الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعثات من طلابنا يتلقون عنهم علوم الإسلام، ويتخرجون في جامعاتهم، ثم يعودون إلينا مدخولي العقل والضمير!
إن هذا القرآن قرآننا. قرآن الأمة الإسلامية. وهو كتابها الخالد الذي يخاطبها فيه ربها بما تعلمه وما تحذره: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] .. {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] .
والخلاصة: منهج التربية يجب أن يعتمد أساسا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو عندما يتعرض للاجتهادات الفقهية القديمة، لا يتحرج من وزنها على أساس موضوعي، فيقبل ما يراه مناسبا للاسترشاد به، ويدع ما لا يتناسب مع معطيات الزمان، والمكان، وحاجات الناس، والتلقي في هذا المنهج لا يتم فيما يتصل بعلوم الشريعة، والفنون والآداب والتربية، وكل العلوم الإنسانية -لا يتم إلا على يد مسلم يوثق في علمه وتقواه. أما فيما يتصل بالعلوم البحتة فيجوز التلقي فيها على يد غير المسلمين عند الضرورة.
19-
إدراك الطلاب الفرق بين الإسلام والتراث الإسلامي:
يجب أن تفرق مناهج التربية بين الإسلام من جانب، وبين التراث عموما، والتراث الإسلامي على وجه الخصوص، من جانب آخر.
فالتراث عموما، بجميع جوانبه وألوانه -من آداب وفنون وآثار تاريخية وجغرافية، اقتصادية وسياسية واجتماعية، مادية وفكرية، نظرية وعلمية- هو صناعة إنسانية، تاريخية ومتحفية.
والتراث الإسلامي هو كل ما تركه المسلمون من اجتهادات في الآداب، والفنون، والعلوم، والفقه، والتنظيمات والطرائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. إلخ. التي تتفق مع الإسلام نصا أو روحا، أو لا تختلف معه على الأقل.
والتراث في كلتا الحالتين السابقتين هو صناعة إنسانية تاريخية ومتحفية، نامية ومتطورة، والفرق بين التراث الإسلامي وغيره. هو أن التراث الإسلامي اجتهادات وابتكارات في جميع جوانب الحياة ووسائلها في ضوء التصور الإسلامي. فهو تراث على درجة عالية من الثبات في الاتجاه؛ فهو لا ينقل من النقيض إلى النقيض، بل يرتقي صعودا بالحياة الإنسانية وفق منهج الله. أما بالنسبة للتراث العام، فتراث كل أمة إنما ينمو ويتطور صعودا أو هبوطا -وقد ينتقل من النقيض
إلى النقيض- في ضوء معتقداتها المتغيرة، وفلسفاتها البشرية. ونظرياتها التي تتبناها لتوجيه حياتها.
أما الإسلام -قرآنا وسنة- فهو منهج الله لحكم الحياة كلها، في كل زمان، وفي كل مكان. ومن ثم فهو ليس صناعة إنسانية، وإنما هو وحي ثابت من الله. وهو لأنه صناعة ربانية، وليس صناعة إنسانية، فهو ليس آثارا متحفية أو تاريخية، يمكن أن نتعامل معه أو نقننه كوثائق متحفية يستشهد بها في المناسبات والمواسم، كما يريد المستشرقون. فالمستشرقون ومن هم على شاكلتهم يريدون أن يصبغوا الإسلام بهذه الصبغة، لتتم زخرفة الحياة رويدا رويدا بعيدة عنه.. وبذلك يمكن تحنيطه بعد ذلك، وتحويله إلى تراث متحفي!
والمهم هنا أن نفهم أن التراث عموما -بما في ذلك التراث الإسلامي- هو عملية ثقافية وحضارية نامية ومتطورة بصورة نسبية من مجتمع لآخر. فكل مجتمع يطور تراثه الثقافي والحضاري وينميه كما وكيفا وفقا لتصوراته الثابتة والمتغيرة.
أما الإسلام -قرآنا وسنة- فهو منهج إلهي، اكتمل بناؤه في ثلاث وعشرين سنة، ابتداء من إشراقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء، إلى وفاته عليه الصلاة والسلام، فالنقطة المركزية هنا هي أن الإسلام ليس ناميا ولا متطورا في ذاته، وإنما المسلمون، بل والبشرية كلها هي التي تنمو ويرقى فهمها للإسلام على مر العصور.
