الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير الدرجات:
يتم تفسير الدرجة التي حصل عليها المتعلم في الاختبار التحصيلي إما على أساس التقويم مرجعي المعيار، وإما على أساس التقويم مرجعي المحك.
ففي الأدبيات التربوية يوجد اتجاهان متمايزان في تفسير درجات التلاميذ في الاختبارات التحصيلية: الاتجاه الأول يعتمد على تفسير درجة المتعلم بمقارنتها بدرجات أقرانه وزملائه، أي: جماعة الصف التي ينتمي إليها المتعلم، ويتفق معها في الخصائص الأساسية: كالسن، والصف الدراسي، والمستوى الاحتماعي والاقتصادي وغير ذلك، وتعرف هذه الجماعة في الاختبارات المقننة -كاختبارات الذكاء مثلا- باسم الجماعة المعيارية، ومن هنا سمي هذا النوع من التقويم "بالتقويم مرجعي المعيار" Norm Referenced Evaluation.
والاتجاه الثاني هو ذلك الذي يعتمد في تفسير درجة المتعلم في الاختبار التحصيلي بمقارنتها بمحك أو مستوى محدد للأداء، أي: بمدى تحقيقها للأهداف المحددة سلفا. فالمحك يتحدد على ضوء الأهداف التربوية التي يسعى المعلم والمتعلم إلى تحقيقها، وكلما كان تحديد المحك دقيقا، كلما يسر ذلك عملية التقويم، ويسمى هذا النوع من التقويم "بالتقويم مرجعي المحك" enced evaiuation Critrion refer.
التقويم مرجعي المعيار:
والتقويم مرجعي المعيار إما أن يكون في صورة اختبارات مقننة: كاختبارات الذكاء، واختبارات الاستعداد العقلي، واختبارات الشخصية، والميول والاتجاهات.. إلى آخره، وإما أن يكون في صورة اختبارات تحصيلية غير مقننة كالتي سبق ذكرها1.
فبالنسبة لبناء اختبار مقنن، لا بد لوضعه من إعداد "معايير في صورة مئويات أو نسب ذكاء أو درجات معيارية، يستمدها من الجماعة التي يطبق عليها الاختبار أثناء عملية التقنين، والتي تمثل المجتمع الأصلي الذي سوف يستخدم فيه الاختبار
1 انظر تفصيل ذلك في جابر عبد الحميد وزملائه: المرجع السابق، ص426-435.
تمثيلا جيدا.. وحين يستخدم الفاحص هذا النوع من الاختبارات، فإنه يفسر درجة المفحوص بتحديد موقعها في المتغير، أو الصفة التي يقيسها بالنسبة للجماعة المعيارية "أي: جماعة التقنين"، هل يقع عند المئوى 20 أم 50 أم 70.. إلخ. وحينما نقول إن درجة التلميذ تقع عند المئوى 20 أو المئوى 50، فإننا نعني أنه أفضل من 20% أو 50% من زملائه"1.
ومن الخصائص الأساسية للاختبارات مرجعية المعيار، والمعدة بطريقة جيدة، أنها تكشف عن الاختلاف الملحوظ أو التباين في استجابات الأفراد، فإذا جاء التباين "أي: الاختلاف" في أداء الأفراد الذين يجيبون على الاختبار ضعيفا، فإنه يصعب المقارنة بينهم، وهذا يعني أن إعداد أسئلة الاختبار لم يكن دقيقا، ومن هنا فإن صلاحية أي سؤال من أسئلة الاختبار تتحدد في ضوء قدرته على التمييز بين الأفراد، لذلك تعتبر الأسئلة التي يبلغ مستوى صعوبتها 50% "بمعنى أنها يجيب عليها 50% من الأفراد إجابة صحيحة، ويخطئ فيها 50% منهم" أفضل الأسئلة، أما الأسئلة التي يجيب عليها 100% من الأفراد إجابة صحيحة، وتلك التي يخطئ فيها 100% منهم، أو ما يقرب من هذه النسبة، فإنها تعتبر أسئلة غير صالحة؛ لعدم قدرتها على التمييز بين أفراد الجماعة، ولذلك يجب استبعادها من الاختبار2.
وليس المطلوب من المدرس الذي يتبع التقويم مرجعي المعيار أن يضع اختبارات مقننة، كتلك التي يقوم ببنائها الأخصائيون في القياس النفسي والتربوي كاختبارات الذكاء والميول والاستعدادات.. إلخ. وكل المطلوب منه -في هذه الحالة- أن يضع اختبارات تحصل كتلك التي سبق تفصيل القول فيها، واتخاذها أساسا للمقارنة بين الفصل أو الصف الدراسي، فدرجة أي تلميذ تفسر بمقارنتها بدرجة زملائه في نفس حجرة الدراسة أو الصف الدراسي.
