الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: أهداف المناهج
مدخل
…
الفصل الخامس: مكونات المنهج وأهدافه
في الفصول السابقة تم استعراض أسس مناهج التربية المتمثلة في طبيعة المعرفة، والطبيعة الإنسانية، وطبيعة المجتمع والحياة، كما استخلصنا المبادئ التي يجب أن تراعيها المناهج في بنائها وتنفيذها وتقويمها وتطويرها.
وفي الفصول التالية نقدم عناصر المنهج أو مكوناته وهي: الأهداف: والمحتوى: وطرائق وأساليب التدريس؛ وطرائق التقويم، لكننا في هذا الفصل الخامس نبدأ بالأهداف: فنحدد معنى الهدف، وأنواع الأهداف، ومعايير جودتها، ثم نعرض بعد ذلك الأهداف التي ينبغي أن تعمل مناهج التربية، بكل محتوياتها ومقرراتها وخبراتها على تحقيقها في المتعلمين، على اختلاف أنواعهم ومستوياتهم، حتى تقدرهم على المساهمة الفعالة في تحقيق مقتضيات الخلافة في الأرض وفق منهج الله.
أهمية تحديد الأهداف:
إن من أهم عوامل فشل المناهج التربوية في أي مكان هو عدم تحديد أهدافها تحديدا يتسق مع الإنسان من حيث مصدر خلقه، ومركزه في الكون، ووظيفته في الحياة، وغاية وجوده، إن هذه المناهج لا تجانب الطريق السليم في إعداد الإنسان فحسب، بل إنها تحدث الخلل والفساد في فطرته وإنسانيته، ومن ثم في عمارة الأرض.
الأهداف بين الثبات والتغير:
لا شك أن تعلم كل الحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة، يمثل أهدافا ثابتة لمنهج التربية، كما أن الدقة والمهارة في إجراء كل ما تقتضيه صور التطبيق الثقافي والحضاري في المجتمع يمثل أهدافا متغيرة لهذا المنهج.
وهناك من المفكرين الغربيين من لا يروق لهم القول بوجود أهداف ثابتة للمنهج "جون ديوي" على سبيل المثال، يؤكد بشكل قاطع أن "الفكرة القائلة بأن النمو والتقدم يرميان إلى هدف نهائي لا يتغير ولا يتبدل، هي: آخر أمراض العقل البشري في انتقاله من نظرة جامدة إلى نظرة مفعمة بالحركة والتغير"1.
ولكن هذا القول يجانبه الصواب. فالحقيقة التي يؤكدها واقع عالمنا المعاصر أن جعل الأهداف التربوية كلها متحركة ومتغيرة قد أطاح بكثير من القيم الخلقية
1 جون ديوي: الديمقراطية والتربية، ترجمة متى عقراري وزكريا ميخائيل، ط2، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1954م، ص58.
التي تتفق مع مقتضيات الفطرة الإنسانية ومتطلباتها، والنتيجة هي أن الحياة الإنسانية في عالمنا المعاصر قد أصبحت كقشة معلقة في الهواء تسيرها أهواء التغير كيف شاءت، وحياة كتلك لا يطمئن لها الإنسان، ولا يستمر فيها ولا يعمرها.
تعريف الأهداف وأنواعها:
الهدف التربوي هو وصف للسلوك المتوقع من المتعلم نتيجة لاحتكاكه بمواقف التعلم.
وللأهداف التربوية تقسيمات من حيث الشكل، ومن حيث المضمون، أما من حيث الشكل فهي تنقسم إلى أهداف عامة، وأهداف خاصة، فالهدف العام هو وصف للتغير السلوكي المتوقع من المتعلم، نتيجة لاحتكاكه وتفاعله مع مضمونات وخبرات منهجية واسعة ومتنوعة، فمن أهدف الأهداف العامة لمنهج التربية مثلا:"إعداد الإنسان الصالح القادر على المساهمة بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله". إن هذا هدف عام يمكن تحقيقه من خلال كل المناهج والدراسات الإسلامية، وقولنا: إن الهدف من تعليم اللغة العربية هو "إكساب المتعلم القدرة على التعبير الواضح الجميل كلاما وكتابة" أو "تربية الملكة اللسانية لدى المتعلم" هذا هدف عام أيضا، ويمكن تحقيقه من خلال دراسة مناهج اللغة العربية المختلفة.
