الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
23-
الاهتمام بالسيطرة على مهارات اللغة العربية:
يجب أن تهتم المناهج بتعليم اللغة العربية وإعطائها الأولوية في التعليم قبل أية لغة أخرى، فاللغة العربية هي لغة مقدسة فوق أنها لغة قومية.
إننا عندما كنا ندرس في بلاد الإنجليز كنا نغبطهم بسبب غيرتهم على لغتهم. فكثيرا ما كانوا يصححون لنا لغتنا -بطريقة ذكية- ونحن نتحدث معهم. وفي العام الماضي حقق وزير التربية البريطاني انتصارا سياسيا بعد أن استجاب المسئولون عن التربية والتعليم في المدارس الابتدائية البريطانية لقراره الذي يدعو إلى ترك العاميات إلى اللغة السليمة، بحيث يصبح جميع تلاميذ المدارس الابتدائية قادرين على القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية الفصيحة.
وعلى العكس من ذلك نتصرف نحن مع لغتنا في بلادنا. فلا أعتقد أن أمة سوانا تمارس عدوانا على لغتها مثلما نفعل. وقد يكون مفهوما أن تجد العربية خارج حدودها أعداء يكيدون لها، لكن المؤلم حقا أن يكون بعض هؤلاء الأعداء من بنيها، عن قصد أو عن غير قصد، لذلك فالعربية اليوم تجاهد في جبهتين أقربهما أمرهما وأقساهما؛ لأنها تقاتل حينئذ قطعا من نفسها، وظلم ذوي القربى أشد مرارة على النفس. ولو كتب لها النصر في هذه المعركة فإن ما عداها يهون.
لقد أصبنا "بالإيدز اللغوي"؛ أي: فقدان المناعة اللغوية، لدرجة أن العدوان على لغتنا لا يستوقف معظمنا!
فهناك من صك الغرب عقولهم، وطبع على قلوبهم، ثم ابتعد وتركهم يؤدون دوره، وهم أناس من جلدتنا، ويتكلمون بلساننا، لكنهم يحترمون كل تراث إلا التراث الإسلامي، ويؤثرون كل لغة إلا العربية، ويلوون ألسنتهم برطانات الغرب، ويفاخرون بها. هؤلاء هم من يؤدي الغرب عن طريقهم الدور المطلوب، البطيء الخطوات، الأكيد المفعول!
وهؤلاء عادة ما يصيحون -كما يقول الشيخ محمد الغزالي- ما للغة العربية وعلوم الطب والهندسة والصيدلة؟ إن تعريب هذه العلوم مستحيل! وهم -عادة- لا يعيرونك آذانا صاغية عندما تقول لهم: إن اللغة العربية يجب أن تعود لغة العلم والتأليف العلمي كما كانت من قبل. إن اليهود قد نقلوا العلوم الحديثة إلى العبرية، وهي لغة ميتة؛ استخرجت من المقابر، وحررت من الأكفان، فهل تعجز العربية -وهي لغة حية راقية- لغة الوحي الإلهي -عما حققته العبرية؟!
إننا نريد تعريب المعرفة لا دعم التغريب وتكريسه. وإذا فشلنا في تعريب العلوم وإنشاء مصطلحات جديدة تناسب الارتقاء العلمي في كل المجالات، فإن هذا يعني أمرا واحدا هو أننا متسولون في ميادين الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء.. إلخ. وسنبقى متسولين أبدا.
إننا نملك ناصية المعرفة عندما ننقلها إلى لساننا، أما عندما ننتقل نحن إلى ألسنة الآخرين، فسنكون عالة عليهم، وسنبقى أتباعا ضائعي الهوية، لا قيمة لنا في الأرض، ولا وزن لنا في السماء!
إن وضع اللغة العربية في أقطار العالم العربي مؤسف إلى حد الإبكاء. أقطار كاملة من أملاك العربية لا تكاد تسمع فيها العربية على الإطلاق، فقد أسلمت قيادها للهجة أو عدة لهجات محلية طاغية على كل ما فيها ومن فيها، في البيت والشارع ووسائل الإعلام والإعلان.. إلخ.
وليت الأمر يتوقف عنه هذا الحد، بل إنك لتجد المعلمين في المدارس، والأساتذة في الجامعات يدرسون ويحاضرون باللهجات العامية. فإذا سألت أحدهم: لماذا لا تدرس باللغة العربية؟ فإذا كان عربي التخصص فقد يعتذر بأنها "العادة" التي طغت على تدريسه، وقد يعد بأنه سوف يحاول. وإذا كان معلما لمادة غير العربية وآدابها، فربما جاء اعتذاره أقبح من الذنب قائلا: وما أهمية ذلك؟ أنا لست "بتاع" عربي! وهنا يحس المرء حقيقة أن اللغة العربية ليست بحاجة إلى الاهتمام بتعليمها وممارستها فقط، بل هي بحاجة إلى الحب أولا وقبل كل شيء. فهل نستطيع أن نعلم أبناءنا وشبابنا حب لغتهم والاعتزاز بها؟!
وهناك أقطار كاملة أخرى من أملاك العربية تحتلها رطانات أسيوسية وأوربية تصر على أن تملأ آذان الحياة بضوضائها ولغوها. وقد تسللت هذه الرطانات والضوضاء إلى داخل البيوت، والمخادع، وتولت تربية الأطفال، وفرضت أصواتها ونبراتها ولكنتها على الأسرة العربية، وروجت أذواقها وأفكارها، كما روجت بضائعها ومنتجاتها.. حتى ليتذكر المرء وهو ضائع بين هذه الرطانات والعناصر الثقافية الغربية قول المتنبي في شعب بوان:
ولكن الفتى العربي فيها
…
غريب الوجه واليد واللسان
إننا نتطلع إلى اليوم الذي يتحول فيه كل العرب إلى عشاق مغرمين بلسانهم، ذائبين في حرفه، يحسنون درسه، ويجيدون نطقه، ويلزمون غرزه، فلا ينطقون على أرض العرب إلا بالعربية، وعلى من أراد أن يعيش بين ظهرانيهم من الأجانب أن يتعلم لسانهم، ويعاملهم بكلامهم. عندئذ سوف تكون لنا مكانة في الأرض وذكر في السماء.