مما سبق يتضح لنا أننا يجب أن نصمم مناهجنا ونربي أجيالنا على أساس أن الإسلام -قرآنا وسنة- هو "أصول" إلهية، تشتمل على منهج إلهي لحكم الحياة، كل الحياة. وعليه فنحن ملزمون بهذه "الأصول" الإلهية إلزاما مطلقا في كل شيء، وفي كل زمان، وفي كل مكان.
وأما التراث الإسلامي بكل ما يحتويه من آداب وفنون وعلوم، وفقه، واجتهادات في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية، والتاريخ والجغرافيا والفلك.. إلخ، وكل الجوانب النظرية والممارسات العملية المتراكمة على مر العصور، هذه كلها يجب على مناهجنا أن تدرسها دراسة تحليلية تفسيرية تقويمية في ضوء المعايير والقيم الأصولية الثابتة لمنهج الله.
كما يجب دراسة التراث الإسلامي أيضا في ضوء معطيات العلوم الحديثة. فوظيفة معطيات هذه العلوم هي -بالإضافة إلى ترقية فهمنا لنظام الله ومنهجه ونواميسه الكونية -مساعدتنا على دراسة وفهم تراثنا وتقويمه من أجل تطويره وترقيته.
وهنا تبرز نقطة في غاية الأهمية والخطورة، وهي أننا يجب أن نفرق بين لي ذراع الأصول الإسلامية -كآيات القرآن مثلا- لتوافق معطيات العلوم الحديثة، وبين الاستفادة من المعطيات المتجددة لهذه العلوم في ترقية فهمنا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فالموقف الأول خطأ في المنهج، وانهزام في المأخذ، لا يصح ولا يتناسب مع جلال كتاب الله وعالميته وشموله. أما الموقف الثاني فهو موقف المجتهدين الذين يتحلون باستعلاء الإيمان اللائق بمنهجهم الرباني، بينما هم يساهمون بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله.
إذن فالغرض من دراساتنا لتراثنا هو أن نطور هذا التراث ونرقيه. ونستأنس ونسترشد بما فيه من أفكار حية، وقيم باقية، وطرائق وأساليب صالحة. فنحن قد نتفق مع بعض موضوعات هذا التراث، وقد نختلف مع بعضها الآخر؛ لذلك لسنا ملزمين به إلزاما، وذلك على العكس مع "الأصول" كما رأينا.
وليس معنى ما سبق أن نهمل دراسة التراث الإنساني العام. إذ لا بد من دراسة هذا التراث دراسة واعية ناقدة وفقا لمعايير الإسلام وقيمه الإنسانية الشاملة. وبذلك نستطيع أن نأخذ منه ما يتمتع بالمصداقية، ويتسق مع نواميس الله الكونية، وندع منه كل ما يتصل بتفسير السلوك الإنساني القائم على الولاءات المحدودة والانتماءات العنصرية المتصلة باللحم والدم، أو الأرض والطين.
ونحن إذ نقوم بدراسة التراث الإنساني، يجب أن نتمسك بعدة اعتبارات: الأول أن ديننا دين رباني، عالمي، ثابت، شامل، الثاني أن "الوسطية" و"الشهادة على الناس" قد عقدهما الله لهذه الأمة، ما دامت متمسكة بدين الله، وأن تدرك الأمة أن تمكين الله لها في الأرض، ومن ثم قيادتها وريادتها في مسيرة الارتقاء الإنساني مرهون بهذا التمسك بدين الله. الاعتبار الثالث هو أن تدرك الأمة أنها أمام تراث إنساني معاد للإسلام، وساع إلى ابتلاعه، فإذا لم تقم مناهج تربية الأجيال بدراسة هذا التراث دراسة علمية موضوعية على أساس من نواميس الله وسننه الكونية، فسوف تجد الأمة نفسها في حالة دفاع مستمر عن النفس. لا وسطية لها، ولا شهادة على الناس!
والخلاصة: أن مناهج التربية أمامها ثلاثة مستويات للدراسة والفهم:
المستوى الأول: هو مستوى الإسلام، أو "الأصول" الإسلامية غير التراثية، المتمثلة في القرآن والسنة. وهذا هو المستوى الرباني العالمي الثابت الشامل. ووظيفة مناهج التربية هي الاجتهاد في تنمية فهمنا له، وتجديد وترقية هذا الفهم دائما وأبدا.