وهكذا، فإن الأهداف العامة إنما توضع للمناهج والبرامج والكتب الدراسية المختلفة، حيث تسهم المحتويات المختلفة والمتنوعة في تحقيقها، وهذه الأهداف يجب أن تكون في كل الأحوال واضحة ومحددة. "انظر الشكل المرفق".
أما الأهداف الخاصة فهي تلك التي تصاغ في بداية وحدة دراسية أو في بداية درس معين أو موضوع من الموضوعات، وهذا النوع من الأهداف هو الذي يمكن وصفه بأنه "هدف إجرائي" ومن أهم صفات الهدف أنه يمكن ملاحظته، ويمكن قياسه.
وهذا النوع من الأهداف يصاغ عادة وفقا للمعادلة التالية: أن + فعل سلوكي + المتعلم + مصطلح من المادة + الحد الأدنى للأداء، ومثال ذلك قولك:"أن يقرأ التلميذ الفقرة الأولى من الدرس قراءة جهرية بما لا يتجاوز ثلاثة أخطاء نحوية". وقولك: "أن يحفظ التلميذ الربع الأول من سورة البقرة بما لا يتعدى ثلاثة أخطاء من أي نوع"، وهكذا نرى أن هذا النوع من الأهداف لا يصاغ إلا لدرس معين أو لوحدة دراسية خاصة.
أما تقسيم الأهداف من حيث المضمون، فلقد صنف "بنجامين بلوم" هذا النوع من الأهداف إلى ثلاثة أنواع، هي:
1-
الأهداف المعرفية: وتركز على الجانب السلوكي العقلي، ولها ستة مستويات يمكن وضعها على النحو التالي:
فمستويات الجانب المعرفة هي: التذكر، والفهم، والتطبيق، والتحليل، والتركيب -ويسمى أحيانا بالقياس- التقويم، وهو أعلى مستويات المجال المعرفي، والمستويات الثلاثة الأولى هي المستويات الدنيا، أما المستويات الثلاثة الأخيرة فهي المستويات العليا، لأهداف الجانب المعرفي، وكل مستوى من هذه المستويات يعتمد على المستوى الأقل منه وليس العكس، فالفهم يعتمد على التذكر، والتطبيق يعتمد على الفهم والتذكر وهكذا.
2-
أهداف الجانب الوجداني: وهذه تتعلق بالجانب العقيدي والشعوري، كالإيمان بالله ورسوله، والإيمان بأهمية تنفيذ منهج الله في الحياة، والاقتناع بالحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة، وكل مشاعر الحب والتقدير والميول والاتجاهات، والتذوق الأدبي والجمالي.. إلخ.
ويشيع هذا النوع من الأهداف الوجدانية عموما في دراسة القرآن والسنة، وعلوم التشريع، وعلوم الآداب والفنون والإنسانيات عموما.
3-
الأهداف الحركية: وتتعلق بكل أنواع السلوك الحركي والمهاري ابتداء من البسيط غير الإرادي كسماع صوت، أو طرفة عين، إلى المهارة الحركية مثل الاستماع، والكلام، والقراءة، والكتابة، إلى قيادة السيارات والطائرات والأقمار الصناعية.
وتشيع هذه الأهداف بصفة عامة في كل التطبيقات العلمية للفكر الإنساني، وتشيع بصفة خاصة في مناهج التربية الرياضية، والاقتصاد المنزلي، وتعليم اللغات، والمواد المهنية عموما كمناهج علوم الصناعة والزراعة والتجارب، والتدريب المهني.. إلخ.