المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مصادر المعرفة ‌ ‌مدخل … مصادر المعرفة: الألوهية والوحي: الوحي هو المصدر الأول للمعرفة، وتختلف المناهج - مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها

[على أحمد مدكور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقديم

- ‌سلسلة المراجع في التربية وعلم النفس:

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأول: المفاهيم الأساسية لمناهج التربية

- ‌مدخل

- ‌مفهوم المنهج وخصائصه:

- ‌مفهوم الدين وعلاقته بمناهج التربية:

- ‌مفهوم العبادة وعلاقته بمناهج التربية:

- ‌مفهوم التربية:

- ‌مفهوم الفلسفة وعلاقته بمناهج التربية:

- ‌اللغة العربية ومناهج التربية:

- ‌الخلاصة:

- ‌الفصل الثاني: أسس مناهج التربية

- ‌مدخل

- ‌طبيعة المعرفة:

- ‌مصادر المعرفة

- ‌مدخل

- ‌الوحي مصدر المعرفة:

- ‌الكون هو المصدر الثاني للمعرفة:

- ‌العلم والمعرفة ومفهوم التعلم:

- ‌التطبيق غاية العلم والمعرفة

- ‌العلم والمعرفة وقيادة الإنسانية

- ‌الفصل الثالث: الطبيعة الإنسانية وطبيعة المتعلم

- ‌الإنسان والفطرة الإنسانية

- ‌مكونات النفس الإنسانية:

- ‌قواعد الفطرة الإنسانية:

- ‌دافع السلوك

- ‌الحاجات الإنسانية:

- ‌النمو والتعلم:

- ‌واجبات المنهج نحو الطبيعة الإنسانية وطبيعة المتعلم:

- ‌الفصل الرابع: طبيعة الحياة والمجتمع

- ‌مفهوم الحياة

- ‌طبيعة المجتمع ومكوناته:

- ‌العلم والمعرفة ومكونات المجتمع:

- ‌العدل بين الأفراد والنظم والمؤسسات:

- ‌العمل أساس التملك:

- ‌الحرية المسئولة أساس العلاقة بين الفرد والمجتمع

- ‌التغير الثقافي والحضاري

- ‌ واجبات المناهج التربوية

- ‌الفصل الخامس: أهداف المناهج

- ‌مدخل

- ‌معايير جودة الأهداف

- ‌أولا: الوضوح

- ‌ثانيا: الشمول

- ‌ثالثا: التكامل

- ‌أهداف منهج التربية

- ‌إدراك مفهوم "الدين" ومفهوم "العبادة" والعمل بمقتضاهما

- ‌ ترسيخ عقيدة الإيمان بالله والأخوة في الله:

- ‌ تحقيق الإيمان والفهم لحقيقة الألوهية:

- ‌ إدراك حقيقة الكون غيبه وشهوده:

- ‌ فهم حقيقة الحياة الدنيا والآخرة:

- ‌ تحقيق وسطية الأمة وشهادتها على الناس:

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ استعادة تميز الأمة:

- ‌ العمل على تحقيق وحدة الأمة:

- ‌ إعانة الطالب على تحقيق ذاته:

- ‌ إعداد الإنسان للجهاد في سبيل الله:

- ‌ إدراك أهمية العلم وقيمته في إعمار الحياة:

- ‌ تعميق شعور الإيمان بالعدل كقيمة لا تعمر الحياة بدونها:

- ‌ تأكيد شعور الطلاب بأن الحرية فطرة إنسانية:

- ‌ إدراك مفهوم الشورى وتطبيقاته:

- ‌ أن يتأكد لدى الطلاب المفهوم الصحيح للعمل:

- ‌ إدراك مفهوم التغير الاجتماعي:

- ‌ إدراك مصادر المعرفة والعلاقات بينها:

- ‌ إدراك الطلاب الفرق بين الإسلام والتراث الإسلامي:

- ‌ إدراك مفهوم الثقافة والحضارة:

- ‌ إدراك الفرق بين الغزو الثقافي والتفاعل الثقافي:

- ‌ ترسيخ مفاهيم العدل والسلام في عقول الطلاب:

- ‌ الاهتمام بالسيطرة على مهارات اللغة العربية:

- ‌ إدراك أهمية التفكير العلمي وفهم مناهجه، والتدريب على أساليبه:

- ‌ إدراك الطلاب لمفهوم الفن والأدب:

- ‌ بناء الشخصية القوية الكادحة لا الشخصية المترفة:

