الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«ألا أبلغا عنّي الرسول محمدا
…
رسالة من أمسى بصحبته صبّا
حلفت بربّ الراقصات عشية
…
خوارج من بطحاء تحسبها سربا
لقد بعث الله النبيّ محمدا
…
بحق وبرهان الهدى يكشف الكربا»
«1»
98 حسام الدين بن جمال الدين الطريحي المسيلمي
ولد بالنجف عام 1005 هـ/ 1597 م. برع في الفقه والأصول والتفسير والحديث واللغة والشعر. توفي بالنجف 1094 هـ/ 1684 م. من تصانيفه:
شرح الصوفية البهائية- شرح مبادىء الوصول إلى علم الأصول- جامع الشتات في فروق اللغات- تفسير القرآن الكريم الموسوم بالوجيز في تفسير القرآن العزيز- الدرة البهية في مدح خير البرية «2» .
99 حسان بن ثابت
أول من بدأ فن الشعر في المديح النبوي. يمني الأصل. ولد بيثرب ونشأ شاعرا يدافع عن قومه الخزرج، ويفاخر بأمجادهم لا سيما ضد جيرانهم الأوس؛ فقد كانت يثرب في الجاهلية ميدانا للنزاع بين القبيلتين.
وكان حسان يتكسب بالشعر ويتنقل بين بلاطي الغساسنة والمناذرة مع ميل واضح لبلاط جلّق. ولما ظهر الإسلام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب أسلمت الأوس والخزرج، وكان حسان ممن أسلم، كما أن أمه الفريعة بنت خالد بن حبيش قد أسلمت أيضا.
وكان حسان جبانا لم ينصر الدين بسيفه لكنه نصره بلسانه، وهو سلاحه الوحيد، لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان «3» يهجوه قال: «اللهم إنه هجاني وإني لا أقول الشعر فاهجه عني. فقام إليه عبد الله بن رواحة فقال:
(1) ابن حجر، الإصابة 1/ 319- 320.
(2)
كحالة، معجم المؤلفين 3/ 191.
(3)
هو ابن الحارث بن عبد المطلب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو غير أبي سفيان والد معاوية.
يا رسول الله إئذن لي فيه. قال: أنت القائل: فثبت الله ما آتاك من حسن.
قال: نعم. قال: وإياك فثبت الله. ثم قام إليه كعب بن مالك فقال: يا رسول الله إئذن لي فيه. فقال: أنت القائل: هممت. قال: نعم. قال: لست له. ثم قام حسان بن ثبات فقال: يا رسول الله إئذن لي فيه. وأخرج لسانه فضرب به أرنبة أنفه، وقال: والله يا رسول الله إنه ليخيل لي أني لو وضعته على حجر لفلقه، على شعر لحلقه. فقال: أنت له. إذهب إلى أبي بكر يخبرك بمثالب القوم ثم اهجهم وجبريل معك» فقال حسان يرد على أبي سفيان [من الوافر] :
ألا أبلغ أبا سفيان عنّي
…
مغلغلة فقد برح الخفاء
بأنّ سيوفنا تركتك عبدا
…
وعبد الدار سادتها الإماء
هجوت محمدا فأجبت عنه
…
وعند الله في ذاك الجزاء
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: جزاؤك على الله الجنة.
أتهجوه ولست له بكفء
…
فشرّكما لخيركما الفداء
هجوت مباركا برّا حنيفا
…
أمين الله شيمته الوفاء
فمن يهجو رسول الله منكم
…
ويمدحه وينصره سواء
فإنّ أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمد منكم وقاء»
والواقع أن قريشا كانت تحرّض شعراءها على هجاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تكوّن هذا الفريق من عبد الله بن الزبعرى وأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وعمرو بن العاص وضرار بن الخطاب. فطلب المسلمون من علي ابن أبي طالب (ض) أن يهجو مشركي قريش الذين يهجون الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إن أذن لي النبي صلى الله عليه وسلم فعلت. فطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن للإمام علي (ض) فقال: إن عليا ليس عنده ما يراد في ذلك منه. ثم قال عليه الصلاة والسلام: «ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم» .
