الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدل بين الأفراد والنظم والمؤسسات:
وظيفة العلم -إذن- هي عمارة المجتمع الإنساني وترقيته، لكن العلم إذا لم يكن مستندا إلى عدل الله، ينقلب إلى وسيلة للخراب والدمار للمجتمع البشري كله! فالعدل -إذن- هو القيمة التي توجه غايات العلم، نحو خير الإنسان والبشرية جميعا.
والعدل كما وضحه بعض الفقهاء والمفسرين هو تنفيذ حكم الله، أي: أن يحكم الناس وفقا لما جاءت به الشرائع السماوية، ولما كانت الشريعة الإسلامية هي كمال هذه الشرائع، فإن العمل بها إذن هو تحقيق للعدل الذي أمر الله به، ويندرج تحت هذا المعنى العام للعدل معانيه الخاصة، فهناك العدل في الحكم، والعدل في النظام الاجتماعي، والعدل في القضاء، والعدل الاقتصادي، والعدل بين الرجل والمرأة، والعدل في الحقوق والواجبات والمعاملة.. إلخ.
فالعدل من الحكام فرض لا يستقيم الحكم إلا به: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] .
والعدل واجب حتى للأعداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] .
وتقوم العدالة في السياسة الاقتصادية على ثلاثة أسس مهمة: الأول: أن المال مال الله، والناس مستخلفون فيه:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] . والثاني هو أن الإسلام كره أن يحبس المال في أيدي فئة قليلة من الناس، بينما يمنع عن الآخرين:{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] . والثالث، هو الملكية الفردية، فالمال مال الله، والناس مستخلفون في مليكة التصرف والانتفاع به، الذي لا يصل إلى السفه.
العدل بين الأفراد والصلات الاجتماعية:
وتقوم العدالة بين الفرد والمجتمع على أساس حركة الفرد، ونوعيتها، وعلاقتها بغيرها داخل المجتمع:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] . فالفرد في المجتمع مرفوع فيما يجيد وفيما يحسن، ومرفوع عليه غيره فيما لا يجيده ولا يحسنه، إذن فكل فرد فاضل في جهة ومفضول عليه في جهة أخرى. فالمفضول عليه يسخر الفاضل لخدمته.
كما كفل الإسلام المساواة للمرأة مع الرجل في الجنس والحقوق الإنسانية. ولم يقرر التفاضل إلا في بعض الملابسات الخاصة بالاستعداد والخبرة والدربة والتبعة، مما لا يؤثر على حقيقة الوضع الإنساني للجنسين، فحيثما تساوى الاستعداد والدربة والتبعة تساويا، وحيثما اختلف شيء من ذلك كان التفاوت بحسبه.
فالرجل والمرأة من ناحية العمل والثواب والعقاب يتساويان: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] . {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195] .
وفي أحقية كل منهما وأهليته في الملك والتصرف الاقتصادي يتساويان: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] . {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32] .