الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- كرمه وفضله على كثير ممن خلق: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] .
- زوده بالإرادة الحرة التي تعمل في إطار المشيئة الإلهية الكبرى.
- جعله خليفته في الأرض ليعمرها ويرقيها.
إن هذا أكثر مما يحتاجه أي مخلوق كي يحقق ذاته، وقد وفره الإسلام للإنسان، إن هذا يلقى على عاتق التربية -بصفة خاصة- تبعة كبيرة، وتتمثل هذه التبعة في كيفية استثمار كل هذه الاستعدادات والإمكانات والطاقات الكامنة في ذات الإنسان، وفي الأرض حوله من أجل تحقيق ذات الإنسان، وتحقيق ذات الإنسان يتمثل في حسن أدائه لوظيفته كخليفة لله في الأرض، وفق الفطرة التي فطره الله عليها.
النمو والتعلم:
إن نمو الإنسان إلى درجة الكمال التي هيأه الله لها هو الهدف الأسمى لمنهج التربية، فلكل إنسان درجة كمال يمكن أن يصل إليها لو توافرت له الظروف البيئية والتربوية المناسبة.
إذن فالنمو ليس غاية في ذاته، لكنه وسيلة لغاية هي: إيصال كل فرد إلى درجة كماله المهيأ له من قبل الله، وعلى العكس من ذلك يقف جون ديوي -أحد أبرز المؤسسين للفلسفة البراجماتية- فهو يرى أن "الفكرة القائلة بأن النمو والتقدم يرميان إلى هدف نهائي لا يتغير ولا يتبدل، هي آخر أمراض العقل البشري في انتقاله من نظرة جامدة إلى الحياة إلى نظرة مفعمة بالحركة"، فليس للتربية هدف نهائي على حد زعم جون ديوي؛ فالتربية -في رأيه- هي عملية نمو، ولا شيء يحدد النمو سوى مزيد من النمو!
لكن النمو قد يسير في اتجاهات غير مرغوب فيها، فعصابات المافيا والحكومات العنصرية تنمى لدى أعضائها المهارة والقدرة على السرقة والاغتصاب والاحتيال، وكلما زاد نموهم في هذا الاتجاه ازداد قيامهم بمؤامرتهم بسهولة ويسر. إذن فلا بد من وجود ميعار للحكم على قيمة النمو واتجاهه. "ولا يستطيع المرء إصدار حكم على نوعية النمو في قدرة معينة، إلا إذا توافرت لديه معايير تقع خارج تلك القدرة. فالنمو في حد ذاته ليس قيمة، وإنما تعرف قيمته بعد تحديد الاتجاه الذي يسير فيه"1.
1 محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، الجزء الأول، بيروت، دار الشروق، 1402هـ-1982م، ص104-105.
ومن أهم خصائص النمو ما يلي:
- أنه نتيجة للتفاعل بين العوامل الوراثية والخبرات المكتسبة من البيئة المحيطة، بما في ذلك الخبرات التربوية، وبذلك فالإنسان لا يصل بالنمو إلى درجة كماله الإنساني نتيجة للعوامل الوراثية وحدها، بل لا بد من تفاعل هذه العوامل مع العوامل البيئية بصفة عامة، والعوامل التربوية بصفة خاصة.
- أنه متصل اتصالا وثيقا بالنضج، فالنمو لا يسير في الاتجاه الصحيح ولا بالسرعة المطلوبة إلا إذا وصل الإنسان إلى مرحلة النضج المناسبة لذلك، فنمو الطفل في تعلم المشي أو القراءة أو الكتابة لا يسير في سهولة ويسر إلا إذا وصلت الأعضاء الخاصة بذلك إلى مرحلة النضج المناسبة.
- أنه يتجه من العام إلى الخاص، فكل الحيوانات والنباتات بدأت خلية واحدة، ثم انقسمت إلى أعضاء متمايزة.
- أن هناك فروقا فردية في النمو، فالأفراد جميعا لا ينمون بدرجة واحدة، كما أن درجات النمو الجسمي والعقلي والنفسي للفرد الواحد لا تسير بسرعة واحدة.
مراحل النمو:
تتشابه مراحل النمو والتطور لدى بني الإنسان، ولا عجب في ذلك، فالخالق واحد هو الله سبحانه وتعالى، والأب واحد هو آدم عليه السلام، الذي خلقه الله من طين، ونفخ فيه من روحه، ويمكن القول: إن التصنيف العام لمراحل النمو الإنساني واحد تقريبا، والاختلافات الموجودة بين العلماء في تفسير السلوك والعوامل الكامنة خلفه في كل مرحلة من هذه المراحل إنما ترجع إلى العوامل الاعتقادية والاختلافات الثقافية والاجتماعية.
