الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53] . من الضروري أن يكون من أهداف مناهج التربية بناء الإنسان المؤمن بالله، والتابع لرسوله، الشاهد على ذلك، والشهيد في سبيل ذلك، لا بد من تربية الإنسان على أنه مطلوب منه أن يؤدي شهادة لهذا الدين، شهادة تؤيد حق هذا الدين في البقاء، لخير الجماعة ولخير البشرية كلها.
وهو لا يستطيع أن يؤدي هذه الشهادة إلا إذا جعل من نفسه ومن خلقه، ومن سلوكه ومن حياته صورة حية لهذا الدين. صورة يراها الناس فيرون فيها مثلا رفيعا يشهد لهذا الدين بالأحقية في الوجود، وبالخيرية والأفضلية على سائر ما في الأرض من أنظمة وأوضاع ومؤسسات.
لابد من تربية الإنسان الذي يفهم أنه لا يستطيع أن يؤدي هذه "الشهادة" حتى يجعل من هذا الدين قاعدة حياته، ونظام مجتمعه وشريعة نفسه وقومه، وأن يجاهد في سبيل ذلك، ويؤثر الموت في سبيله على الحياة في ظل مجتمع آخر لا يحقق منهج الله في حياة الجماعة البشرية.. إن هذا الإيثار، وهذا الجهاد في سبيل منهج الدين هو شهادة من المسلم بأن هذا الدين خير من الحياة ذاتها، وأنه أعز ما يحرص عليه في حياته، ومن ثم يدعى "شهيدا" إذا عاش مجاهدا في سبيل تحقيق ذلك، أو مات مجاهدا في سبيل تحقيقه سواء.
7-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
الهدف الثامن: هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الهدف هو "صفة" أمة الإسلام، وهو في ذات الوقت "وظيفة" هذه الأمة وسبيلها إلى تحقيق الأهداف السابقة.
فالله سبحانه وتعالى يصف الأمة المسلمة لنفسها، ليعرفها مكانها وحقيقتها، ويطمئنها من جانب عدوها:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ، لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} [آل عمران: 110، 111] .
يقول بعض المفسرين: "إن التعبير بكلمة "أخرجت" المبني لغير الفاعل، تعبير يلفت النظر، وهو يكاد يشي باليد المدبرة اللطيفة، تخرج هذه الأمة إخراجا، وتدفعها إلى الظهور دفعا من ظلمات الغيب.. إلى مسرح الوجود"1.
1 المرجع السابق، ص446-447.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى يكرم هذه الأمة، ويرفع مقامها ويفردها بمكان خاص لا تبلغ إليه أمة أخرى، فهو يضع على كاهلها واجبا ثقيلا، فهي أمة ذات دور خاص، ولها حساب خاص.
"في أول مقتضيات هذا المكان أن تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد.. وأن تكون لها القوة التي تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي أمة أخرجت للناس.. "لتقوم بهذا" العمل الإيجابي لحفظ الحياة البشرية من المنكر، وإقامتها على المعروف، مع الإيمان الذي يحدد المعروف والمنكر:{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]1.
وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو "صفة" الأمة الإسلامية -كما سبق أن رأينا- فهو أيضا وظيفتها التي عن طريقها تقيم منهج الله في الأرض وتغلب الحق على الباطل، والمعروف على المنكر، والخير على الشر.. هذه الوظيفة التي من أجلها أنشئت الجماعة المسلمة بيد الله وعلى عينه، ووفق منهجه.. هذه الوظيفة يقررها الله في قوله:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] .
فلا بد من جماعة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لا بد من سلطة في الأرض تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والذي يقرر أنه لا بد من سلطة، هو مدلول النص القرآني ذاته. فهناك "دعوة" إلى الخير، ولكن هناك كذلك "أمر" بالمعروف. وهناك "نهي" عن المنكر. وإذا أمكن أن يقوم "بالدعوة" غير ذي سلطان، فإن "الأمر والنهي" لا يقوم بهما إلا ذو سلطان2.
ومن ثم فلا بد من جماعة تتلاقى على هاتين: الإيمان بالله، والأخوة في الله، لتقوم على هذا الأمر العسير الشاق بقوة الإيمان والتقوى، ثم بقوة الحب والألفة. وكلتاهما ضرورة من ضرورات هذا الدور الذي ناطه الله بالجماعة المسلمة، وكلفها به هذا التكليف. وجعل القيام به شريطة الفلاح، فقال عن الذين ينهضون به:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] .
1 المرجع السابق، ص447.
2 المرجع السابق، ص444.