على أن مقارنة درجة التلميذ بدرجات زملائه في الفصل، تتطلب من المدرس استخدام بعض المفهومات الإحصائية البسيطة، كالمتوسط الحسابي، والانحراف المعياري.
ويحسب المتوسط الحسابي عن طريق جمع درجات جميع التلاميذ، وقسمة حاصل الجمع على عدد التلاميذ3:
1 المرجع السابق، ص427، 428.
2 المرجع السابق، ص428.
3 المرجع السابق، ص430.
وبمعرفة المتوسط الحسابي يستطيع المدرس معرفة المستوى العام لمجموعة معينة بمقارنته بمتوسط مجموعة أو أكثر من المجموعات الأخرى المتفقة معها في الخصائص الأساسية، كما يمكنه من معرفة وضع تلميذ معين بالنسبة لباقي تلاميذ المجموعة التي ينتمي إليها، ومعرفة مدى تقدمه بالنسبة للآخرين أو العكس بمقارنة درجاته في الاختبارات المتتالية، وحساب مدى التباين أو الاختلاف بينها، وعلى كل حال فإن مقدار تفوق التلميذ أو ضعفه يقاس بمدى بعد درجته عن المتوسط ارتفاعا أو انخفاضا.
على أنه يهم المدرس أن يحدد مقدار تفوق التلميذ أو ضعفه بصورة أدق، وهو في هذه الحالة في حاجة إلى معرفة مقدار تشتت درجات التلاميذ، والمقصود بالتشتت، هو مقدار الفروق الموجودة بين الدرجات، وقد اصطلح على قياس التشتت بالانحراف المعياري.
والانحراف المعياري ببساطة هو الجذر التربيعي لمتوسط مربعات الانحراف، وهناك طرق متعددة لحسابه، ولكن يكفي أن نشرح لك طريقة بسيطة لحسابه، وتتم وفق الخطوات التالية:
1-
احسب متوسط الدرجات بالطريقة التي شرحناها سابقا، أي: بجمع درجات التلاميذ، وقسمة حاصل الجمع على عدد التلاميذ.
2-
احسب انحراف كل درجة عن المتوسط، وذلك بطرح المتوسط من كل درجة من درجات التلاميذ.
3-
ربع جميع الانحرافات الناتجة من الخطوة السابقة بقسمتها على عدد التلاميذ، فتحصل على متوسط مربعات الانحرافات.
4-
احسب الجذر التربيعي لناتج الخطوة رقم3، تحصل على الانحراف المعياري.
"ويعطيك الانحراف المعياري، كما أشرنا سابقا، مقياسا لتشتت الدرجات في الفصل، فإذا كان لديك فصلان مثلا، وحسبت متوسط الدرجات لكل فصل على حدة، فوجدت أن المتوسطين متساويان، أمكنك أن تستنتج بصفة عامة أن مستوى الفصلين واحد، على أن هذا الاستنتاج غير دقيق تماما، حيث إن الانحراف المعياري
قد يختلف، فإذا وجدت الانحراف المعياري في أحد الفصلين 7، وفي الفصل الثاني 4، على سبيل المثال، يمكن أن تستنتج أن الفصل الثاني أكثر تجانسا من الفصل الأول، بمعنى أن الفروق بين درجات تلاميذه أقل من الفروق بين درجات تلاميذ الفصل الأول.. كذلك يفيدك الانحراف المعياري مع المتوسط في تحديد الوضع الدقيق بالنسبة لكل تلميذ في الفصل.."1.
