الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاجات الإنسانية:
ترتبط حاجات الإنسان بأهداف الحياة الإنسانية وغاياتها عموما، لكن الناس يختلفون في طرق إشباع حاجاتهم، كما يختلفون في أهدافهم، وفي طرق تحقيقها تبعا لاختلاف عقائدهم التي من خلالها يرون الكون والحياة، وعلى أساسها يفسرون السلوك الإنساني وغاياته.
وتندرج الحاجات الأساسية للإنسان في مجموعتين: مجموعة الحاجات العضوية المتصلة بجانب الجسم، وإن كان لها بعض الغايات الوجدانية، ومجموعة الحاجات الشعورية والانفعالية المتصلة بجانب الوجدان والضمير. وهذان النوعان من الحاجات ضروريان لقوة النفس وأمنها واستقرارها:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4]، فالحرمان منهما لون من ألوان العقاب والفزع للنفس الإنسانية:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112] .
الحاجات العضوية:
إن إشباع الحاجات العضوية -كالحاجة للطعام والشراب والإخراج والجنس والراحة- أمر ضروري لا يمكن الاستغناء عنه، لكن الإسلام لا يعتبر إشباع هذه الحاجات غاية في ذاته، بل لإمداد الإنسان بالمتعة والقوة اللتين تحققان له التوازن وتعينانه على عبادة الله، عن طريق أدائه لوظيفة الخلافة في الأرض أحسن الأداء، فإشباع الحاجة الجنسية -مثلا- ليس من أجل المتعة فقط، بل أيضا من أجل ضمان حفظ النوع البشري، وتنظيم حياة الفرد والأسرة والمجتمع:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72] .
إن إشباع الحاجات العضوية يؤدي إلى تحقيق بعض غايات النفس الإنسانية، وهي تحقيق المتعة والقوة والطاقة والحيوية اللازمة لتحقيق أهداف الحياة كما أرادها الله:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] .
الحاجات الوجدانية:
أما الحاجات الوجدانية فهي حاجات ضرورية أيضا، ويستحيل إغفال إشباعها مع الإبقاء على توازن الكل الإنساني أو النفس الإنسانية، ومن أهم هذه الحاجات وأولاها هي الحاجة إلى الإيمان بوحدانية الله وألوهيته، وإلى الاعتماد عليه، والاستنجاد به، فهذه حاجة فطرية في النفس البشرية، فطر الله الناس عليها: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] .
فالإنسان مفطور على الإيمان بالله الواحد، وهو لا يميل عن التوحيد إلا إذا فسدت فطرته بعوامل خارجية، ومهما طالت فترة الانحراف عن الفطرة، فلا بد من العودة إليها، وإلا انعدم التوازن النفسي.
ومن الحاجات الوجدانية الهامة: الحاجة إلى الأمن والاستقرار، والحاجة إلى الحب وتقدير الآخرين، والحاجة إلى التقدير الذاتي والاجتماعي، والحاجة إلى تحقيق الذات، فالحاجة للأمن والاستقرار أساسية لعطاء الإنسان وإنتاجه ومساهماته في عمارة الأرض، ولذلك أمر الله الإنسان أن يحسن إلى الناس كما أحسن الله إليه، وألا يلجأ إلى الإفساد في الأرض، فمن شأن هذا أن يوفر الأمن والاستقرار في نفوس الناس:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77] .
ويهدف إشباع الحاجة إلى الحب إلى تحقيق الود والتعاون، وتخليص النفس من أوشابها وأدرانها، ولقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة أن يقيم مجتمعا على أساس المحبة والإخاء، فكان أول شيء فعله هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فكان ذلك الحب والإخاء في الله الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا، وقد كانت النتيجة هي العزة والقوة والمنعة والنصر:{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62، 63] .
أما حاجة تحقيق الذات، فهي من أهم الحاجات، وإشباعها ضرورة ملحة للشخصية السوية. والهدف من إشباعها هو تحقيق إنسانية الإنسان، عن طريق احترام الفرد لذاته، وشعور الآخرين معه بإيجابية دوره وفعاليته في واقع الأرض.
ولقد يسر الإسلام كل السبل أمام الإنسان كي يحقق ذاته:
- فزوده بالاستعدادات الكامنة فيه والقابلة للخير والشر.
- وزوده بالقدرات الكامنة والموجهة لاستعداداته.
- سخر له ما في البر والبحر لخدمته وتيسير مهمته في عمارة الأرض.