الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
التأكيد على أن كتاب الله -كتاب الإسلام- واحد، أوتي اليهود نصيبا منه، وأوتي النصارى نصيبا منه، وجاء القرآن بالكتاب كله، {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] .
6-
بيان مفهوم "الدين" في التصور الإسلامي، والتأكيد على أنه منهج شامل، ونظام للحياة.
7-
التأكيد على مفهوم "العبادة" وبيان أنها تشمل النشاط الإنساني كله، طالما توجه به الإنسان إلى الله.
الكون هو المصدر الثاني للمعرفة.
الكون آية الله الكبرى، ومعرض قدرته المعجزة المبهرة، أراده الله فكان، وقدره تقديرا محكما، وجعل كل شيء فيه خاضعا لإرادته وتدبيره.
والكون -في التصور الإسلامي- غيب وشهود. وهو من خلق الله "عالم الغيب والشهادة" والكون المغيب كالروح، والملائكة، والجن.. إلخ، نحن نؤمن به إيمان تسليم بوجوده كما علمنا الله، ونتكيف بذلك، وواجب الباحثين والمعلمين والمتعلمين والمناهج التربوية كلها أن يتأدبوا بأدب القرآن، وأن يقفوا عند حد ما جاء به، ولا يتركوا العقل يسبح فيه:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] .
أما الكون المشهود فهو كل ما نحسه حولنا، كالشمس والقمر، والسماء والأرض، والبحار والأنهار، والشجر والدواب.. إلخ.. وقد عرض لها الإسلام على أنها دلائل قدرة الله، وعلائم صنعه الدقيق الحكيم، ولتكون نبراسا يهدي الناس إلى معرفة الله، وفهم منهج الله، والعيش وفقا له.
وواجب مناهج التربية أن تتناول هذا الجانب من الكون بالدراسة والتفكير والتدبر، واكتشاف قوانين الله ونواميسه وسننه فيه، وأن تعلم الصغار والكبار كيف يتلطفون في التعامل مع هذا الكون المادي، ومع البيئة المادية من حولهم ويبعدون عنها التلوث والنفايات والإشعاعات، وبذلك يستثمرون خيراتها لخدمة أنفسهم ولخدمة البشر جميعا.
الكون هو المصدر الثاني للمعرفة:
الكون آية الله الكبرى، ومعرض قدرته المعجزة المبهرة، أراده الله فكان، وقدره تقديرا محكما، وجعل كل شيء فيه خاضعا لإرادته وتدبيره.
والكون -في التصور الإسلامي- غيب وشهود. وهو من خلق الله "عالم الغيب والشهادة" والكون المغيب كالروح، والملائكة، والجن.. إلخ، نحن نؤمن به إيمان تسليم بوجوده كما علمنا الله، ونتكيف بذلك، وواجب الباحثين والمعلمين والمتعلمين والمناهج التربوية كلها أن يتأدبوا بأدب القرآن، وأن يقفوا عند حد ما جاء به، ولا يتركوا العقل يسبح فيه:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] .
أما الكون المشهود فهو كل ما نحسه حولنا، كالشمس والقمر، والسماء والأرض، والبحار والأنهار، والشجر والدواب.. إلخ.. وقد عرض لها الإسلام على أنها دلائل قدرة الله، وعلائم صنعه الدقيق الحكيم، ولتكون نبراسا يهدي الناس إلى معرفة الله، وفهم منهج الله، والعيش وفقا له.
وواجب مناهج التربية أن تتناول هذا الجانب من الكون بالدراسة والتفكير والتدبر، واكتشاف قوانين الله ونواميسه وسننه فيه، وأن تعلم الصغار والكبار كيف يتلطفون في التعامل مع هذا الكون المادي، ومع البيئة المادية من حولهم ويبعدون عنها التلوث والنفايات والإشعاعات، وبذلك يستثمرون خيراتها لخدمة أنفسهم ولخدمة البشر جميعا.
حقيقة الكون لدى بعض التصورات الفلسفية:
أما الكون المادي في نظر المثاليين فهو ممثل في العقل؛ فالعقل -الممثل بعقل الله- هو سبب وجود الكون، فالكون عملية عقلية عظيمة، فالله أوجد العقل الإنساني الذي أدرك الكون، فكان سببا في وجوده، وبما أن العقل الإنساني هو الذي أدرك الطبيعة أو الكون، فإنه يشارك في طبيعة العقل المطلق -عقل الإله- ويعد جزءا منه، أو صورة مصغرة له! ومهمة التربية أن تتيح الفرصة للعقل كي يدرك الأشياء، فكل شيء لا يكون موجودا إلا إذا أدرك بالعقل -فالأشياء ليس لها وجود في ذاتها- وإنما لا بد أن تدرك بالعقل كي تكون موجودة.
