الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: الشمول
إن الدين في المفهوم الإسلامي -كما سبق أن قلنا- هو النظام العام أو المنهج الذي يحكم الحياة، فلا يوجد عمل، أو فكر، أو سلوك؛ ولا توجد صغيرة، ولا كبيرة في هذا الكون، وفي هذه الحياة إلا وتخضع للأصول، أو الروح المنظمة للكليات والجزئيات في هذا النظام أو المنهج.
والأهداف التربوية "كلها" والتي تكون جزئية في النظام أو المنهج هي أهداف دينية، فتدريب التلميذ على تلاوة آية من القرآن أو حفظها، أو فهمها هو هدف ديني، وقراءة المتعلم لحديث من أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمه هو هدف ديني، وتدريب التلميذ على حل مسألة حسابية هو هدف ديني، وإعانة المتعلم على فهم معادلة رياضية أو إجراء عملية هو هدف ديني، ومساعدة المتعلم في عمل تدريبات في الرياضة البدنية، أو في إتقان مهارة رياضية هي هدف ديني، وتدريب التلاميذ على القراءة الصامتة مع السرعة، أو على القراءة الجهرية مع الطلاقة هو هدف ديني
…
وهكذا.
إنه -باختصار- لا يوجد في منهج التربية هدف ديني، وهدف غير ديني، إنه ليحلو للكثيرين في مدارسنا أن يقسموا الأهداف إلى أهداف دينية، وهي تلك التي تتصل بالقرآن والحديث والسيرة والنبوية وأمثال ذلك. وإلى أهداف أخرى، وهي تلك التي تتصل بأهداف تعليم كل المواد الأخرى كاللغات، والمواد الاجتماعية، والعلوم والرياضيات.. إلى آخره، إن هذه النظرية لا تمت إلى الدين الإسلامي بصلة، ولا علاقة لها به، لأنها ببساطة تفصل بين الدين والدنيا، وهذا ليس من الإسلام في شيء. ذلك لأن نشاط الإنسان كله عبادة الله، ما دام متجها به إلى الله.
إن مفهوم العبادة كما سبق أن ذكرنا، مفهوم شامل، فكل عمل أو فكر أو سلوك يقوم به الإنسان في ليل أو نهار، يبتغي به وجه الله، فهو عبادة لله، فالعبادة في الإسلام تشمل الشعائر والشرائع معا. أي: إنها تشمل ما درج الفقهاء على تسميته -عادة- بالعبادات والمعاملات. إن العبادة في الإسلام تشمل كل فكر وسلوك الإنسان لأن الإسلام وحدة لا تتجزأ.
وعلى هذا، فكل هدف يقصد من ورائه تدريب التلميذ على تعلم شعيرة أو تشريع، أو مهارة، أو فكرة، أو اتجاه، فهو هدف ديني، ما دام القصد هو إقدار المتعلم على المساهمة في عمارة الأرض وترقيتها بإيجابية وفاعلية وفق منهج الله.
إن تقسيمنا للأهداف إلى أهداف دينية، وأهداف أخرى غير دينية، ما هو إلا أثر من آثار اتباعنا لمناهج الغرب التي تفصل بين الدين والدنيا، وبالتالي بين تعليم الأمور الخاصة بالعلوم الشرعية، والأمور التي تتصل بالعلوم الكونية، وهذا التقسيم لا يتفق مع الإسلام جملة وتفصيلا.
وإذا كان الشمول يعني كل جوانب النشاط الإنساني، المعرفي والوجداني والحركي، فإنه يشمل أيضا كل جوانب النفس الإنسانية: العقلية، والوجدانية، والجسمية.