لذلك انبرى ثلاثة شعراء من الأنصار: حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة؛ ينافحون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويهجون المشركين. فكان
حسان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم في الوقائع والأيام والماثر، ويذكران مثالبهم. أما ابن رواحة فكان يعيّرهم بالكفر وعبادة الأصنام، فكان قوله يومئذ أهون عليهم. وأما قول حسان وكعب فكان أشد القول عليهم. ولكن لما أسلمت قريش كان قول ابن رواحة أشد القول عليهم.
وقد قام حسان بالمهمة خير قيام، فكان يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ويهاجم خصومه. وقد طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم الأنساب من أبي بكر (ض) حتى يكون هجاؤه لقريش أوجع. وكان عليه الصلاة والسلام يقول له:«قل وروح القدس معك؛ والله لشعرك عليهم أشد من وقع الحسام في غبش الظلام» .
وقد أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وقرّبه منه، وقسم له من الغنائم والعطايا، ووهبه جارية اسمها سيرين، وهي أخت مارية القبطية والدة إبراهيم بن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ولدت سيرين لحسان ابنه عبد الرحمن. وتجدر الإشارة إلى أن حسانا كان جبانا فاكتفى بالشعر ولم يجاهد بسيفه، ولم يشهد غزوة أو يشترك في حرب. توفي عام 54 هـ/ 674 م بعد أن عمّر أكثر من مئة سنة. له ديوان شعر، طبع في عدة أماكن، منذ أواسط القرن التاسع عشر الميلادي. هذا الديوان يشمل معظم الأغراض الشعرية من هجاء ومدح وغزل وفخر ووصف مجالس اللهو والخمر
…
وفي ديوانه قصائد عديدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وفي رثائه. كما أن شعره كان تسجيلا حيا لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته، وكانت أشعاره خير تفسير وتوضيح لما غمض من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد مدح حسان الرسول صلى الله عليه وسلم بمعان كثيرة منها الجاهلي القديم، ومنها الإسلامي المستحدث. وقد اتخذ مدحه للرسول عليه السلام صفة الفخر بالمسلمين جميعا وخاصة الأنصار، والرد على المشركين ومهاجاتهم. وكان حسان سلاحا خطيرا في أيدي المسلمين لا يقل عن أسلحتهم الحربية الآخرى، فهو صحيفتهم اليومية وهو لسان دعايتهم. فعندما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد تميم يريدون المفاخرة، قام خطيبهم عطارد ابن حاجب فتكلم، ثم قام خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فرد عليه. ثم قام شاعرهم الزبرقان بن بدر يفاخر ببني قومه مبينا شجاعتهم وإقدامهم وفروسيتهم، فانبرى له حسان وأنشد قصية نبوية عينية مطلعها [من البسيط] :
«إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم
…
قد بيّنوا سنّة للناس تتّبع «1»
يرضى بها كلّ من كانت سريرته
…
تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا»
ومنها:
«أعطوا نبيّ الهدى والبرّ طاعتهم
…
فما ونى نصرهم عنه وما نزعوا
إن قال سيروا أجدّوا السير جهدهم
…
أو قال عوجوا علينا ساعة ربعوا
أكرم بقوم رسول الله قائدهم
…
إذا تفرّقت الأهواء والشّيع
فإنّهم أفضل الأحياء كلّهم
…
إن جدّ بالناس جدّ القول أو سمعوا»
لقد كان شعر حسان في الرسول صلى الله عليه وسلم يمتاز بالصدق والإخلاص؛ فعندما سئلت السيدة عائشة (ض) عن وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان والله كما قال فيه شاعره حسان بن ثابت [من الطويل] :
«متى يبد في الدّاجي البهيم جبينه
…
يلح مثل مصباح الدّجى المتوقّد
فمن كان أومن قد يكون كأحمد
…
نظام لحّق أو نكال لملحد»
عن الجنيد بن محمد البغدادي الصوفي المشهور أنه قال: «وأصدق بيت قالته العرب قول حسان ابن ثابت حيث يقول [من الطويل] :
وما حملت من ناقة فوق رحلها
…
أعفّ وأوفى ذمّة من محمد»
وبيت آخر لحسان أيضا [من الطويل] :
«وما فقد الماضون مثل محمد
…
ولا مثله حتى القيامة يفقد»
وقيل أن أنصف بيت قالته العرب قول حسان [من الوافر] :
«أتهجوه ولست له بكفء
…
فشرّكما لخيركما الفداء»
وجاء في إحدى مدائحه [من الطويل] :
«أغرّ عليه للنّبوة خاتم
…
من الله مشهود يلوح ويشهد
وضمّ الإله اسم النبيّ إلى اسمه
…
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
(1) الذوائب: السادة.