- ‌ فهم النظرية التاريخية:

- ‌ فهم الطلاب لطبيعة المجتمع:

- ‌ فهم أساسيات النظام السياسي:

- ‌ فهم أساسيات النظام الاقتصادي:

- ‌ إدراك الطلاب لأهمية نظام الأسرة:

- ‌ إدراك الطلاب لمهمة الإعلام الحقيقية في المجتمع:

- ‌ الاهتمام بالمدخل الحضاري في تعليم الكبار:

- ‌ تنمية شعور الطلاب وإدراكهم للمسئولية الاجتماعية:

- ‌الفصل السادس: محتوى مناهج التربية

- ‌مفهوم المحتوى ومصادره

- ‌طرائق اختيار المحتوى

- ‌أنواع المحتوى:

- ‌معايير جودة المحتوى:

- ‌الفصل السابع: طرائق وأساليب التدريس

- ‌عملية التدريس ومراحلها

- ‌الطريقة وعلاقتها بأسس المنهج وعناصره:

- ‌الوسائل التعليمية:

- ‌طرائق التدريس

- ‌مدخل

- ‌طريقة القدوة:

- ‌طريقة المحاضرة:

- ‌طريقة المناقشة:

- ‌طريقة حل المشكلات:

- ‌طريقة الملاحظة والتجربة:

- ‌تفريد التعليم:

- ‌التدريس بالفريق

- ‌التدريس المصغر

- ‌الفصل الثامن: طرائق وأساليب التقويم

- ‌مفهوم التقويم:

- ‌أسس التقويم:

- ‌أنواع التقويم ومستوياته

- ‌الاختبارات التحصيلية:

- ‌تفسير الدرجات:

- ‌الخلاصة:

- ‌الفصل التاسع: تطوير المناهج

- ‌بين التغيير والتحسين والتطوير

- ‌تطوير المنهج:

- ‌مراحل تطوير المنهج

- ‌مرحلة وضع المبررات لمشروع التطوير

- ‌ مرحلة تحديد الأهداف:

- ‌ مرحلة اختيار المحتوى ومنهجيات التعلم البديلة:

- ‌ مرحلة الاختبار الميداني:

- ‌ مرحلة المراجعة:

- ‌ مرحلة التنفيذ:

- ‌المراجع:

- ‌ المحتوى

الفصل: ‌ ‌مصادر المعرفة ‌ ‌مدخل … مصادر المعرفة: الألوهية والوحي: الوحي هو المصدر الأول للمعرفة، وتختلف المناهج

‌مصادر المعرفة

‌مدخل

مصادر المعرفة:

الألوهية والوحي:

الوحي هو المصدر الأول للمعرفة، وتختلف المناهج التربوية باختلاف تصورها للألوهية والوحي، فحقيقة الألوهية حقيقة إيجابية فاعلة في الكون والإنسان، "فالتصور الإسلامي" يبدأ من الحقيقة الإلهية التي يصدر عنها الوجود كله، ثم يسير مع هذا الوجود في كل صوره وأشكاله وكائناته وموجوداته، ويعنى عناية خاصة بالإنسان -خليفة الله في الأرض- فيعطيه مساحة واسعة من الصورة، ثم يعود بالوجود كله مرة أخرى إلى الحقيقة الإلهية التي صدر عنها وإليها يعود.

والتصور الإسلامي "في هذه الجولة الواسعة من الله وإليه، يشمل كل دقائق الكون، لا يغادر منها شيئا يقع في محيطه، سواء منها ما تدركه الحواس وما لا تدركه، وما تدركه الروح فيما وراء الوعي. ويشمل كل نشاط الإنسان وكل طاقاته. سواء نشاطه المادي ونشاطه الروحي، وسواء حياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وسواء عمله في الحياة الدنيا وفيما وراء هذه الحياة"1.

أما الحقيقة الإلهية في الفكر الأفلاطوني والأرسطي فأمرها غريب، فإله أفلاطون وإله أرسطو لا عمل لهما ولا إرادة، وإذا كان أرسطو يرى أن من كمال إلهه ألا يشعر إلا بذاته، وألا يفكر إلا في ذاته، فإن أفلاطون يزعم أن من كمال إلهه ألا يشعر حتى بذاته، لأنه يتنزه عن ذلك الشعور!