وعملية النمو تتصف بالتدرج والاستمرار، ويمكن تقسيم مراحل النمو وفق المنهج الإسلامي إلى ما يأتي:
- مرحلة الحمل.
- مرحلة الرضاعة.
- مرحلة الطفولة.
- مرحلة البلوغ والمراهقة.
- مرحلة الشباب.
- مرحلة الرجولة والنضج.
- مرحلة الشيخوخة.
العلاقة بين النمو والتعلم:
يختلف العلماء في تفسير العلاقة بين النمو والتعلم، فبينما يهتم برونر Bruner وبياجيه بالنمو للمتعلم ومراحل تفكيره المختلفة، فإن جانييه Robert Gagne يهتم أكثر بشروط التعلم، وبالمحتوى المنهجي، وبكيفية ترتيب الموضوعات بحيث تلائم المتعلم.
فالاستعداد للتعليم عند جانييه يعتمد على كمية ما لدى المتعلم من معلومات وخبرات سابقة، كما يعتمد على طريقة تنظيم الموضوع أو المعلومات الجديدة، فالشخص يكون مستعدا لتعلم فكرة أو مفهوم ما إذا كانت لديه أفكار أو خبرات أو معلومات سابقة متصلة بالمفهوم أو الفكرة التي يريد تعلمها. كما أن طريقة تنظيم وعرض الأفكار أو المفهومات أو المعلومات الجديدة له دخل كبير في إظهار استعداد المتعلم للتعلم، ولذلك فنظرية جانييه لا تنظر إلى مراحل النمو العقلي، وإنما تنظر إلى أنواع التعلم التي تعتمد إلى حد كبير على نوعية الموضوع المعروض للتعلم، وعلى الخبرات السابقة لدى المتعلم.
والأمر على عكس ذلك عند بياجييه وبرونر، فالاستعداد للتعلم عندهما يعتمد على النضج العقلي للشخص وطريقة تفكيره بغض النظر عن كمية المعلومات التي لديه، فالشخص يكون مستعدا لتعلم فكرة أو مفهوم ما إذا كان لديه القدرة العقلية عن استيعاب هذه الفكرة، يعني إذا كانت طريقة تفكيره ملائمة لتقبل الفكرة أو المفهوم الجديد.
وهكذا يقف أبرز علماء هذا العصر من المربين الغربيين على طرفي نقيض في تفسير العلاقة بين نمو الشخص المتعلم، ومحتوى التعلم أو الموضوع المراد تعلمه، وحدوث عملية التعلم ذاتها، فبينما يرى البعض أن الاستعداد للتعلم وحدوث عملية
التعلم تتم اعتمادا على الموضوع المراد تعلمه، ومدى الخبرات السابقة الموجودة لدى المتعلم والمتصلة بهذا الموضوع، تجد البعض الآخر يركز على درجة النمو العقلي التي وصل إليها المتعلم وطريقة تفكيره، بغض النظر عن الموضوع المراد تعلمه والخبرات السابقة المتصلة به.
إننا لا نرى لهذا الاختلاف سببا ولا داعيا، فالتعلم يحدث لو توافرت الشروط التالية:
- أن يكون المتعلم في مرحلة النمو المناسبة.
- أن يستخدم طريقة التفكير المناسبة لموضوع التعلم.
- أن تتوافر لديه الخبرات السابقة التي تعينه على فهم الموضوع الجديد.
- أن ينظم الموضوع ويعرض بالشكل المناسب لدرجة النمو العقلي للمتعلمين ولنوعية الموضوع نفسه.
إن الإنسان ليس جهازا أو حاسبا آليا، تزوده بالمعلومات والمواد الدقيقة من جانب ليعطيك النتائج من جانب آخر، إنه كائن عظيم، خلقه الله في أحسن تقويم، وبث فيه من روحه، فهو يتعلم عن طريق العمل والخبرة المباشرة، ويتعلم عن طريق استخدام العقل في التفكير، ويتعلم أيضا عن طريق الإلهام، يقول العلماء في تفسير قوله تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] ، أن القرآن يعبر بالقلب ويعبر بالفؤاد عن مجموع مدارك الإنسان الواعية، وهي تشمل ما اصطلح على أنه العقل، وتشمل كذلك قوى الإلهام الكامنة المجهولة الكنة والعمل.
فالإنسان مخلوق عظيم، أعده الله ليكون خليفته في الأرض، وزوده بقوى وإمكانات وقدرات للعمل والتوجيه، نعلم عنها شيئا ونجهل منها أشياء كثيرة.
والخلاصة: أنه يجب علينا عند إعدادنا للمناهج والمواقف التربوية أن تكون مناسبة لمراحل النمو والنضج والحاجات ودوافع المتعلمين، وأن نعد المناهج والمواقف بحيث تناسب نوعية الموضوعات والخبرات، وأن نهيئ ظروفا للتعلم تعين الجميع على تحقيق الأهداف المنشودة.