وشقّ له من إسمه ليجلّه
…
فذو العرش محمود وهذا محمد
نبيّ أتانا بعد يأس وفترة
…
من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا
…
يلوح كما لاح الصّقيل المهنّد
وأنذرنا نارا وبشّر جنة
…
وعلّمنا الإسلام فالله نحمد»
كما ذكر في إحدى مدائحه بيتين أصبحا مجال إيحاء، ومصدر إلهام للشعراء المحبين للذات المحمدية [من الوافر] :
«وأحسن منك لم تر قطّ عيني
…
وأجمل منك لم تلد النّساء
خلقت مبرّأ من كلّ عيب
…
كأنّك قد خلقت كما تشاء»
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رثاه حسان بعدة قصائد تعبر عن صدق مشاعره، وخالص محبته له عليه الصلاة والسلام. ومنها قصيدة تكلم فيها عن المنبر والمصلى والمسجد والوحي، وذكر فيها بكاء الأرض والسماء، وعرض فيها بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم، وعبّر فيها عن شوقه إلى لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة، وبيّن ما نعم به المسلمون من هداية ورشاد
…
وهي قصيدة طويلة اخترنا منها الأبيات التالية [من الطويل] : لعلم والحلم والرحمة الواسعة]
«بطيبة رسم للرسول ومعهد
…
منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تنمحي الآيات من دار حرمة
…
بها منبر الهادي الذي كان يصعد
عرفت بها رسم الرسول وعهده
…
وقبرا به واراه في التّرب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت
…
عيون ومثلاها من الجفن تسعد
تذكّر آلاء الرسول- وما أرى
…
لها محصيا- نفسي فنفسي تبلّد
مفجّعة قد شفّها فقد أحمد
…
فظلّت لآلاء الرسول تعدّد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها
…
على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت
…
بلاد ثوى فيها الرشيد المسدّد
وبورك لحد منك ضمّن طيّبا
…
عليه بناء من صفيح منضّد
تهيل عليه التّرب أيد وأعين
…
عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيّبوا حلما وعلما ورحمة
…
عشيّة علّوه الثرى لا يوسّد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيّهم
…
وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكّون من تبكي السماوات يومه
…
ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزيّة هالك
…
رزيّة يوم مات فيه محمد
يدلّ على الرحمن من يقتدي به
…
وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهداهم الحقّ جاهدا
…
معلّم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفوّ عن الزّلّات يقبل عذرهم
…
وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
عزيز عليه أن يحيدوا عن الهدى
…
حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثنّى جناحه
…
إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا
…
إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا
…
يبكّيه جفن المرسلات ويحمد
فبكّي رسول الله يا عين عبرة
…
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
وما لك لا تبكين ذا النعمة التي
…
على الناس منها سابغ يتغمّد
وما فقد الماضون مثل محمد
…
ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعفّ وأوفى ذمّة بعد ذمّة
…
وأقرب منه نائلا لا ينكّد
وأبذل منه للطريق وتالد
…
