الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
32-
إدراك الطلاب لمهمة الإعلام الحقيقية في المجتمع:
بالرغم من أن كل نظام إعلامي مخطط على أساس سليم، يقوم على أساس فلسفة أو نظرية معينة، وأن أجهزة الإعلام في معظم دول العالم تقوم على خدمة الفلسفات والنظريات والمناهج التي تتبناها تلك الدول، إلا أن الإعلام عندنا نحن المسلمين، ليس "نظاما" ولا يتبع خطة مرسومة بعناية، وإنما هو جهود مبعثرة، ومتناقضة في كثير من الأحيان؛ وأن معظم أنشطته ليست ذات صبغة فنية موحية ومشوقة، بل يغلب عليها الوعظ والتوجيه المباشر؛ وأن أغلبه ليس صادرا عن عقيدة الإسلام وتشريعاته ونظمه الإنسانية والخلقية، وأنه بعيد -إلى حد كبير- عن تحقيق غايات الإسلام ومقاصده، بل إنه يقوم -في معظم الأحيان- بالترويج للفلسفات والنظريات والنماذج الاجتماعية التي سعت جيوش الاحتلال في الماضي إلى خلعها على الحياة الاجتماعية والثقافية الإسلامية!
إن وظيفة الإعلام هي المساهمة بجدية وفاعلية في استعادة "وسطية" الأمة الإسلامية و"شهادتها على الناس"، وفي الحفاظ على "تميز" الأمة الإسلامية بعقيدتها ومنهجها، والإعلام في هذه الحالة -وفي هذه الحالة فقط- يحافظ على هوية الأمة ويحميها من الذوبان في أمم أخرى، قد أخرجت هي أصلا لهديها وقيادتها.
إن المؤسسات الإعلامية هي مؤسسات منهجية وتربوية ملتزمة، وهي تفوق في تأثيرها -خاصة هذه الأيام- المدرسة والجامعة والمناهج التربوية المقصودة، لذلك فإنها إذا لم تكن مخططة ومنظمة على أساس من الحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة، والمعارف والمهارات والخبرات الإنسانية المتغيرة بتغير الزمان والمكان وحاجات الناس، فإنها تتحول، لا محالة، إلى كارثة محققة، وتصبح طريقا معبدا إلى الهاوية.
إن مهمة الإعلام الآن هي تقويم واقعنا المنحرف عن منهج الله، ونظامه للكون والإنسان والحياة، ورده بالحسنى إلى الطريق المستقيم، إن ذلك يتطلب المساهمة في تحرير الإنسان من عبودية غير الله، والخوف من غير الله، ولن يكون ذلك كذلك إلا بعودة الإعلام إلى المضمون الإسلامي، وتكوين رأي إسلامي مستنير.
ولن يستطيع الإعلام تكوين رأي عام مستنير إلا إذا تخلص من الضغوط الفلسفية والمنهجية للغرب بصفة عامة ولأمريكا على وجه الخصوص.
إن الحرية الواعية المسئولة هي أثمن هدايا الإسلام إلى الإنسانية، فالحرية فطرة في الطبيعة الإنسانية، يختل نشاط الإنسان، ويسوء عمله، وتهبط أخلاقه، ويتدهور حال مجتمعه كله، إذا حوصر الإنسان، أو منع من ممارسة حريته، أو إذا انفلت في ممارستها دون ضبط أو تنظيم وفق معايير المنهج الإلهي.
إنه عندما يكون المجتمع محكوما بمنهج الله، وعندما يكون الإسلام -عقيدة وشريعة- هو أساس التصور الاعتقادي والتصور الاجتماعي، والمنهج التربوي، والنظام الإعلامي.. عندئذ يتحرر الإنسان من الخوف إلا من الله، ويكون النشاط الاجتماعي كله حركة واحدة في اتجاه واحد لتنفيذ منهج الله، عندئذ لن يكون هناك "رأي عام زائف" ولا "رأي عام كامن" لأنه خائف؛ لأن الإنسان في هذه الحالة لن يخاف إلا من الله.
إذن فقيام نظام إعلامي إسلامي مخطط ومتكامل أمر مرهون بتنفيذ منهج الله في المجتمع، سياسة واقتصادا واجتماعا وتربية، لكن هذا لا يعني إيقاف النشاط الإعلامي الجاد، الذي يقوم به الأفراد والجماعات والهيئات الآن هنا وهناك، إلى أن يتغير نظام المجتمع ومنهجه العام لحكم الحياة فيه، بل يجب أن يستمر هذا النشاط ويتسع وفق خطة فنية واعية.
وفي ضوء الإطار السابق، فإن الإعلام الإسلامي في حاجة ماسة إلى ما يلي:
1-
العودة إلى مجموعة المبادئ والتوجيهات التي وردت بشأنه في القرآن والسنة، ثم في اجتهادات علماء المسلمين ومفكريهم قديما وحديثا، مع الاستعانة بالخبرات الإنسانية والمتجددة في هذا المقام.
2-
إعداد الكوادر الإعلامية الإسلامية من خلال مناهج وبرامج نابعة من التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة، إن هؤلاء هم الأمل -بعد الله- في هداية "المغتربين" الذين ينكرون كل ما هو إسلامي في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والإعلام، ويقبلون كل ما دون ذلك!
3-
تجسيد المنهج الإسلامي، والروح الإسلامية، والقيم الإسلامية، والسلوك الإسلامي في كل فقرة من فقرات أجهزة الإعلام بطريقة علمية وفنية غير متكلفة ولا مصطنعة.
4-
مقاومة التدفق الإعلامي الزاحف عن طريق البث المباشر وغير المباشر، وذلك عن طريق تدعيم الإعلام الإسلامي المضاد، وغربلة ما يذاع وينشر، لاستئصال كل ما يضر بالمنهج الإسلامي وقيمه ومعاييره، ويساعد على نشر الفساد والعنف والجريمة، وفي هذا السياق لا بد من إعادة النظر في مضمون الإعلان التجاري، وطرقه وأساليبه التي تتعارض مع الإسلام، وتهدر كرامة الأسرة المسلمة، والمرأة المسلمة، عن طريق ابتزاز مشاعر الجنس الرخيصة لدى المشاهدين والقراء.
5-
العناية بمهارات القراءة الواعية، والاستماع الناقد لدى القراء والمستمعين، إن التطور في وسائل الاتصال -وخاصة البث التليفزيوني الدولي المباشر الذي يحمل في طياته غزوا ثقافيا مقصودا لمن لا منهج لهم ولا هوية- لا يتطلب "كفاية" المستمع أو المشاهد فقط، أي: سيطرته على الحد المقبول من مهارات الاستماع والفهم، بل يستلزم "كفاءة" المستمع أو المشاهد، أي: سيطرته على الحد الأعلى لمهارات الاستماع والقراءة، من فهم، وتحليل وتفسير، ونقد وتقويم، واستخدامه لهذه المهارات بأكبر قدر من الإيجابية والفاعلية1.
وعلى هذا فإن إعداد القارئ الكفء، والمستمع الكفء، هو أحد أهم العوامل الحاسمة في مواجهة الغزو الثقافي الداهم عبر ثورة الاتصالات، وهو أمر يجب أن يعمل حسابه بالتخطيط والتنسيق بين مناهج التربية ونظام الإعلام.
1 انظر: علي أحمد مدكور: تدريس فنون اللغة العربية، الرياض، دار الشواف، القاهرة، المطبعة الفنية، 1412هـ-1992م، فصل الاستماع.