الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طرائق اختيار المحتوى
…
طرق اختيار المحتوى:
يتم اختيار المحتوى بطرائق ثلاث:
الطريقة الأولى: هي الطريقة التي تعتمد على تحديد حاجات الدارسين ومشكلاتهم، والمعارف والمهارات التي يحتاجون إليها في حياتهم وأعمالهم، وبناء على ذلك يتم اختيار المحتوى الذي يحقق هذه الحاجات للدارسين ويساعدهم على تحقيق ذواتهم وفق فطرة الله فيهم ذكورا وإناثا.
والطريقة الثانية: هي التي تهتم بتحديد مطالب المادة التعليمية، كاللغة، أو الرياضيات.. إلخ. أكثر من اهتمامها بحاجات الدارسين، فالترتيب المنطقي للمواد الدراسية وكل المعارف والمعلومات والتطورات التي حدثت للمادة الدراسية يجب أن يكون متضمنا في محتوى المنهج، هذه الطريقة غالبا ما ترفع قيمة المادة الدراسية والمعرفة، والمعلومات على قيمة الإنسان المتعلم، وحاجاته ومشكلاته ومطالبه.
والطريقة الثالثة: هي طريقة اختيار محتوى المنهج عن طريق الخبراء في كل مجال من مجالات المعرفة.
فهؤلاء يستخدمون خبراتهم الطويلة في اختيار محتوى المنهج، كل في مجال تخصصه.
ومنهج التربية والتعليم يجب أن يركز على الطريقة الأولى التي تهتم بالإنسان المتعلم، وتعتبر أن قيمته تعلو على كل شيء، وأنه سبب المنهج، والمقصد من بنائه، وأن كل شيء يجب أن يسخر لخدمته، فالله سبحانه وتعالى، قد سخر الكون كله لخدمته:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] .
إن الإنسان هو الخليفة في الأرض، وهو المكلف بتنفيذ منهج الله فيها، وهو المخلوق الوحيد الذي يعبد الله بإرادته الحرة، ولذلك لا يجب أن تعلو قيمة أي شيء على قيمته.. بل ويجب أن يسخر كل شيء لخدمته، فحتى نزول القرآن من رب العالمين، جاء محققا لهذا المعنى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] فقد نزل القرآن، مقسطا، على مكث.. حلا لمشكلات الحياة وتبيانا لقوانينها، ووضعا لنظامها، فالناس، وحياة الناس، لا الأشياء، هي مهمة المنهج، ولذلك فإن تلبية مطالب وحاجات الإنسان الذي يقوم على تنفيذ منهج الله، هي المعيار الأساسي في اختيار محتوى المنهج.
لكن مناهج التربية والتعليم إذ تركز على الطريقة الأولى التي تهتم بالإنسان المتعلم، فهي تسخر مميزات الطريقتين الأخريين لتحقيق هذا الغرض، فمنهج التربية لا بد أن يعتمد على المتخصصين أو "أهل الذكر" في كل مجال من مجالات المعرفة:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وأهل الخبرة:{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14] .
كما أنه يبحث عن كل معرفة مفيدة مهما كان مصدرها: "فالحكمة ضالة المؤمن، حيثما وجدها فهو أحق الناس بها" كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.
تنظيم المحتوى:
البدائل المطروحة لتنظيم محتوى المنهج يمكن تصنيفها فيما يلي:
أولا: هناك التنظيم الذي يخضع لخصائص منهج المواد الدراسية المنفصلة، حيث يتم التركيز على المواد الدراسية، ويتكون المحتوى من عدد من المواد الدراسية المنفصلة التي خططت ووضعت مقدما، ونظمت تنظيما منطقيا وفقا لطبيعة كل مادة، ويغلب على هذا التنظيم الطابع النظري، ويوضع في صورة موضوعات بحيث يتم تناول كل موضوع في حصة، وغالبا ما يترجم هذا المحتوى في صورة "كتاب"، يتم تناوله بطريقة تلقينية بمعزل عن نشاط التلاميذ وفاعليتهم، كما يعتبر هذا التنظيم السائد غالبا عندنا في مصر، وفي معظم أقطار الأمة.
ثانيا: هناك التنظيم القائم على أساس منهج النشاط، وهو تنظيم قام كرد فعل للتنظيم القديم السابق، فجاء على العكس منه، فميول التلاميذ وأغراضهم هو المحور الذي ينظم على أساسه المحتوى، كما أن هذا التنظيم يقوم على أساس إيجابية التلاميذ ونشاطهم، فالتلاميذ يشاركون في اختيار المحتوى وتخطيطه وتنفيذه، وبذلك فإن المحتوى لا يتم اختياره مقدما، ولا يتقيد بالحواجز الفاصلة بين المواد الدراسية، ويعتمد في تنفيذه على أسلوب حل المشكلات، وتخطيط وتنفيذ المشروعات؛ لذلك فإن التقويم في هذا التنظيم يقوم على أساس نشاط الطلاب وسلوكياتهم، وعلاقاتهم.
