الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:
نحن نتعامل مع قضية التربية والتعليم في بلادنا -على مستوى الحوار والنقاش، وعلى مستوى الواقع المعاش- كمن لديه شجرة هزيلة ذابلة، تتساقط ثمارها المرة المعطوبة. فأخذ يهذب أغصانها، ويشذب أوراقها، وينظف ثمارها، ظنا منه أن هذا سيعالج ضعفها البادي، ويمنع سقوطها الوشيك، دون أن ينظر إلى جذع الشجرة المنخور، ولا إلى جذورها الممتدة خلال التربة البور!
لقد أضعنا زمنا طويلا نناقش جزئيات القضية وأطرافها المختلفة دون تدبر عميق لإطارها الشامل وأصولها الكلية، فمنا من عاب المناهج المحشوة بالمعلومات والمعارف التي لا قيمة لها في عصر التفجر المعرفي، ومنا من رأى أن المعلم هو حجر الزاوية ولا يصلح التعليم إلا بإصلاحه، وثالث تكلم عن المباني المتهالكة وعن تمويل التعليم، ورابع تحدث عن الدروس الخصوصية ومجانية التعليم، وخامس ركز على ازدحام الفصول الدراسية بالتلاميذ، والتسرب، وعدم استيعاب الملزمين.. إلخ.
والمؤكد أن هذه الأمور كلها وغيرها، هي الثمار العفنة والنتاج الرديء لأصول مغروسة في أرض غير صالحة للاستنبات.
نحن يا سادة في حاجة إلى أن نسأل أنفسنا أولا: من نحن؟ وما نريد أن نكون؟ وأن نجيب عن هذين السؤالين، فالإجابة عنهما توضح لنا فلسفتنا الاجتماعية الشاملة: كيف نرى الله؟ وما حقيقة الكون غيبه وشهوده؟ وما حقيقة الإنسان من حيث مصدره، وغايته، ووظيفته في الحياة، وعلاقته بالكون من حوله، ومركزه في هذا الكون؟ وما حقيقة الحياة الدنيا والآخرة في نظرنا؟ وما المعايير التي تحكم نظم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟ وما موجهات الثقافة والفنون والآداب والصحافة والإعلام والإعلان في هذه الحياة؟ وما أهدافها التي تعمل على تحقيقها في ضوء الرؤية الاجتماعية الشاملة المتكاملة؟
إنه بدون تحديد هذه "الفلسفة الاجتماعية" أو "الهوية الاجتماعية" لا يمكن تحديد "الفلسفة التربوية"، فالفلسفة التربوية تنبثق عن الفلسفة الاجتماعية الشاملة، تؤكدها وتعيدها إلى جادة الصواب إذا انحرفت أو انحرف بعض عناصرها عن الخط المرسوم لها.
والفلسفة التربوية هي تحديد للأسس العقائدية والأسس الاجتماعية، والأسس النفسية التي على أساسها تصمم مناهج التربية والتعليم، ويعد المعلمون، ويمول التعليم، وعلى أساسها تقام المباني المدرسية المناسبة، وتنظم الإدارة المدرسية، وتخطط المناشط التربوية المختلفة.. إلخ.
إن الفلسفة التربوية هي بمثابة قاعدة الانطلاق الموحدة، التي تحدد للنظام التعليمي غاياته المنشودة، التي تعمل الوسائل المختلفة والمتنوعة على تحقيقها، إنها تحديد واضح لطبيعة المجتمع الذي نريد بناءه، ولطبيعة الإنسان الذي يجب أن نربيه.. الإنسان القادر على أن يسهم بإيجابية وفاعلية في بناء هذا المجتمع.
باختصار، إن الفلسفة التربوية الواضحة المنبثقة عن فلسفة اجتماعية شاملة أو عن تصور متكامل لحقائق الألوهية، والكون، والإنسان، والحياة، هي بداية أي إصلاح اجتماعي، فضلا عن أن يكون هذا الإصلاح متصلا بعملية حاسمة في بناء البشر وبناء المجتمعات الإنسانية كمناهج التربية والتعليم.
إن هذا الكتاب هو محاولة لتصميم منهج التربية، انطلاقا من أسسه المعرفية والنفسية والاجتماعية، ومرورا بمكوناته المتمثلة في الأهداف والمحتوى وطرائق وأساليب التدريس، ووصولا إلى وسائل وأساليب التقويم والتطوير.
وبذلك فسوف يتناول هذا الكتاب القضايا التالية:
أولا: المفاهيم الأساسية لمناهج التربية، مثل: مفهوم الدين، ومفهوم العبادة، ومفهوم التربية، ومفهوم المنهج، والفرق بين مفهوم "المنهج" ومفهوم "البرنامج"، ومفهوم التعلم. إلخ، وهذا هو موضوع الفصل الأول.
ثانيا: أسس بناء المنهج، حيث يتفق المنهجون في كل بلاد العالم تقريبا على أن للمنهج أسسا ثلاثة هي: طبيعة المعرفة، والطبيعة الإنسانية، وطبيعة الحياة والمجتمع. وسنتناول هذه الأسس في الفصول: الثاني، والثالث، والرابع على التوالي.
ثالثا: انطلاقا من مفاهيم الفصل الأول والأسس التي تلت ذلك ستيم تحديد الأهداف العامة للمنهج، واختيار المحتوى، وطرائق وأساليب التدريس، وطرائق وأساليب التقويم، وسيكون ذلك في الفصول: الخامس والسادس والسابع والثامن على التوالي.
رابعا: وأخيرا، نتناول موضوع تطوير المنهج: أسبابه، وأسسه، وكيفياته، في الفصل التاسع والأخير.
ورجاؤنا في الله كبير، أن يهدي البصائر إلى فهم الواقع الذي نحن فيه، والحق الذي نرجوه، إنه على ما يشاء قدير.
القاهرة: جمادى الأولى 1418هـ
أكتوبر 1997م علي أحمد مدكور