وبناء على هذه النظرة فالتعلم ليس ابتكارا ولا إبداعا، ولكنه تحقيق الفكرة المطلقة بالنسبة للحقيقة والخير والمثل التي وضعت سلفا، وليست قيمة الأفكار مبنية على ما لها من أهمية في حياة المتعلمين أو ضرورة في إنجاز مشروعاتهم، أو في ترقية حياتهم، بل إن قيمة الأفكار في ذاتها، حيث إنها تصور الواقع الممثل للحقائق اللانهائية، ومن أجل ذلك فالأفكار جديرة بالتعلم، وهي تستحق أن يكون تعلمها هدفا في حد ذاته.
ولقد أثر هذا اللون من الفكر على كل المدارس التي كونت الروافد الأساسية للنظريات التربوية التقليدية في الغرب، فأوجدت الازدواجية بين العقل والجسم في الطبيعة الإنسانية، وبما أن خاصية التفكير هي جوهر الطبيعة الإنسانية، فلقد كان الهدف الرئيسي للمنهج متمركز حول تربية العقل وتدريبه على التفكير الصحيح، من خلال الفلسفة والعلوم التي لا تتطلب الملاحظة والممارسة والتجريب والعمل الميداني.
ولقد أدى التفريق بين العقل واعتباره صورة مصغرة للعقل المطلق "الإله" وبين الجسم، وتركيز التربية على العقل، أدى هذا إلى تكوين المجتمعات الطبقية، التي تسود فيها الطبقات الأرستقراطية؛ حيث خرجت المدرسة مجتمعا طبقيا مكونا من: طبقة التربية العقلية والفلسفية، وهي طبقة الحكام؛ وطبقة أخرى تعمل في الصناعة والتجارة؛ حيث يقل التركيز في تربيتها على العقل؛ ثم طبقة الجنود والعمال الذين تعلموا عن طريق العمل اليدوي والعمل الميداني والملاحظة والتجريب. وصنفت المدارس على هذا الأساس الطبقي.
وفي بعض النظريات تم التحرك بعيدا عن العقل قليلا، واعتبر "الكون" كلا كبيرا مشتملا على جزئيات متناسقة، وأهم هذه الجزئيات: الطبيعة، والإنسان، والإله، بل لقد اعتبر الإنسان في أهم مرحلة من مراحل تطوره أحد مكونات الطبيعة.
هنا بدأت الفلسفة الواقعية الطبيعية تطفو على السطح إلى درجة أن صار الإنسان أحد مكونات الطبيعة، لكنه يمتلك طاقات وقدرات بشرية هائلة، ومهمة التربية تربية الطاقات والقدرات هذه منذ الصغر، حتى يستطيع الإنسان السيطرة على الطبيعة ويقترب من مرحلة الكمال الإلهي.
وبالرغم من أن فكرة الكونية والطبيعة أتت في المقدمة في فكر كومينيوس وديكارت، وبيكون، وجون هس، وغيرهم، إلا أنهم لم يكونوا قد تخلصوا من الفكرة المثالية بعد؛ فالإنسان قد صنع في صورة إله، وإنسانية الإنسان قد بنيت على العقل، فلا سلطة سواه، ولا مقياس للحقيقة إلا بالمبادي والمعايير التي يضعها، وقد ألقى هذا على عاتق مناهج التربية تبعة تعليم الناس وتنمية مواهبهم الطبعية، كما ألقى على عاتق الناس تبعة الاستمرار في التربية للوصول إلى الكمال.
ولقد انقلب مفهوم "الكون" رأسا على عقب في النظريتين: النفعية "البراجماتية" والتطبيقية "الماركسية"، فهاتان النظريتان تعتمدان على الفلسفتين: الطبعية والواقعية وأفكار دارون المتطورة عنها، وعلى الفلسفة التجريبية الميدانية. فالواقعية تتمسك بأن الكون هو هذه الأشياء الموجودة في هذا العالم المحسوس، وأن هذا العالم المحسوس هو عالم حقيقي في حد ذاته، وأن هذا العالم والأشياء الموجودة به لا يعتمد في وجوده على إدراك عقل الله أو عقل الإنسان، فالواقعيون الطبعيون يرفضون أي شيء وراء الطبيعة!
