الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريقة القدوة:
القدوة هي أفضل وسائل التربية على الإطلاق، وأقربها إلى النجاح، فمن السهل تخيل منهج أو تأليف كتاب في التربية، لكن هذا المنهج يظل حبرا على ورق ما لم يتحول إلى حقيقة تتحرك في واقع الأرض، وإلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وأفكاره مبادئ هذا المنهج ومعانيه1، لذلك فعندما أراد الله لمنهجه أن يسود الأرض، ملأ به قلب الإنسان وعقله؛ كي يحوله إلى حقيقة في واقع الأرض، فكان أن بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون قدوة للناس في تطبيق هذا المنهج:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46] .
وهكذا، أرسل محمد صلى الله عليه وسلم ليكون قدوة للناس في تطبيق منهج الله في واقع الأرض، فكان عليه الصلاة والسلام هاديا ومربيا بسلوكه الشخصي، وليس فقط بالكلام الذي ينطق به قرآنا أو حديثا، وعن طريق القدوة، بالإضافة إلى القرآن والسنة، أنشأ محمد صلى الله عليه وسلم الأمة التي قال الله فيها:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] .
وهكذا، يرى الإسلام أن القدوة هي أعظم طرق التربية، ويقيم منهجه التربوي على هذا الأساس، فلا بد للطفل من قدوة في والديه ومدرسته كي يتشرب المبادئ الإسلامية ويسير على نهجها، ولا بد للكبار من قدوة في مجتمعهم تطبعهم بطابع الإسلام وتقاليده النظيفة، ولا بد للمجتمع من قدوة في قيادته بحيث يتطلع إليها ويسير على منوالها، ولا بد أن تكون قدوة الجميع هي شخصية الرسول التي تتمثل فيها كل مبادئ الإسلام وقيمه وتعاليمه.
إن القدوة إذا كانت حسنة فإن الأمل يكون كبيرا في إصلاح الطفل، وإذا كانت القدوة سيئة فإن الاحتمال الأرجح هو فساد الطفل، وقدرة الطفل على المحاكاة الواعية وغير الواعية كبيرة جدا، فهو يلتقط بوعي وبغير وعي كل ما يراه حوله أو يسمعه، فالطفل الذي يرى أباه أو أمه تكذب لا يمكن أن يتعلم الصدق، والطفل الذي يرى أمه تغش أباه أو أخاه أو تغشه هو نفسه لا يمكن أن يتعلم الأمانة، والبنت التي
ترى أمها مستهترة لا يمكن أن تتعلم الفضيلة، والطفل الذي يقسو عليه أبواه لا يمكن أن يتعلم الرحمة.
وحين توجد القدوة الحسنة متمثلة في الأب المسلم، والأم ذات الدين، والمعلم الفاضل، فإن كثيرا من الجهد المطلوب لتنشئة الطفل على الإسلام يكون ميسورا وقريب الثمرة في ذات الوقت؛ لأن الطفل سيتشرب القيم الإسلامية من الجو المحيط به بطريقة تلقائة، وليس معنى هذا أن الطفل لن يحتاج إلى جهد على الإطلاق في عملية التربية، أو أنها ستتم تلقائيا عن طريق القدوة وحدها، ولكن الذي يمكن قوله هنا، إن القدوة الطيبة هي دائما قيمة موجبة، يحدث بإزائها قدر مساو من الجهد الذي يجب بذله.
هذه هي الطريقة التي ربى بها الرسول صلى الله عليه وسلم أمة الإسلام الأولى ومن سار على نهجها من التابعين، وقد يكون من المناسب في هذا الصدد أن نذكر ما كتبه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان إلى مؤدب ولده، يقول له:"ليكن أول ما تبدأ له من إصلاح بني إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينيك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وروهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وجنبهم محادثة النساء، وتهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل الدواء حتى يعرف الداء، وإياك أن تتكل على عذر مني لك، فقد اتكلت على كفاية منك"1.
1 الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق حسن السندوبي، ج2، ط4، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1956م، ص75.