الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَسْخَرُونَ} [هود: 37، 38] وكانت النتيجة أن نجا نوح ومن آمن معه في السفينة التي صنعها، وغرق الباقون.
وقد علم الله نبيه داود مهارة الحدادة وصناعة الدروع الحربية: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80]، ويقول في شأن داود أيضا:{وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} "دروع واسعة سابغة واقية"{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} "أي: اجعله بقدر يناسب المهمة التي عمل من أجلها"{وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ: 10، 11] ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجيد مهنة التجارة، كما اشتغل بالرعي.
من كل ما سبق يتضح لنا ضرورة اهتمام محتوى منهج التربية بالعمل يدويا كان أو عقليا أو فنيا، وبالإتقان فيه، وبضرورة اشتمال محتوى منهج التربية على مواد كسب المهارة وتعلم الصناعات، وإتقان المهارات على اختلاف أنواعها، وبما يتفق مع قدرات المتعلمين واستعداداتهم.
معايير جودة المحتوى:
ومحتوى منهج التربية والتعليم ينبغي أن تحكمه مجموعة من المعايير التي يجب أن تتوافر فيه، وأهم هذه المعايير ما يلي:
أولا: أن يكون متسقا مع التصور الإسلامي شكلا ومضمونا، فلا يكون فيه ما يخالف القرآن والسنة نصا أو روحا، ولا يجوز أن يخالف تعاليم السماء.
ثانيا: أن يكون هذا المحتوى محققا للأهداف العامة التي سبق ذكرها والأهداف الخاصة المنبثقة منها.
ثالثا: أن تتكامل فيه علوم الوحي وعلوم الكون، فكلاهما من آيات الله، فهناك قدر ضروري من علوم الوحي لكل إنسان، فهو فرض عين، ودراسته إلزامية، وهذا القدر مختلف كما وكيفا باختلاف طبيعة كل مرحلة وأهدافها، أما دراسة علوم الكون فهي ضرورية وإجبارية عندما يحتاجها المجتمع، فإذا اكتفى منها فإنها تتحول إلى اختيارية وفرض كفاية.
وما سبق يعني ضرورة أن تكون الحقائق والمعايير والقيم الثابتة، وكذلك المعارف والخبرات والمهارات الإنسانية المتغيرة، متكاملة أفقيا: فما يقدم في كل عام وكل مادة في مرحلة معينة أو لمستوى معين لا بد أن يكون مترابطا ومتكاملا، يعضد بعضه بعضا، ويكمل بعضه بعضا، ولا بد أن يكون مترابطا رأسيا أيضا: بمعنى أن
ما يقدم في المراحل المتتابعة لا بد أن يكون شاملا ومتكاملا، ومتدرجا من العموم إلى الخصوص، ومن البسيط إلى العميق.
وخاصية الشمول هذه لا تتوافر بشكل صحيح إلا لمنهج مثل منهج الإسلام في التربية، الذي ينطلق من قاعدة واحدة وتصور واحد، ويهدف إلى غايات ومقاصد متعددة، مع اختلاف الأساليب والطرائق في تحقيقها.
رابعا: أن يكون المحتوى مناسبا لنوعيات المتعلمين الصغار والكبار، ففي المدرسة الابتدائية يكون التركيز على تكوين المفاهيم الجوهرية، كمفهوم حقيقة الألوهية، ومفهوم الكون، ومفهوم الإنسان والطبيعة الإنسانية، ومفهوم الحياة.
كما يجب أن يركز المحتوى أيضا على تربية الضمير والوجدان من خلال الحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة، وعن طريق القدوة، والتلقين، والتقليد، ثم التفكير الإسلامي المنظم.
وفي المدرسة الإعدادية، يبدأ تساؤل الطلاب عن مصدرهم ومصيرهم، وعلاقتهم بالكون من حولهم، ووظيفتهم في الحياة، وهنا تبرز أهمية تعميق التصور الإسلامي لحقيقة الألوهية، وحقيقة الكون والإنسان والحياة، وطبيعة موقف الإنسان من الكون وعلاقته بالحياة غيبها وشهودها.. وهنا يبدو التلاميذ مشتاقين إلى معرفة النظم التي تحكم العالم من حولهم، وطبيعة النظام الذي يعيشون فيه.
وهنا تبدو أهمية دراسة الشريعة والقانون، والاقتصاد والسياسة، والتاريخ والجغرافيا، والطبيعة الإنسانية في التصور الإسلامي، في هذه المرحلة العمرية يختل توازن عمليات النمو لدى التلاميذ.. ووظيفة المنهج هي محاولة إعادة التوازن، والتقليل من الاضطرابات، وتقبل الأوضاع التي تطرأ، والعمق في فهم فطرة الإنسان وطبيعته البشرية التي طبعه الله عليها.
وهنا مرحلة اختيار الأصدقاء والأصحاب، وتنمية الولاءات وتنمية مهارات العمل وقوانينه والإحسان فيه، وهنا تظهر أهمية غرس قيم الحرية والمسئولية، والعلم، والعدل، والوحدة، والجهاد، والتعاون، والتراحم، والتكامل.. في هذه المرحلة تظهر المسألة الجنسية بصورة حادة، ومن الخطأ القيام بأي شيء يؤدي إلى كبت الدوافع الجنسية أو استقذارها، والمطلوب من المنهج هو تهيئة الفرص أمام الطلاب لتصريف طاقاتهم بالانشغال في الأعمال المدرسية والاجتماعية الإيجابية البناءة، فالبيئة الغنية بالأعمال الصالحة تخفف من حدة الجنس إلى حد كبير، ومن المهم هنا أيضا إحاطة التلاميذ بجو نفسي واجتماعي فاضل وتهيئة الفرص أمامهم لتوجيه قواهم وطاقاتهم في الدراسات الجادة والأعمال النافعة.
خامسا: أن يكون المحتوى نظريا وتطبيقيا
إن التصور الصحيح للمعرفة، هو أن تكون نظرية وعملية معا، فالمعرفة "الذهنية" التي لا تتحول إلى سلوك عملي هي معرفة ميتة لا يعتد بها.
روى ابن سعد في طبقاته أن أبا عبد الرحمن السلمي قال: "إنا أخذنا هذا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر، حتى يعلموا ما فيهن، ويعملوا بهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به.. وأنه سيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم، بل لا يجاوز حلوقهم".
ودلالة هذا أن المعرفة النظرية المجردة، ليست هي المعرفة التي يعتد بها منهج التربية في التصور الإسلامي، لأنها معرفة سطحية وميتة، لا تفعل شيئا في واقع الحياة، ولا ترقي سلوك الإنسان، إذن فوجودها وعدمه سواء، إن هذا يعني أيضا أن محتوى منهج التربية يجب أن يزود المتعلمين بالحقائق والمفاهيم والمهارات والخبرات التي تزيد من إيجابيتهم وفاعليتهم في القيام بإعمار الأرض، وترقية الحياة على ظهرها، وهذا هو مقتضى العبادة، ومقتضى الخلافة في الأرض.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] ، إن الإسلام يبتغي الحركة من وراء المعرفة، ويبتغي أن يستحيل هذه المعرفة إلى قوة دافعة، لتحقيق مدلولها في عالم الواقع، وبذلك يرتبط الإيمان بالله بتنفيذ منهجه، وترتبط المعرفة بالعمل والسلوك في واقع الحياة.