 15؛ الحافظ الذهبي، السيرة.