والحياة الإنسانية بكل أبعادها الجسمية والعقلية والروحية والخلقية هي حدث طبيعي عادي، يمكن عزوه في كل أبعاده إلى العمليات العادية للطبيعة، فالطبيعة خالقة للإنسان والحياة، فهي مصدر الإنسان، ومصدر المعرفة، ومصدر الحياة.
وعلى هذا فالتربية تعتمد على الخبرة والتجربة والملاحظة، والطبيعة هي مصدر مناهج التربية، فهي تحتوي على الصدق؛ فالصدق حقيقة يمكن ملاحظتها، وهذا الصدق يمكن الحصول عليه بواسطة الفحص العلمي للطبيعة.
وقد أثر هذا الفكر على حركة التربية والمناهج في أمريكا، ثم انتقل إلى أوربا على يدي عدد من المفكرين من أمثال هيربارت سبنسر وشيلر وغيرهما، حتى إن الملاحظ الآن لحركة التربية والمناهج في أوربا يجد أنها أقرب إلى هذا المنظور منها إلى نظريتها التقليدية القديمة التي كانت تستحوذ على التفكير التربوي الأوربي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
الكون في التصور الإسلامي:
والآن نعود إلى صفاء التصور الإسلامي لحقيقة الكون.
والكون في التصور الإسلامي هو آية الله الكبرى ومعرض قدرته المعجزة المبهرة، أراده الله فكان، وقدره تقديرا محكما، وجعل كل شيء فيه خاضعا لإرادته وتدبيره:
{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] .
{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] .
{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] .
"إن الكون -كما يقرر المنهج القرآني- كون مخلوق حادث، وليس بالقديم الأزلي، كما أنه لم ينشأ من ذات نفسه، لقد خلقه الله -سبحانه- خلقا، وأنشأه إنشاء، بعد أن لم يكن، سواء في ذلك مادة بنائه الأساسية، أو الصورة التي ظهرت فيها، ولم يشارك الله -سبحانه- أحد في خلق هذا الكون، ولا في خلق شيء منه، سواء في ذلك مادته أو صورته. إن الله سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه، وأعطى كل شيء صورته، وأعطى كل شيء وظيفته"1.
القرآن والحقائق العلمية:
وإذا كان القرآن قد أشار إلى بعض الحقائق الكونية، فإن هذا ليس مبررا لأن نلتمس الموافقات بين النصوص القرآنية التي تشير إلى بعض الحقائق الكونية وبين النظريات والكشوف العلمية الحديثة؛ لأن هذا خطأ من الناحية الاعتقادية، ومن الناحية المنهجية العلمية أيضا، أما من الناحية الاعتقادية فالنصوص القرآنية صحيحة وصادقة بذاتها لا بشهادة من خارجها عليها، والمؤمن لا يجوز أن تدركه الهزيمة أمام علم البشر، فيستشهد به على صدقها وصحتها2.
إن الحقائق القطعية المطلقة لا يملكها إلا الله -سبحانه- بحكم ألوهيته المهيمنة على الكون كله، أما "الحقائق العلمية" فهي -كما يقرر العلماء- مجرد احتمالات راجحة، لا قطعية الدلالة ولا مطلقة الدلالة، وطبيعة المنهج العلمي التجريبي لا تسمح بغير هذا، فالإنسان هو الذي يقوم بالتجربة، ومن ثم فهو لا يعتمد على نتائج إحصائية "بمعنى استقرائية"، وإنما يعتمد على نتائج قياسية، فهو يجري تجاربه على عدد محدود -مهما كثر- من المادة التي هي موضوع التجربة، ثم يقيس ما لم تتناوله تجاربه على ما تناولته هذه التجارب3.
1 سيد قطب: مقومات التصور الإسلامي، مرجع سابق، ص320.
2 انظر المرجع السابق، ص322-324.
3 المرجع السابق، ص329.
الكون المادي:
والكون في التصور الإسلامي قسمان: كون محسوس، وكون غير محسوس. شهادة وغيب، ولقد تناول الإسلام الكون المادي المنظور، وعرض لكثير من ظواهره، كالشمس، والقمر، والسماء، والأرض، والمطر، والنبات، والبحار، والأنهار، والجبال، والشجر، والدواب.. إلى آخره، وقد تكلم الإسلام عنها في بدء خلقها وتكلم عنها في عوارض وجودها، وتكلم عنها في بعض نهاياتها، وقد عرض لهذه النواهي لا ليعالج أمرها علاجا فنيا تحليليا، فيكون كتاب هيئة، وكتاب حيوان، ولكن عرض لها؛ لأنها دلائل قدرة الله تبارك وتعالى وعلائم صنعه الدقيق الحكيم، ولتكون نبراسا يهدي الناس لمعرفة الله1.