ثالثا: إذا كان منهج النشاط قد نقل الاهتمام في التربية من المادة إلى ميول التلاميذ وأغراضهم، ورفض تخطيط المنهج مقدما، فكلاهما قد أهمل معيار التكامل بين مكونات المحتوى التعليمي، وقد أهمل أيضا التعامل مع حاجات المجتمع ومطالبه ومشكلاته.
ومن هنا جاء التنظيم المحوري للمناهج مستفيدا من مزايا التنظيمين السابقين ومتخطيا عيوبهما؛ لذلك نادى بأن يكون محور الدراسة هو حاجات الدارسين لا مجرد ميولهم؛ على اعتبار أن الحاجة ذات شقين: شق شخصي يتصل بالطالب مباشرة، وشق اجتماعي يتصل بالنظامل الاجتماعي ومطالب الحياة الاجتماعية التي يعيشها الطلاب ومشكلاتهم.
وهكذا انبثقت فكرة التنظيم المحوري، فهو تنظيم يدور حول مشكلات الحياة وحاجات الدارسين بقصد إعدادهم للمواطنة ومسئوليات الحياة1.
1 انظر: الدمرداش عبد الحميد سرحان، المناهج المعاصرة، الكويت، مكتبة الفلاح، ط3، 1401هـ-1981م، ص153-201.
إذن فالتنظيم المحوري يدور حول الأمور العامة المشتركة التي ينبغي أن يدرسها جميع الطلاب في صف معين أو في مرحلة معينة.
وهناك بالتأكيد أمور أخرى تتصل بالميول والقدرات والاستعدادات الخاصة لكل طالب، وهذه تأتي خارج الدائرة المحورية.
وبذلك فالتنظيم ذو شقين:
- شق إجباري، يلتزم به جميع الطلاب في صف معين أو مرحلة معينة.
- وشق اختياري تطرح فيه مجموعة من المواد الاختيارية والمناشط المدرسية يختار الطلاب من بينها ما يتسق مع حاجاتهم وميولهم وقدراتهم واستعداداتهم الخاصة.
ويتضح من هذا التنظيم المنهجي أنه يقوم على أساس تحديد المشكلات والحاجات بشقيها الشخصي والاجتماعي عن طريق البحث العلمي، وقيام التنظيم المحوري حولها، دون الالتزام بالمنهج التخصصي الذي يفرض طبيعة المادة التعليمية، ومنطقها وتسلسلها في المقام الأول.
وهذا التنظيم المحوري بشقيه الإجباري والاختياري يعتبر الإرشاد والتوجيه الطلابي ركنا أساسيا فيه1، حيث إن هذا ضروري للوقوف على حاجات الطلاب ومشكلاتهم وقدراتهم واستعداداتهم، كما أنه ضروري أيضا لمشاركتهم المعلم في وضع الخطة واقتراح التفاصيل، كما أنه تنظيم يعتمد أسلوب حل المشكلات وسيلة للتعليم الفعال، كما يمكن تطبيقه بنجاح في المرحلتين: الإعدادية والثانوية.
رابعا: تنظيم الوحدات، وهو تنظيم قصد به تنظيم المحتوى في صورة معلومات مترابطة وخبرات متكاملة حول المحاور الأساسية المراد دراستها، وبذلك يتم القضاء على ظاهرة التفتيت والتجزيء الشائعة، خاصة في تنظيم المواد الدراسية المنفصلة، وتنظيم منهج النشاط والمشروعات الذي لم يكتب له البقاء والاستمرار طويلا.
ويقوم تنظيم الوحدات على أساس تكامل المعرفة الإنسانية، فالمعرفة الإنسانية متكاملة في مصدرها؛ فهي من خلق الله، ومتكاملة في وظيفتها في الحياة، ومتكاملة في غاياتها، كما يقوم هذا التنظيم على أساس التكامل في شخصية الإنسان، فالإنسان بروحه وعقله وجسمه كل واحد لا يتجزأ، ومصدره واحد وهو الله، ووظيفته هي إعمار الحياة، والمعرفة المتكاملة هي وسيلته في القيام بوظيفته
1 علي أحمد مدكور: "الإرشاد والتوجيه الطلابي في الفكر التربوي الإسلامي" في مؤتمر الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية. اللقاء السنوي، الثاني الرياض: 16-18 شعبان، 1410هـ.