الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11-
التأكيد على أن أقوات الأرض مقدرة فيها منذ خلقها الله، وأن فيها الكفاية، إذا تم استثمار ما فيها بالعلم والعدل وفق منهج الله.
12-
التأكيد على أن الكون مسلم طائع لربه، مؤمن عابد لمولاه وخالقه، وأنه كون ذو روح تعرف ربها الحق، فتستسلم له طائعة، وتسجد له خاشعة، وتسبح له عابدة، وتغار على جلاله، وتنتفض لمهابته، وتغضب للشرك به من البشر الجهال1.
1 المرجع السابق.
العلم والمعرفة ومفهوم التعلم:
مما سبق يتبين لنا أن المعرفة عن طريق الوحي، والمعرفة عن طريق العقل والكون يتكاملان ولا يتعارضان، فالعقل الإنساني قادر على التفاعل مع الكون والتأمل فيه، والتجريب على الأشياء الموجودة فيه، والمعرفة العقلية الصحيحة لا تقع خارج دائرة المعرفة التي تدعو إليها الشريعة، وصريح المعقول لا يتعارض مع صريح المنقول كما يقول ابن تيمية.
المعرفة الإنسانية كالعلم، وسيلة وليست غاية في ذاتها، فغاية المعرفة إقدار الإنسان على الإسهام بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض، وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله.
والفرق بين العلم والمعرفة -كوسائل للتربية- يرجع -كما يقول الراغب الأصفهاني- إلى أن المعرفة تستخدم للدلالة على ما تدرك آثاره وإن لم تدرك ذاته، أما العلم فلا يكاد يطلق إلا على ما تدرك ذاته، ولهذا يقال: إن الإنسان يعرف ربه، ولا يقال: إنه يعلم ربه، فكأن المعرفة تأتي من خلال التعامل غير المباشر بالموضوع المدرك، ومن هنا فإنها تكون أقل دقة من العلم، ولهذا يوصف الحق تبارك وتعالى بأنه "عالم"، ولا يوصف بأنه "عارف"، والعلم لا يكون عن جهل، بينما المعرفة قد تسبق بجهل.
والعلم والمعرفة في منهج التربية لا بد أن يسيرا إلى تطبيق عملي، والتطبيق العملي هذا لا بد أن يكون في المربي الأسوة، بحيث لا يفهم المربى أن هناك علما تحشى به الرءوس، وهناك سلوك آخر ينفصل عن مبدأ ذلك العلم، فإذا انفصل العلم عن أنماط السلوك المتصلة به، انهدرت قيمة العلم، وانهدمت قيمة المعرفة، وحينئذ يكون الفساد المطبق الذي يصعب، بل يستحيل، علاجه.
مفهوم التعلم:
التعلم هو تغير في السلوك الإنساني نتيجة للتعليم بوسائله المختلفة، والتعلم عملية تبدأ بدافع فكري، أو بحاجة من حاجات النفس الفطرية أو المكتسبة، مادية كانت أو وجدانية، يصاحب ذلك عند الإنسان إحساس بحاجته إلى الاستعانة بهدي الله وعونه، هذا الإحساس، مع الاستعانة بهدي الله، يدفعان الإنسان إلى النشاط، وبذل الجهد المناسب من أجل الوصول إلى إشباع الحاجة أو حل المشكلة، أي: من أجل الوصول إلى إشباع الحاجة أو حل المشكلة، أي: من أجل الوصول إلى الفهم، ثم يتعدل السلوك طبقا لهذا الفهم. وهنا نقول: إن الإنسان قد تعلم.
إذن فالتعلم يحدث وفقا للخطوات التالية:
1-
الإحساس بالحاجة، أو المشكلة.
2-
الاستعانة بهدي الله، وعونه، على قضاء هذه الحاجة أو حل المشكلة.
3-
بذل الجهد والنشاط المناسبين، أي: الأخذ بالأسباب بدقة ومهارة والإحسان في الأداء.
4-
الوصول إلى الفهم الذهني، أو الحل.
5-
تحويل الفهم الذهني إلى سلوك عملي في واقع الحياة.
إسقاط أية خطوة من هذه الخطوات يخل بالعمل كله، ولا يوصل إلى العلم، ومع ذلك فهناك شرطان أساسيان لحدوث التعلم في منهج التربية: الأول هو الاستعانة بهدي الله وعونه، فإن الشعور والاتجاه لدى الإنسان يدفعه إلى التعرف على موجهات المنهج الإلهي في العمل والنشاط، فيسهل العمل، ويتم الفهم، والشرط الثاني لحدوث التعلم هو تطبيق الفرد وممارسته لما وعى وفهم، يقول -سبحانه- في وصف المتقين:{الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 1-3] . فالمتقون لا يوصفون بهذا الوصف إذا لم يتحول إيمانهم إلى حركة ونشاط في واقع الأرض.
وسائل التعلم:
أما الوسائل والمناشط التي تؤدى إلى العلم فهي أربع، وهي من البسيط إلى المعقد على النحو التالي:
الوسيلة الأولى: هي الأخذ بما يرد على ألسنة الناس، والاعتقاد بأنه الحق، وهذا هو أسلوب العوام من البشر.
والوسيلة الثانية: هي الخبرة المباشرة، وتسمى أحيانا بأسلوب التعلم الفطري وبها يتعلم الإنسان عن طريق المحاولة والخطأ، والعمل، والملاحظة والتجربة، واستخدام الحواس:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] .
والوسيلة الثالثة: الخبرة غير المباشرة، ويسميها الغزالي "التفكير"، ويحدث إذا غلب نور العقل على أوصاف الحس، وهنا يستغني المتعلم بقليل من التفكير عن كثير من إدراكات الحواس.
الوسيلة الرابعة: هي "الإلهام"، والإلهام هو تنبيه الله للنفس البشرية، وإلهامها بالأفكار والعلاقات على قدر صفاتها وقبولها وقوة استعدادها، ومقدار سعيها، وتعلم الإنسان عن طريق الإلهام واضح لا يحتاج إلى دليل في قوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] فالآية دعوة صريحة إلى المؤمنين بتقوى الله، فهو الذي يعلمهم ويرشدهم، وأن تقواه تفتح قلوبهم للمعرفة، وتهيئ عقولهم للتعلم.
ويؤكد هذا الأسلوب أيضا، قول الحق تبارك وتعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8] ، فالإلهام إذن وسيلة من وسائل الإنسان عن طريق القوة الكامنة التي أودعها الله في النفس لتوجيه استعداداتها وطاقاتها المدركة إلى طريق الخير أو إلى طريق الشر سواء.