وهذا الكون جميل المظاهر، جميل المشاعر، صديق للإنسان، وليس عدوا له كما يقول بعض العلماء الطبيعيين الذي يعدون كل كشف لقانون من قوانين الله في الكون، وكل تسخير لطاقة من طاقات الكون المذخورة فيه "انتصارا" على الطبيعة وقهرا لها! أو هكذا يعبر ورثة الوثنية الإغريقية والرومانية في أوربا وأمريكا!
"ثم إنه كون صديق للحياة والأحياء.. إن الحياة لم تنشأ في الأرض فلته عابرة ليس بها من سند في نظام الكون! وإلا فكيف نشأت في كون معاد، والكون أكبر منها وأقوى.. وبخاصة أنهم يفترضون أن ليس وراء الكون ووراء الحياة إله، ولا إرادة إلهية أنشأت الكون وأنشأت الحياة؛ لأن نشأة الحياة في هذا الكون تكذب هذا الزعم، كما تكذب أن الكون عدو للحياة"2.
وهذا ما تقرره النصوص الكثيرة والمتنوعة في القرآن الكريم:
وهكذا نرى أن القرآن الكريم لم يتناول الكون المشهود من الناحية الفنية؛ لأن القرآن كتاب للتوجيه، يصل الإنسان بالله، ولو تعرض لهذه النواحي لما انتهى أمره. ومن ناحية أخرى يدرك القرآن ضرورة ترك الحرية للعقل الإنساني كي ينمو ويتقدم
1 حسن البنا: حديث الثلاثاء، القاهرة، مكتبة القرآن، سجلها وأعدها للنشر أحمد عيسى عاشور، بدون تاريخ، ص34-45.
2 المرجع السابق، ص343.
حتى يدرك مكونات الكون، ويدرك صورها بسبب تدرجه في قوته واكتماله. فكلما ارتقى العقل الإنساني اكتشف ناحية من نواحي الدقة، وجانبا من جوانب القدرة، التي يصعب أن تتجلى للإنسان في طور واحد من أطوار حياته.
وواجب مناهج التربية والتعليم أن تتناول هذا الجانب من الكون بالدراسة والتفكر والتدبر واكتشاف قوانين الله فيه عن طريق الملاحظة والتجربة. كما أن هذا الجانب من الكون لا يمكن قهره -كما يقال- وإنما يمكن التلطف معه واستثمار خيراته لخير الناس جميعا.
الكون المغيب:
أما القسم الآخر من الكون، فهو الكون المغيب، أو غير المحسوس، وهو الذي يسمى "عالم الغيب"، فهو عالم لا يدخل في حدود الكون المادي، الذي يمكن أن ندرك مكوناته بالحواس، ومن هذا العالم الروح، والملائكة، والجن، والملأ الأعلى، والتخاطر عن بعد، وتأويل الأحلام.. إلخ1.
وقد أنكر المثاليون والماديون عالم الغيب، فالذين ينكرون "الله" لا يؤمنون بالغيب ولا بالدار الآخرة!
فهناك شيء اسمه الروح، وهو مكون من مكونات الإنسان، وهو من الله تبارك وتعالى:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] .
ومن الكون غير المرئي الملائكة: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] .
وهناك من عالم الغيب، الجن، وقد وصفوا بأنهم كانوا يسترقون السمع، وأن فيهم القدرة على تصريف الأمور أكثر من قدرة البشر:{قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39] .
ومن الجن صنف من الشياطين، وأنهم الذين يزينون للناس الأعمال الضارة والمعاصي المهلكة، وعلاقة الجن بإبليس قوية، فإنه كبيرهم، إنهم كانوا يعلمون الكتب المقدسة، وكانوا يوازنون بينها موازنة دقيقة:
1 المرجع السابق، ص32.
ومن الكون المغيب الملأ الأعلى، ومن عوالم الملأ الأعلى: سدرة المنتهى، والعرش، والكرسي، واللوح المحفوظ، والبيت المعمور.. وغيرها مما لا يعلمه إلا الله:{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص: 69] .
"وأخيرا، فهو كون مسلم طائع لربه، مؤمن عابد لمولاه.. إنه كون ذو روح تعرف ربها الحق، فتستسلم له طائعة، وتسجد له خاشعة، وتسبح له عابدة، وتغار على جلاله، وتنتقض لمهابته، وتغضب للشرك به من بعض البشر الجهال"1.
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] .