إذا ضنّ معطاء بما كان يتلد
وأكرم حيّا في البيوت إذا انتمى
…
وأكرم جدّا أبطحيا يسوّد
رباه وليدا فاستتمّ تمامه
…
على أكرم الخيرات ربّ ممجّد
أقول ولا يلفى لقولي عائب
…
من الناس إلّا عازب العقل مبعد
وليس هوائي نازعا عن ثنائه
…
لعلّي به في جنّة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره
…
وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد»
ولحسان قصيدة أخرى عبر فيها عما سيحل به بعد فقد الرسول صلى الله عليه وسلم وما سيحل بالأنصار. جاء فيها [من الكامل] : ير من وطىء الحصى]
«ما بال عينك لا تنام كأنّما
…
كحلت ماقيها بكحل الأرمد
جزعا على المهديّ أصبح ثاويا
…
يا خير من وطىء الحصى لا تبعد
يا ويح أنصار النبيّ ورهطه
…
بعد المغيّب في الضّريح الملحد
جنبي يقيك التّرب لهفي ليتني
…
غيّبت قبلك في بقيع الغرقد
يا بكر آمنة المبارك ذكره
…
ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البريّة كلّها
…
من يهد للنور المبارك يهتدي
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم
…
يا لهف نفسي ليتني لم أولد
بأبي وأمي من شهدت وفاته
…
في يوم الاثنين النبيّ المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلّدا
…
يا ليتني صبّحت سمّ الأسود
أو حلّ أمر الله فينا عاجلا
…
في روحة من يومنا أو في غد
فتقوم ساعتنا فنلقى سيدا
…
محضا مضاربه كريم المحتد
يا ربّ فاجمعنا معا ونبيّنا
…
في جنّة تفقا عيون الحسّد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا
…
يا ذا الجلال وذا العلا والسّؤدد
والله أسمع ما حييت بهالك
…
إلّا بكيت على النبيّ محمد»
والجدير بالذكر أن بعض الرواة قد وضعوا أشعارا على حسان لا تليق به ولا تجوز عليه «1» .
(1) ديوان حسان بن ثابت. تحقيق د. سيد حنفي حسين. الهيئة المصرية العامة- القاهرة 1974. شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري ضبط الديوان وصححه: عبد الرحمن البرقوقي. دار الأندلس. بيروت 1978. القرطبي، الاستيعاب 1/ 335؛ الأصفهاني، الأغاني 4/ 2- 9؛ كحالة، معجم 3/ 191؛ ابن حجر، الإصابة 1/ 326؛ دائرة المعارف الإسلامية 7/ 376؛ مبارك، المدائح النبوية، ص 29- 44؛ فروخ، تاريخ الأدب 1/ 325 330؛ ابن منظور، مختصر تاريخ 17/ 62؛ اليافعي، مرآة الجنان 1/ 127؛ ابن العماد، شذرات الذهب 1/ 60؛ دار صادر؛ فروخ، التصوف في الإسلام، ص 96؛ الصفدي، الوافي بالوفيات 11/ 350- 358؛ محمد رضا، محمد رسول الله، ص 310- 357؛ ابن كثير، البداية والنهاية 6/ 290؛ الفاخوري، تاريخ الأدب، ص 329؛ النويري، نهاية الأرب 18/ 402؛ ابن هشام، السيرة النبوية 2/ 666- 669؛ الرافعي عنوان النجابة، ص 67- 68؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد 5/ 294- 295؛ الريحاني، الموسوعة العربية، ص 294؛ الزركلي، الأعلام 2/ 175- 176؛ الآلوسي، بلوغ الأرب 2/ 132؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان 6/ 351؛ السبكي، طبقات الشافعية الكبرى 2/ 41؛ أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء (بيروت 1980) 10/ 76؛ محمد بن أبي الخطاب، جمهرة أشعار العرب (مصر 1308 هـ) ص 13؛ عبد الحميد المسلوت ورفاقه، الأدب العربي فى ظلال الأمويين-.