وقد أثر هذا اللون من الفلسفة فيما يتصل بحقيقة الألوهية على المدارس الفكرية والتربوية التي أتت بعد أفلاطون وأرسطو. فتوماس الإكويني المتأثر بأرسطو، وهو أحد أبرز المؤسسين للفلسفة الواقعية المدرسية، قد شارك في إقامة هذه الفلسفة على الاعتراف بكل من الطبيعة، والقوة الخارقة للطبيعة ممثلة في الإله الذي خلق الوجود، فهذه الفلسفة ذات طبيعة ثنائية بين الإله والطبيعة. فلكل منهما صفات خاصة به، لا تنسب إلى الآخر، فالزمان والمكان والتغير والنمو من خصائص الحوادث الطبيعية، في حين أن الأزلية، وعدم التغير، وعدم التقيد بالزمان والمكان من خصائص الإله2.

فإذا كانت وظيفته مناهج التربية -في التصور الإسلامي للحقيقة الإلهية- هي أن تغرس في المتعلم الإيمان بالله -ذاتا وصفات- والإيمان بمنهج الله للكون والإنسان والحياة، وأن توصل هذا المتعلم إلى درجة كماله التي تمكنه من الإسهام في تنفيذ منهج الله في الحياة -إذا كان ذلك كذلك في التصور الإسلامي، فإن سلبية الإله في التصور الأفلاطوني الأرسطي، والازدواجية بين الإله والطبيعة لدى تلاميذ

1 محمد قطب: منهج الفن الإسلامي، بيروت، دار الشروق، 1403هـ-1983م، ص16.

2 علي أحمد مدكور: نظرية المناهج العامة، عمان، دار الفرقان، 1991، ص333-335.

ص: 46

المدرسة الواقعية المدرسية، بالإضافة إلى عوامل أخرى- كان كل ذلك هو الخطوة الأولى نحو فصل حقيقة الحياة عن الحقيقة الإلهية. وفصل الدين عن الحياة، وظهور النظام "العلماني" الغربي، هذا النظام الذي يقوم على أساس فصل الدين عن الحياة، وأن لله ملكوت السماء، وللإنسان ملكوت الأرض، وأن ما لقيصر لقيصر وما لله لله!

وعلى ذلك الأساس قامت معظم الدراسات النفسية ودراسات الأصول التربوية في الغرب، وجاءت النظرية الموسوعية غير بعيدة عن هذا التصور لحقيقة الألوهية، فالحقيقة الإلهية هي إحدى مكونات الكون، مع الطبيعة والإنسان، وأصبح من مهام التربية الأساسية في النظرية البراجماتية، تكييف المتعلم مع البيئة، والطبيعة من حوله، لا على أساس أنهما من خلق الله، بل على أساس أن الطبيعة خالقة، ومن مهام التربية أن يفهم المتعلم القوانين التي تحكم العالم المادي من حوله، لا على أساس أن هذه القوانين -نواميس وسننا- خلق الله الكون عليها، وإنما على أساس أن الطبيعة هي صانعة قوانينها، فإدراك الحقائق والقوانين العلمية للطبيعة هو وسيلة للمعرفة الجوهرية الكاملة، وبذلك أغفلت تماما برامج ومناهج التربية الدينية.

ولقد كانت هذه الحلقة قبل الأخيرة، حيث جاءت الحلقة الأخيرة على يد أنصار النظرية التطبيقية الماركسية، التي وضعت النهاية المتوقعة لهذا التطور الأخرق، فآمنت بأنه "لا إله موجود والحياة مادة"! فتطور المادة، وحتمية التاريخ، وحتمية الاقتصاد، كل هذه الحتميات هي التي تصنع كل شيء، وتخلق كل شيء: الكون، والإنسان والحياة. وجاءت النظرية التربوية لتكريس هذا الفكر النظري الذي يتصادم مع طبيعة الفطرة الإنسانية، والحياة الإنسانية، والرقي الإنساني. وجاءت النتيجة في صورة أجيال من أكثر خلق الله بؤسا وضياعا على وجه الأرض.

والخلاصة، أن الهاربين من الكنيسة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كان كل همهم إنكار "الله"! ولكن "المثاليين" منهم اختاروا "العقل" ليعطوه كل خصائص الله وصفاته! و"الماديين" منهم اختاروا "الطبيعة" ليعطوها هذه الخصائص والصفات؛ لأنه لم يكن لهؤلاء وهؤلاء مفر من افتراض شيء فوق طاقة البشرية يكلون إليه تفسير هذا الوجود وما يجري فيه. لكنهم في كل الأحوال كانوا يريدون إنكار الله!