واجب المنهج:
وهكذا تناول القرآن الكريم هذا الكون غير المرئي بإيجاز بليغ دون تعرض لحقائقه، وإن كان قد تعرض لبعض خواصه، فلم يذكر -مثلا- كيف خلق الله الملائكة، ولم يذكر شيئا عن أصل الروح، ولا عن هياكل الملأ الأعلى.
وواجب الباحثين أن يتأدبوا بأدب القرآن، وأن يقفوا عند حد ما جاء به، ولا يتركوا العقل يسبح فيها:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] .
إن القرآن لم يتناول هذا الجانب المغيب من الكون بالتفصيل؛ لأن القرآن جاء للفائدة، ولا فائدة تعود على البشر من الخوض في هذا العالم، وإننا نتخاطب بلغتنا، وبحسب ما نعرف، وما نفهم، واللغة عندنا لا تتناول إلا ما يقع في دائرة المتكلمين بها حسا ومعنى. فكيف تصور جوانب هذا العالم المغيب وتفصيلاته؟! إن الخوض في هذه النواحي لن يوصل إلى شيء سوى الفرقة والجدل.
وعلى مناهج التربية والتعليم أن توطد كل صلات الوحدة وعلاقات الترابط بين الكبار وبين مفردات الكون والحياة من حولهم، فالله الواحد الأحد الفرد الصمد، خلق الكون والإنسان والحياة في انسجام كامل، فالكون صديق للإنسان إذا عرف نواميسه عن طريق التعلم والمعرفة، وفي عناصر الكون ما يناسب استمرار الحياة ما شاء الله لها أن تستمر إذا عرف الإنسان ذلك، وتعلم كيف يكيف بيئته لتناسب هذه
1 سيد قطب: مقومات التصور الإسلامي، مرجع سابق، ص348-349.
الحياة، فبين الكون والإنسان والحياة صداقة طبعية وانسجام أصيل، وليس عراك مستمر، وصراع مخيف1.
والخلاصة مما سبق أن على مناهج التربية أن تأخذ في الاعتبار ما يلي:
1-
التأكيد على أن الكون كتاب الله المفتوح، وأنه هو المصدر الثاني من مصادر العلم والمعرفة بعد الوحي.
2-
التأكيد على أن الكون مخلوق حادث، وليس أزليا، وأنه لم ينشأ من ذات نفسه، بل أنشأه الله بعد أن لم يكن.
3-
بيان أن الطبيعة مخلوقة لله، وأنه سبحانه نظمها، وخلق فيها قوانينها التي ينبغي أن يجد الإنسان في اكتشافها، ويستغلها في عمارة الأرض وترقية الحياة.
4-
التأكيد على أن الكون غيب وشهود، وأن الإيمان بالغيب هو أول صفات المتقين، وأن مكان عالم الغيب يعلمه عالم الغيب وحده.
5-
التأكيد على أن الإنسان يتعامل مع مفردات عالم الغيب كما أمر الله. ويتعامل مع مفردات عالم الشهادة بالدراسة والبحث واكتشاف قوانين الله فيها وتسخيرها لإعمار الحياة.
6-
التأكيد على أن "النظريات العلمية" وما تعارف الناس على أنه "حقائق علمية" كلاهما ليس قطعي الدلالة، ولا مطلق الدلالة، بل هي احتمالات راجحة في أحسن الأحوال.
7-
التأكيد على أن النصوص القرآنية قطعية الدلالة، ومطلقة الدلالة، ونهائية في تقرير الحقيقة التي تقررها، ومن ثم لا يجوز أن يستشهد على صدقها بالقوانين والنظريات العلمية المتصلة بالدراسات الكونية.
8-
التأكيد على أن الكون مقدر ومسخر، ومخلوق بحكمة، ومخلوق لغاية، وأن كل شيء فيه محسوب بحساب دقيق ليؤدي وظيفته، ويحقق الغاية من خلقه.
9-
التأكيد على أن عنصر الجمال مقصود قصدا في بناء الكون في ظواهره، وفي الحياة المبثوثة فيه، وأن إيقاظ حاسة الجمال في البشر مقصود قصدا في المنهج القرآني، وفي الثقافة الإسلامية، وفي مناهج التربية.
10-
التأكيد على أن الكون بمفرداته المختلفة صديق للحياة والأحياء، وليس عدوا لها، فقد أعده خالقه لاستقبال الحياة وحضانتها وكفالتها.
1 انظر فصل: "حقيقة الكون" في كتاب "مقومات التصور الإسلامي"، والمرجع السابق.