الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ما يردده بعض مفكرينا من آن لآخر، من أن الفنون والآداب يجب أن تدرس كفنون جميلة في حد ذاتها، دون ربطها بالعقائد والأخلاقيات، فهذا رأى غير مقبول، فلا يجب أن نعترف بنظريات "العلم للعلم" و"الفن للفن". فالعلوم والفنون ما هي إلا وسائل وأدوات خلقها الله ليتعلمها الإنسان ويستخدمها في عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله.
أما العلوم البحتة كعلوم الكيمياء والفيزياء والأحياء وعلوم الصناعة والزراعة. إلخ فالأصل أن يسعى المجتمع المسلم لتوفير الكفايات فيها، باعتبار تعلمها فرض كفاية، فإذا لم يوفر الكفايات أثم المجتمع كله، وإلى أن تتوفر الكفايات في هذا الميدان فإن للمسلم أن يتلقى هذه العلوم عن المسلم وغير المسلم.
وليس معنى ما تقدم أنني أدعو إلى الانغلاق، لكنه الانفتاح الذي ينشد الحكمة ويزن كل شيء وفقا لمعايير وقواعد منهج الله.
العلم والمعرفة وقيادة الإنسانية
…
العلم والمعرفة وقياة الإنسانية:
إن الإسلام هو النظام الذي يحكم الحياة. وقد أنزله الله سبحانه لتكون له السيادة، وتحكم به الأرض، لكن سنة الله في الكون تقتضي أن يسود الإسلام ويحكم العالم، حينما يكون المسلمون أقدر من غيرهم على عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها بالكشف عن سنن الله وقوانينه في الكون، التي هي العلم، ومعرفة تطبيقاتها في واقع الحياة، التي نعبر عنها بالتقانة، وحينما يكون المسلم مثلا يحتذى في الأخلاق والسلوك. عندئذ يكون المسلمون قلب العالم، وقادة القافلة الإنسانية، هذا ما حدث، وما نرجو أن يحدث مرة أخرى.. سنة الله، ولن تجدوا لسنة الله تبديلا.
إذن، فالعلاقة قوية بين استخدام قوى الإدراك الظاهرة والخفية التي أودعها الله في الإنسان، للكشف عن سنن الله في الكون، وتطبيقاتها في وقاع الحياة -التي نعبر عنها بالعلم والتطبيقات التقنية- وبين قيادة القافلة الإنسانية أو السير تبعا لذيلها.
إن هذه العلاقة تكمن -كما يقول الأستاذ أبو الأعلى المودودي- في سر هذه الكلمات الثلاث: "السمع" و"البصر" و"الفؤاد". إن هذه الكلمات لم ينزل بها الوحي في كتاب الله لتعني فقط مجرد القدرة على السمع والرؤية والتفكير، لأن "السمع"
معناه هنا استخدام هذه الطاقة بفاعلية وكفاءة لإحراز العلم والمعرفة التي اكتسبها الآخرون. و"البصر" معناه تنميتها بما يضاف إليها من ثمرات الملاحظة والتجربة والبحث، و"الفؤاد" معناه تنقيتها من أدرانها وأوشابها، ثم استخلاص النتائج منها، وتقويمها وترقيتها.
إن هذه القوى الثلاث: السمع والبصر والفؤاد، إذا ما تضافرت بعضها إلى بعض، نجم عنها ذلك العلم، وتلك المعرفة اللذان منّ الله بهما على بني آدم، وبهما استطاع أن يتعامل مع سائر المخلوقات ويسخرها لإرادته.
ولو أردت التعمق في تأمل هذه الحقيقة لاهتديت في النهاية إلى أن هؤلاء الذين لا يستخدمون هذه القوى، أو يستخدمونها في حدود ضيقة، هم الذين كتب عليهم العيش في حالة من التأخر والانحطاط تحت كنف الآخرين وسلطانهم، أما الذين يوظفون هذه القوى بكفاءة وفاعلية، فهم الذين يظفرون بالسيادة والسيطرة، وهم الذين يصبح لهم حق قيادة البشرية وتوجيهها1.
ومجمل القول "أن زعامة الجنس البشري والأخذ بقياده إلى الخير أو إلى الشر، إلى لجنة أو إلى النار، من نصيب هؤلاء الذين يتفوقون على سواهم في الانتفاع بنعم السمع والبصر والفؤاد، تلك سنة الله، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} ولا تحويلا، وأيما جماعة من البشر -بغض النظر عن كونها مؤمنة أو كافرة- تحقق الغاية من هذه المنح الإلهية، فإنها تتولى عامة غيرها من الشعوب التي تجبر على الطاعة والإذعان.
والسؤال الآن هو: ما حقيقة هذه القوى: السمع والبصر والفؤاد؟ وما طبيعتها؟ وما فائدتها؟ وكيف يمكن تربيتها وتدريبها وصقلها لدى الإنسان المعاصر صغيرا كان أو كبيرا، حتى يتمكن من استخدامها بكفاءة وفاعلية في عمارة الأرض وترقية الحياة؟ إن هذه الإجابة عن هذه الأسئلة هي مهمة مناهج التربية عامة، ومناهج اللغات واللسانيات على وجه الخصوص.
ومما سبق يمكن إجمال ما يجب أن تراعيه مناهج التربية فيما يلي:
1-
التأكيد على أن المعرفة عن طريق الوحي أو عنت طريق العقل والكون يتكاملان ولا يتعارضان، فصريح المعقول لا يتعارض مع صريح المنقول.
2-
التأكيد على أن المعرفة كالعلم، وسيلة وليست غاية في ذاتها، وأن غاية العلم والمعرفة هي إعمار الأرض وترقية الحياة وفق منهج الله.
3-
التأكيد على أن غاية العلم والمعرفة التطبيق في واقع الحياة، إلا انهدمت
1 أبو الأعلى المودودي: المنهج الإسلامي الجديد للتربية والتعليم، جمعه وقدم له وعلق عليه محمود مهدي الإسلامبولي، ط2، بيروت، المكتب الإسلامي، 1402هـ 1982م، ص7.
قيمة العلم وانهدرت قيمة المعرفة.
4-
التأكيد على أن العلم الذي لا ينفع والمعرفة النظرية التي لا تقبل التطبيق لا يجب أن تتضمنها مناهج التربية؛ لأن في ذلك إضاعة للجهد والوقت والمال.
5-
التأكيد على أن التعلم إنما يحدث إذا أحس الإنسان بحاجة أو بمشكلة، فاستعان بهدي الله، وأخذ بالأسباب المناسبة، ووصل إلى الفكرة، فحولها إلى تطبيق عملي.
6-
التأكيد على مصممي مناهج التربية بضرورة تحديد مصادر المعرفة وأسس المنهج قبل البدء في عملهم؛ لأنهم إما أن يكونوا مؤمنين بأن الوحي والكون ما مصدر المنهج، وإما أن يقصروا مصادر المنهج على الكون فقط، فكل ذلك سينعكس بالضرورة على تحديدهم لأهداف المنهج، واختيارهم لمحتواه وتنظيمهم لهذا المحتوى، واختيارهم لطرائق وأساليب التدريس والتقويم والتطوير المناسبة.