لقد تقلب العالم، وتغير تصوره لهذه الحقيقة -حقيقة الألوهية- أما في التصور الإسلامي فقد بقيت هي الحقيقة الأولى والكبرى، والأساسية والفاعلة؛ لأن الحق

ص: 47

-سبحانه- قد قال فيها ما لا يملك أحد أن يقول: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] .

هذه هي قاعدة التصور الإسلامي الأساسية، فالتصور الإسلامي "يفصل فصلا تاما بين طبيعة الألوهية وطبيعة العبودية، فهما لا تتماثلان ولا تتداخلان، كذلك يبين التصور الإسلامي بيانا حاسما: من هو "الله" صاحب الألوهية ومن هم "العبيد" الذين تتمثل فيهم العبودية"1.

فعن مشيئة الله الواحد -سبحانه- صدرت كل الخلائق، وبقدر الله تقوم وتتحرك، لا شريك له في هذه الألوهية، لا في حقيقتها ولا في خصائصها، ولا في سلطانها.

"إن المنهج القرآني يجلي هذه الحقيقة بآثارها الفاعلة في هذا الوجود. في الخلق والتدبير، في تصريف هذا الكون وما فيه ومن فيه، في تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم، في إيلاج النهار في الليل، وإيلاج الليل في النهار، في إرسال الرياح لواقح، وإنزال الماء من السماء، في انبثاق الحياة من الموت، وانبثاق الصبح من الظلام، في إخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي، في بدء الخلق وإعادته، في القبض والبسط، في البعث والنشور، في النعمة والنقمة، في الجزاء والحساب، في النعيم والحساب، في كل حركة وكل انبثاقة، وكل تغير وكل تحور في عالم الغيب أو في عالم الشهادة، في هذا الوجود الكبير"2.

جوهر العقيدة التوحيد:

عقيدة الإسلام تشمل الإيمان بالله، وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وكل ركن من هذه الأركان وثيق الصلة بسائر الأركان، فهي تكون كلا واحدا متكاملا، لكن سائر الأركان مرتبط بالركن الأول ارتباط صدور، وارتباط غاية. فكل شيء صادر من الله، وكل شيء عائد إليه.

والتوحيد هو جوهر دين الله للبشر، من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] .

1 سيد قطب: مقومات التصور الإسلامي، مرجع سابق، ص81.

2 المرجع السابق: ص43.

ص: 48

والتوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الذات والصفات. أما توحيد الربوبية، أو ما يسمى بتوحيد الله بأفعاله كالخلق والرزق والإحياء.. والإماتة.. والإيمان بوجوده ذاتا وصفات، فهذا الإيمان فطرة مستكنة في خلق الله للإنسان، وعهد مقطوع على بني البشر منذ خلهم الله، وهم بعد في ظهر الغيب:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] .

أما توحيد الألوهية، فيسمى توحيد الله بأفعال العباد، وهذه الوحدانية هي القاعدة التي يقوم عليها التصور الإسلامي كله، وينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلها، بنظمها السياسة والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية، فمن هذا التصور ينشأ الاتجاه إلى الله وحده بالعبودية والعبادة، فلا يكون الإنسان عبدا إلا لله، ولا يتجه بالعبادة إلا لله، ولا يلتزم إلا بطاعة الله، وعند هذا التصور تنشأ قاعدة الحاكمية لله وحده، فيكون الله وحده هو المشرع للعباد، بحيث تجيء التشريعات البشرية من شريعة الله.. وعن هذا التصور تنشأ قاعدة استمداد القيم الخلقية، والعلمية والمعرفية كلها من ميزان الله.. وبذلك فلا شرعية لنظام أو لقانون أو لتغير سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو تربوي يخالف منهج الله:{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] .

وعلى هذا فالذين يقولون إنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يشركون معه غيره في الألوهية، حين يتحاكمون إلى شريعة من صنع غيره، وحين يطيعون من لا يتبع رسوله وكتابه، وحين يتلقون التصورات والقيم والموازين والأخلاق والآداب من غيره.. هذه الأمور كلها تناقض القول بأنهم يؤمنون بالله، ولا تستقيم مع شهادة الله -سبحانه- بأنه لا إله إلا هو، ولا تستقيم مع صفة الإسلام ووظيفتها وهي أنها أمة "وسط" شاهدة على الناس.

ص: 49