لكن التقويم مرجعي الميعار يتمتع بعيوب كثيرة، لعل أهمها ما يأتي:
أولا: يكمن أهم عيب من عيوب هذا اللون من التقويم في أهم سمة من سماته، وهي قدرة أسئلته على التمييز، أي: أن يكون السؤال متوسطا بحيث يستطيع 50% من التلاميذ الإجابة عنه إجابة صحيحة و50% منهم يعجزون عن الإجابة الصحيحة عنه، وهذا يعني أن الأسئلة التي يجيب عنها المتعلمون جميعا تقريبا إجابة صحيحة، لأنها تتناول معارف أو مفاهيم هامة، قد اهتم المدرس بمناقشتها مع المتعلمين، وتلك التي يجيب عنها المتعلمون جميعا تقريبا إجابة خاطئة، لأنها تتناول حقائق أو مفاهيم هامة لكن المدرس أهملها؛ هذان النوعان من الأسئلة لا قيمة لهما في الاختبار الذي يتبع فلسفة التقويم المرجعي المعيار، واستبعاد هذين النوعين من الأسئلة يفقد الاختبار قيمته وأهميته كأداة للتقويم والكشف عن نواحي القوة ونواحي القصور في تحصيل تلاميذه، وفي طرق وأساليب تدريسه، وفي كل مكونات المنهج بصفة عامة، كما أن الاهتمام بقصر أسئلة الاختبار على الأسئلة المميزة، قد يدفع واضع الاختبار إلى التركيز على التفاصيل التافهة، وإهمال الأساسيات والمفهومات التي من خلالها تتحقق أهداف المنهج، وبذلك يفقد الاختبار أهم الصفات التي يجب توافرها فيه وهي الصدق والشمول.
ثانيا: يقوم هذا اللون من التقويم على أساس مقارنة التلميذ بأقرانه في حجرة الدراسة أو في الصف الدراسي، وهذا قد يكون له انعكاساته الضارة على تحصيله وتقدمه، فالتلميذ الذي يحتل مركزا متفوقا في حجرة الدراسة بشكل مستمر قد يدفعه هذا إلى التراخي والكسل، وعدم بذل مزيد من الجهد والعمل، والتلميذ الذي يحتل مركزا متوسطا ومتدنيا قد يدفعه هذا إلى اليأس والقنوط والكف عن بذل الجهد والعمل.
ثالثا: إن قصر تقويم التلاميذ على أساس مقارنتهم بزملائهم دون نظر إلى المستوى الذي وصلت إليه المجموعة ككل، يعني الرضا بنجاح التلاميذ دون الوصول إلى مستوى الأداء الجيد أو الممتاز، وهو مستوى الإتقان للمهارة أو فهم المعلومات
1 المرجع السابق، ص431.
والمفهومات فهما جيدا والقدرة على تطبيقها وتحليلها وتفسيرها وتقويمها، وهذه هي المستويات الضرورية لرفع مستوى التعلم وحسن الأداء1.
التقويم مرجعي المحك:
لكل ما سبق، فإن التقويم مرجعي المحك هو الذي يستطيع المدرس والمنهج، بل والنظام التعليمي كله، التغلب به على العيوب السابقة وتلافيها.
ففي هذا النوع من التقويم تفسر درجة التلميذ وفقا لوصفها لسلوكه، ومدى قرب هذا السلوك أو بعده من مستوى الأداء المطلوب، فالأداء بشكل معين، وتحقيق الأهداف هما المعيار الذي نفسر درجة المتعلم في ضوئه، وفي هذا اللون من التقويم أيضا، لا يقارن التلميذ بزملائه، وإنما يقارن بنفسه، لمعرفة مدى تقدمه من اختبار لآخر وفقا لأهداف المنهج المحددة سلفا.
وتقاس دقة أسئلة الاختبار هنا بمدى صدقها في قياس أداء المتعلم، لمعرفة مدى قربه أو بعده عن مستويات الأداء المطلوبة، والتي تمثل الأهداف التعليمية للمنهج أو البرامج أو الوحدة أو الدرس، وفي ضوء هذه المستويات أو الأهداف ينجح المتعلم أو يرسب.
فإذا جاز لنا أن نقارن ونختار بين الأسلوبين السابقين في ضوء موجهات السلوك الإنساني في منهج التربية في التصور الإسلامي، فإننا نختار التقويم مرجعي المحك، الذي يقوم المتعلم عن طريقه، وفقا لمدى قربه أو بعده من درجة الإتقان في العمل وحسن الأداء، وتحقيق الأهداف.
والدليل على ذلك قول الله تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] فالمطلوب من الإنسان -طبقات لهذا المنهج الرباني- ليس مجرد العمل، وإنما الإحسان في العمل، والإحسان في الأداء.
ويؤكد هذا -أيضا- قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" ، فالمطلوب ليس مجرد العمل، وإنما المطلوب هو الوصول إلى درجة الإتقان في العمل.
ويتفق هذا كله مع وظيفة الإنسان ووضعه في النظام الإسلامي العام، فالإنسان خليفة الله في الأرض، وقيام الإنسان بحق الخلافة، إنما يكون بعمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله، وعمارة الأرض وترقيتها لا يكون بمجرد العمل والأداء، بل يكون بإتقان العمل، وحسن الأداء.
1 المرجع السابق، ص432.